
التاريخ : الاثنين 30 يونيو 2025 . القسم : في دائرة البحث
قراءة معاصرة لرسالة "الخطوات الست" للمصلح المربي بديع الزمان النورسي (1878 - 1960)
- رسالة تجاوز عمرها مائة عام.. ومازالت أفكارها حية نابضة.
- ثقافة الإصلاح تعني ثقافة الإعمار للتخريبات الكلية، وترميم القلاع والحصون العقدية.
- لا ينتصر الباطل المختلق، إلا على الحق المخترق.
- الزعيم (ماوتسي تونج).. يحصد نجاح القواد المسلمين العظام في إقليم التركستان.
- الزعيم "غاندي" يحصد نجاحات وأفكار الزعيم المسلم مولانا "أبو الكلام آزاد".
- (طاغور) يتسلم جائزة نوبل دون "إقبال" رغم الفارق الهائل بينهما ثقافة وفكرًا وعطاءً.
- (بورقيبة) يحصد ثمار (صالح بن يوسف ورفاقه).
- رسالة (الخطوات الست) للمصلح المربي "سعيد النورسي" تؤسس للنموذج الواعي لخوض معركة (إنقاذ الإيمان).
النورسي وفقه الإصلاح والتغيير
د. محمود الشرقاوي
لابد لأبناء الحركة الإسلامية - فضلًا عن قادتها وروادها - من التمرس بامتلاك الرؤية الكاملة للإصلاح والتغيير، والتمكن من المنطلقات ذات القدرة الفائقة على رسم معالم الطريق، وتوسم خطى السير في يسره وعسره، ووثباته وكبواته، بل وامتصاص الصدمات، وحسن توقع العراقيل والعقبات التي يجيد الأعداء المتربصون، وضعها هنا وهناك.
وكذلك حساب القوى المعادية في الداخل والخارج من صناع "الواقع المفروض"، وحلفاء حروب التطويق والمحاصرة، وتوقع تحركات قواتها الظاهرة والباطنة، وقدرتها على الإعاقة، والعرقلة، والتحدي، والحرف، والجرف، والصهر والتذويب لماهية المشروع الإسلامي ومقدراته ومكوناته ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: 20]. بل وحساب كل قوى التأليب، والشرذمة، وبؤر الخيانة، والعمالة الحضارية على مختلف الأصعدة.
وقد حفل تاريخنا القديم والحديث بمثل هذه القيادات القديرة الواعية المؤهلة لتصدر المشهد عن جدارة واستحقاق، وتحقيق نجاحات ملموسة على أرض الواقع، مهما كانت العراقيل والعقبات.
ومن هذه النماذج في تاريخنا: خالد بن الوليد –رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز، وعبد الرحمن الغافقي ويوسف بن تاشفين، وألب أرسلان، وصلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، وعبد القادر الجزائري، وعبد الكريم الخطابي، وعمر المختار، وأحمد السرهندي، وحسن البنا، وعبد العزيز الثعالبي، وأحمد بمبا السنغالي، ومولانا أبوالكلام آزاد، وسعيد النورسي، وعلي عزت بيجوفيتش. وذلك على اختلاف المواقع والمواطن القيادية، والأدوار الإصلاحية التي لعبها كل منهم على مسرح التاريخ.
ومن عجب أَنَّ معظم هؤلاء الزعماء وعشرات أمثالهم من صناع التاريخ والحضارة، قد قطف غيرهم ثمار جهادهم، وقفز سواهم إلى مقاعدهم في صدارة الشعوب والأمم.
وعلى سبيل المثال، وفي عصرنا الحديث؛ فهذا "ماوتسي تونج" الزعيم الصيني الأشهر يجلس على أريكة القائدين المسلمين "برهان شهيدي" (1894 – 1989م) بطل الحرب ضد اليابان، و"علي خان تورة" مؤسس جمهورية تركستان الإسلامية، مثلما جلس "غاندي" في الهند على مقعد العلامة الزعيم المفكر المسلم مولانا "أبو الكلام آزاد" (1888-1958م) وتسنَّم "طاغور" البوذي قمة الفيلسوف المسلم "محمد إقبال" ونال "نوبل" دونه، على الرغم مما بينها من فارق هائل في إنسانية الفكر وعمق الفلسفة والعلم والثقافة.
