
التاريخ : الخميس 03 يوليو 2025 . القسم : بيانات
في ذكرى الانقلاب: هذا هو موقف الإخوان وهذه هي بوصلتنا
مرت اثنا عشر عاما كئيبة على وطننا الحبيب مصر، كان عنوانها تراكم المظالم التي طالت عموم المصريين، في مقدمتهم عشرات الآلاف ما بين شهداء ومعتقلين ومختفين قسريا ومطاردين؛ فضلا عن فشل اقتصادي ترك البلاد رهينة ديون خارجية، تكبّل إرادتها السياسية، وتهدد استقلال قرارها الوطني، وتعرض أمنها القومي للخطر، في حين يقف نظام الحكم عاجزا حينا، ومستهترا حينا، لا يظهر الحزم إلا في وجه أبناء شعبه، ولا يشغله إلا البقاء في كرسي الحكم مهما كانت تكلفة ذلك من حاضر البلاد ومستقبلها.
إن حاجة مصر للتغيير لم تعد محل شك. تغيير سلمي شامل ينتقل بها من القمع والاستبداد إلى الحرية والتسامح والعدل والعيش الكريم. ومن الاستدانة والتبعية إلى استقلال الإرادة الوطنية وامتلاك موارد القوة اللازمة للدفاع عن البلاد. تغيير يعيد إلى مصر ثقلها الإقليمي والحضاري، ويضعها مجددا في موقع الريادة عربيا وإسلاميا، بعد أن شوه صورتها العجز الفادح والتخاذل المخجل الذي فضحته حرب غزة وأزمة سد النهضة الإثيوبي.
إن ذكرى الانقلاب ليست مناسبة لإذكاء الانقسام الوطني والمجتمعي مجددا، وإنما هي فرصة لتذكير جميع المخلصين لوطنهم أن مصلحة البلاد والشعب وحدها قادرة على أن توحد جهودنا جميعا مهما تنوعت أفكارنا وأيديولوجياتنا. لقد كانت السنوات الماضية كافية – لمن أراد أن يعتبر – لندرك أنه لا نجاة لأي قوة سياسية منفردة، وأن الرهان على إقصاء طرف أو أطراف ليس إلا حسابات قصيرة النظر لم تلبث أن ترتد على الجميع دون استثناء. فليس ثمة نجاة فردية، وليس ثمة نجاة لمصر ومستقبلها دون قوى سياسية واجتماعية ونخب مسؤولة تضع مصلحة البلاد والشعب المصري كاملا قبل أي شيء آخر.
لقد دفعنا جميعا-ولا نزال- أثمانا باهظة: الحكومة الشرعية المنتخبة ومعارضوها، الأحزاب السياسية والحركات الشبابية، قوى 25 يناير ومن تعرضوا لخديعة 30 يونيو، الإسلاميون والليبراليون واليسار. وذلك بالإضافة للتكلفة التي تدفعها البلاد على صعيد أمنها القومي واقتصادها وصورتها ومكانتها. وإن ما تنتظره مصر من أبنائها المخلصين ليس بيانات اعتذار أو اعتراف بأخطاء؛ وإنما العمل الفوري الجاد والمشترك من أجل تصحيح الأخطاء، والتبرؤ من مواصلة الرهان على سياسات وخيارات بلغت طريقا مسدودا. أما المصرون على فشلهم، المدافعون عن القتل والاعتقال والاستدانة والمهانة، فهم وخيارهم، وإننا ماضون في طريق التغيير دون التفات.
إن الإخوان المسلمين بعد اثني عشر عاما من الانقلاب يجددون العهد مع المجتمع المصري، بكل أطيافه وتنوعه، أن تظل بوصلتهم هي تحقيق التغيير السلمي الشامل الذي تنتظره مصر والذي يليق بها، لن يتخلفوا عن ذلك رغم الآلام، وستظل أيديهم مع أيدي المخلصين الجادين في العمل من أجل هذا التغيير. وبوصلتنا في ذلك واضحة لا يشوبها ارتباك أو شك، ولا يحرفها غضب، فهو تغيير آمن ومسؤول يحفظ على البلاد أمنها ولا يهدده، ويقوي نسيجها الاجتماعي ولا يفتته، ويصون كافة مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب، ومنجز قومي لأجيال المصريين المتعاقبة، ورمز لدولتهم الوطنية التي بناها ودافع عنها المصريون لأكثر من قرنين من الزمان.
إن التغيير الذي يعتقد الإخوان المسلمين أن مصر والمصريين ينتظرونه تتجسد أركانه في المحددات التالية:
- إرساء العدل والحرية والعدالة الاجتماعية لمصلحة كافة أبناء الوطن دون تمييز أو إقصاء.
- حماية الاستقلال الوطني يتطلب وحدة النسيج الوطني، وتأسيس نظام سياسي يتوفر له الشرعية الشعبية الحقيقية، وامتلاك القدرات الدفاعية المتقدمة، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتوازن التحالفات الخارجية على أساس التعاون والتكامل والتكافؤ.
- إعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومي، ووضع الأولوية للإنفاق على التعليم والصحة، وتطوير الريف، والمناطق والأحياء المهمشة.
- رفع القيود التنظيمية عن القطاع الخاص، ودعم المشروعات الصغيرة، وتوجيه الأولوية القومية للاستثمار في تطوير البنية التحتية الصناعية والتكنولوجية المتقدمة كركيزة ضرورية للنهضة والتنمية.
- دعم الاستقلال الحقيقي والكامل لكافة أشكال التنظيم المدني، بما يشمل النقابات المهنية والعمالية، والاتحادات الطلابية، ومنظمات المجتمع المدني المتنوعة.
- رفع القيود الأمنية عن الأحزاب السياسية، وعن مجمل النشاط السياسي.
- دعم حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي.
إن المتأمل في واقع مصر الآن، يلحظ بوضوح أن القبضة الأمنية الخانقة مهما كانت شاملة، فإنها ستظل أضعف من قوة مجتمع كبير ومتنوع مثل المجتمع المصري، وأنه لن يلبث أن يعيد ترميم حالته التنظيمية والمؤسسية، التي ستمثل نواة لممارسة حقه في تغيير واقع البلاد المأزوم، والبحث عن مستقبل أفضل. وإن الواقع مهما بدا ممتدا بلا نهاية، فإن المستقبل كان دائما-وسيظل- ملك الشعوب التي تظل هي الحقيقة الواحدة التي لا تتغير.
د. صلاح عبد الحق
القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
الخميس 8 محرم 1447هـ؛ الموافق 3 يوليو 2025م