وزحف العلمانيون المغاربة بزعامة "المهدي بن بركة" ليسيطروا على حزب الاستقلال المغربي: صاحب المرجعية الإسلامية، ويبهتوا تاريخ المجاهد المسلم "علال الفاسي". وتم تصنيع "بورقيبة" العلماني المنحل؛ ليحصد ثمار المجاهد "صالح بن يوسف" وإخوانه. بل وتنسب زعامة باكستان إلى العلماني الإسماعيلي "محمد علي جناح"، بينما "محمد إقبال" هو أعلى وأقوى مَنْ نادَى بإنشاء هذه الدولة، وبث فكرتها في العالمين.
وهكذا في ميادين الفكر، والأدب، والسياسة، والاقتصاد، والأعمال، والإنسانية، وسائر ميادين صناعة الحضارة وبناء الإنسان. الإسلاميــون يزرعون والعلمانيون يحصدون، الإسلاميون يبذلون، والعلمانيون يغنمون. فمتى تنتهي هذه المسيرة المعكوسة في أكل الأصابع الطيبة التي تطعم الأفواه الجائعة!!! ثم لا تحظى إلا بجزاء "سنمار". حقًّا وصدقًا: (إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ القَولِ وَزُورًا). [المجادلة-2]
ولكن لن تخلوَ أرض من قائم لله –تبارك وتعالى- بحجة، ولنأخذ مثالًا واحدًا من أشد الساحات تعقيدًا وأكثرها أعداءً. "نموذج رجل القدر" بديع الزمان سعيد النورسي (1877-1960) -رحمة الله عليه- فقد مثّل هذا النموذج حالة متميزة من الانعتاق الواعي في حروب التدويخ والتطويق والاختراق وخلع الجذور؛ التي تمارسها كل القوى المعادية للإسلام والمسلمين.
حين قام هذا النموذج الواعي – الذي اجتبته رحمة الله – بواجب الوقت، لينهض في خوض معركة "إنقاذ الإيمان" في أرض البلقان، بعدما هبت الأعاصير العواتي على تركيا من الجهات الست. فلما رأى رجل القدر -بديع الزمان سعيد النورسي- هؤلاء الغزاة قد تسابقوا لاجتياح دار الإسلام، وتقسيم تركة وجسد الرجل المريض، سارع بتحرير كتيب "الخطوات الست" الذي حرَّكَ فيه هَمَّ وهِمة المواطنين، ووضع أمامهم خطوط السير لخوض معركة الانعتاق من وهدة السقوط وهاوية الضياع، عبر مراحل الإعداد والاستعداد للمعركة الطويلة التي لا مناص منها، ولابد، وهي معركة "إنقاذ الإيمان".
وكان بذلك أول مَنْ بادرَ إلى رد الاعتبار للأمة التركية العظيمة، ودافع عن كرامة الإسلام والمسلمين، وقد أبصرها وهي تهان، ورأى بعينيه عزة العالم الإسلامي قد طعنت في الصميم، فكان الإمام الرائد من خلال هذا الكتيب الصغير الحجم، الخطير المنزلة "الخطوات الست" طبيبًا بصيرًا يعرف كيف يستثير كل أجهزة المناعة في الجسم المسلم، لمواجهة هذا الوباء القادم الذي لا يرحم، بل ويحمل مشعل الوعي أمام الجماهير الذاهلة، في معركة الانحسار والانكسار.
وبذلك استطاع هذا الكيان المسلم أن يقف في وجه الهزيمة، وأن يرفع عن وجهه المهانة، وأن يستأنف الإقلاع والنهوض من جديد.
معركة الخطوات الست
تتلخص هذه المعركة في رسالة صغيرة الحجم، شديدة الخطر، بعيدة الأثر، وجدها جنود الاحتلال في وجوههم، ترد كيدهم، وتفضح ضلالهم، وتفند أكاذيبهم.
ففي الوقت الذي كانت فيه أساطيل الغزاة توجه مدافعها نحو قصر "دولمة باغجة" وتحاصر قصر "السلطان وحيد الدين"، في 13 تشرين الثاني 1919م، كانت هذه الرسالة تفك حصار الغزاة معنويًّا، وتفككهم فكريًّا، وتردع ضلالهم عقديًّا وإيمانيًّا. فإن الثبات هو مقدمة النصر، والحكمة هي ضالة الفكر، وما انتصر أعداء الإسلام يومًا بضلال حقهم وحدهم، إنما بضلالنا عن الحق الذي معنا.
ومن المعروف أن الحروب المعنويَّة، التي تدور رحاها في القلوب والعقول والأنفس، أخطر وأشرس من حروب التروس والأسنة، والبنادق والقنابل، والمدافع والطائرات، والبوارج والأساطيل، لأن الهزيمة المادية لا تصبح هزيمة نكراء، إلا إذا تحولت إلى هزيمة فكرية ومعنوية، وسقوط الواقع لا يصبح داهية دهياء إلا إذا أدى إلى سقوط المعتَقَد.
ولذلك أدرك الأستاذ "بديع الزمان النورسي"، أن "الفتنة" التي مثلتها بهجة اليهود، وسعادة الأرمن والروم، وهم يصفقون ويهتفون للقائد الفرنسي المغرور "فرانس دوبر" وهو يخترق شارع "أوغلو بك" متوجهًا إلى السفارة الفرنسية على صهوة جواده الأبيض الذي يطأ بحوافره "العلم العثماني بهلاله ونجومه. هذه الفتنة لن تسحق الفؤاد، وتضل العباد، إلا إذا شرب المجاهدون كأسها وزاغت بها أعين الناظرين.
هنا نهض "رجل القدر" ليجمع رؤوس الفتنة الست، في أقاويل الشيطان، التي ألقى بها الخراصون الغزاة، ليجتالوا المسلمين عن إسلامهم، على النحو التالي:
- انظروا ماذا ترون أيها المسلمون فهذا هو قدر الله –عز وجل- والعدل الإلهي لا يظلم أحدًا؟
- إنكم أيها المسلمون: قدواتكم هم الذين كفروا، فأصبحتم أنتم وهم سواء.
- قد ساسكم من أفسدوا واستهانوا بحقكم، فليسوا أهلًا للإدارة فاتخذوني وصيًّا ووليًّا.
- أعداء الشيطان في الظاهر أمامكم، هم أولياؤه في الخفاء، ومقصدهم ليس الإسلام كما تظنون.
- إمامكم يؤيدنا ويوالينا، ومِنْ ثَمَّ فأمره مطاع عليكم.
- مقاومتكم لنا إلقاء بأنفسكم إلى التهلكة، إذ كيف تقدرون وحدكم على ما لم تقدروا عليه مع حلفائكم؟
وهنا هب - رجل القدر- فقدح زناد فكره، وأشعل إلهاماته الفلسفية، وأضاء مصباح عقيدته الوهاج.
- فأجاب عن الشبهة الأولى بقوله: القدر الإلهي عدل فيما يخصنا من ذنوب، فنتوب ونرجع، وفيما يخص عداء الشيطان لنا لأجل إسلامنا، فنجاهد وندفع، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾
[ الأعراف:201]. - وقال عن الشبهة الثانية: نحن نقبّل يد المعاونة، ولا نقبّل يد المعاداة، فليس بالضرورة أن كل صفة من صفات الكافرين ناتجة عن كفره، فإن هذا الدين ينتصر بالبر والفاجر.
- وقال عن الشبهة الثالثة: أيها الوسواس الخناس أنت القوي الذي أحطت بساساتنا وكبرائنا، فأنكحتهم دنيا لم تأخذ مهرها إلا من دينهم، ولو حكّمناك فينا فإننا سنكون كمن تنجس ثوبه بماء نجس، فذهب يغسله ببول الخنازير.
- وقال عن الشبهة الرابعة: أما عمَّنْ يخاصمون الشيطان من أولياء الأمور في الظاهر، وهم في الباطن معه، فإنهم جميعًا وسائل، وتأثير النيات في الوسائل قليل، لأن المقصود يترتب على وجود الوسيلة، وليس على ما فيها من نية، فلو أردت أن أحفر بئرًا، وجاء مَنْ يساعدني في الحفر، وهو ينوي أن يتخذ البئر سترًا أو خفية، فلن تؤثر تلك النية في وجود الماء عند بلوغه. وقصدنا وجه الله –سبحانه وتعالى- والقرآن الكريم والقبلة، وكيفما تكون نية من يشاركنا هذا القصد، فلن تغير أو تحول قصدنا.
- وقال عن الشبهة الخامسة: الإمام في الإسلام، عقله في شورى الأمة، وقوته في جيشها وحريتها، وقلبه يدور مع مصلحتها، فلو تغير ذلك وخرج الخليفة عن المقتضى، فإن طاعته عند ذلك تكون بترك طاعته.
- وقال عن الشبهة السادسة: كل ما يغتر به الغرب من قوة، إنما يقوم على حيل فاسدة، إلا إذا امتد غزوها في فراغنا، وهذا أمر مستحيل، وقوتك أيها الشيطان قوة متعارضة، غير متعاضدة، يعطل بعضها بعضًا، ولن يُكْتَبُ لها الدوام يومًا، ونحن هنا في عالم قد تيقظ، واشتركت أجزاؤه في الداء والدواء معًا، فالموت بعزة، حياة لنا، والحياة بذل، هي الموت بعينه.
فيا أيها المسلمون أفبعد كل هذا تتخاذلون وتستحسنون ما استقبحه الشرع والعقل ومصلحة الإسلام؟!!
وهكذا تجلت القيادة النورسية في إمامة الأمة وسط معركة البقاء، كما أراد النورسي وقرر قائلًا: " إنني أريد أن أجاهد في أكثر الأماكن خطرًا، وليس من وراء الخنادق".
وكان أخطر هذه المواقع حينها، هو الموقع الفكري، الذي أنقذ الضحية من أن تسلم رقبتها إلى جلاديها دون تذمر"، وسرى أثرها في العامة والخاصة، في رفع الغشاوة عن الأعين، فأبصرت نور الحياة من جديد.
وما أن دخل القائد الإنجليزي اسطنبول، حتى سُلمت له رسالة" الخطوات الست" التي تفند أباطيلهم، وتنسف مزاعمهم، فقرر ذلك القائد إعدام النورسي، ولكنه عدل عن قراره خوفًا من رد الفعل غير المتوقع من المسلمين الساخطين على الغزاة والمحتلين.
وقد ترجم الأستاذ النورسي هذه الرسالة في حينها إلى العربية، وأعاد نشرها بالعربية والتركية على نطاق واسع عام 1920م، كمنهاج لمعالم السير في طريق الإصلاح والتغيير، وضبط خطى المجاهدين الساعين إلى الإصلاح والمواجهة والتغيير.
من مفاتيح التزكية
وهذه الرسالة "الخطوات الست" تقوم مهمتها الأساس، على غرس ثقافة الإعمار للتخريبات الكلية، كما تسعى إلى ترميم القلاع والحصون العقدية، وبث نورها فيها، حتى ليكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، فتحيا معه القلوب، ويشتعل الوجدان، راغبًا إلى الله تعالى، عبر رحلة الشوق والصفاء في مدارجه السامية، غير المتناهية، من التماهي مع سنن الفطرة التي فطر الله –سبحانه وتعالى- الناس عليها.
فكما أن هناك طاعة ومعصية بشأن الأمور الشرعية، فإن هناك طاعة ومعصية بشأن السنن الكونية.
ودائمًا وأبدًا لا ينتصر الباطل المختلق، إلا على الحق المخترق، كما أن هزيمة الحق وأهله كثيرًا ما تأتي بأخطائهم، لا بأصالتهم: (وَإِنْ عُدَّتُمْ عُدْنَا)، وصدق "إقبال" حين يقول:
إنما الكافر حيـران لــه العالــم تيــــه
وأرى المؤمن كــونًا تاهت الأكوان فيه
رضوان الله على "رجل القدر" العلامة الصابر، المجاهد، الرباني، سعيد النورسي الذي رُزِقَ صحة الفهم، وسداد العلم، ونور الرأي والرؤية، فكان بحق إمام المجاهدين الربانيين، العاملين في معركة البقاء، وكان مما أحسنوا فن القيادة، فألهموا كيفية الإمساك بمفاتيحها، والنفخ في روحها، وإشعال جذوة الإيمان في شغافها، وزرع اليقين في أعماق أعماقها.
ولوعي النورسي الفقيه لمفاتح الشخصية التركية ومقومات إنسان الأناضول، فقد اتكئ على تراثه التزكوي، ومرجعيته في التربية والسلوك إلى ملك الملوك، فهدي إلى الطيب من القول والعمل؛ حيث أقام منهاجه في القيادة التربوية على النحو التالي:-
- اتخذ من "فتوح الغيب" للجيلاني، و"مكتوبات" أحمد الفاروقي السرهندي مواردًا تروي العليل، وتهدي إلى سواء السبيل، وكتاب الله –تبارك وتعالى- من أمامه وسنة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- في أحضانه.
- كان النورسي شديد الوعي بمنهاج السير، وضرورات الصعود إلى مراقي الفلاح؛ فأقام أعظم حواريّة عرفها الفكر الإسلامي المعاصرة، وعاشتها الحركة الإسلامية الميمونة، في هذه العملة التي طرحها بوجهيها معًا (سعيد القديم وسعيد الجديد) من خلال ذاتين في شخص، ورؤيتين في نص، وهو يرود ويقود أمته إلى مدارج العلا ومراقي الكمال، في التربية والسلوك، والإرشاد والإصلاح.
- الإصرار على مواصلة الرسالة التربوية، مهما كانت التكاليف والمغارم، بعدما ظل يتنقل من سجن إلى سجن، ومن منفى إلى منفى، وهو يستقي النور من فيض الرحمن –عزَّ وجلَّ- وهدي القرآن الكريم؛ ليقدم لنا هذه الثلاثية المباركة في (الفكر والسلوك والتربية)، في 130 رسالة، كتبها جميعًا في ظروف غير عادية، ما بين سجن وأسر، وهروب من أسر، واعتقال، ومرض وتحديد إقامة، وتجسس ومحاصرة، وعلل وأمراض، وتربص ومطارده.
- التأسيس قبل التسيس: حيث أسس مدرسته الفريدة التي تبني إنسان الإيمان في مدرسة الأكوان.. وتربط الحق بالخلق، والحقيقة بالطريقة ، وأنقذ بها الإيمان في ديار الخلافة،، فكانت نورًا من القرآن الكريم، وسيفًا من البرهان، يتزود به أهل الإيمان، وجند الرحمن، في مواجهة الشيطان، فلم تكن رؤية الرجل أقباسًا من فلسفة الشرق والغرب، ولكنها كانت أنفاسًا من هدايات القرآن العذب.
وظل النورسي مرهوبًا من قبل كل السلطات التي تواكبت عليه -حتى بعد وفاته- رحمة الله عليه، في (25 رمضان 1379هـ - 23 مارس 1960م) حيث دفن جثمانه المبارك بمدينة (اورفة)، فأبى رعب السلطات من رفاته، بعد رعبها منه في حياته، إلا أن تتسفل إلى هاوية السقوط الإنساني، حيث قامت السلطات العسكرية الغاشمة آنذاك بنبش قبره بعد أربعة أشهر من دفنه، ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة، وأصبح النورسي الإمام القائد المعلوم نزيلًا للقبر المجهول، وحتى الآن، لا يعرف الناس له قبرًا يُذْكَر. (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) والحمد لله رب العالمين.