التاريخ : الثلاثاء 07 أكتوبر 2025 . القسم : بيانات

عامان على "طوفان" حرك ضمير العالم تجاه فلسطين


الحمد لله الذي جعل عزة الأمة في الجهاد، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المجاهدين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تمر اليوم الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، ذلك الحدث العظيم الذي فاض من غزة كالنور من بين الظلمات، وكالبرق في ظلام الليل البهيم، وأيقظ في الأمة جذوةً الجهاد، وألهب المشاعر نحو المسجد الأقصى، وألهم أصحاب الهمم والرسالة، كيف يكون العمل من أجل التحرير، وكيف تكون العزمات.

عامان مرَّا على طوفان الأحرار، وما زال هديره يسكن الضمير الإنساني، ويذكّر العالم أن فلسطين قضية لا يمكن أن تعلوها رحى النسيان، مهما بلغ العدو من جبروت وطغيان، ومهما بسط من أوهام التطبيع والسلام. فقد أثبت طوفان الأقصى أن في فلسطين شعبا متجذِّرًا في أرضه لا يقبل عنها بديلا، ومتمسكًا بحقه لا يُساوِم، وفيٌّ لدينه ولأمته، أمين على مقدساتها.

لقد كشف طوفان الأقصى أن القوي لا يظل قوياً أبدا، وأن الضعيف لا يظل ضعيفاً أبدا. كما كشف ميزان القوة المختل، وأن القوة الغاشمة إذا تجردت من الحق والأخلاق يمكن أن تصنع دماراً هائلاً، لكنها لا تصنع نصرًا. وأن الإيمان بالله الواحد القهار، والإيمان بالحق والواجب -مهما ضعفت العدة- يصنع المعجزات.  وصمود عامين لأبطال غزة دليل على ذلك. كما ثبت أن أخلاق المؤمنين في السلم والحرب تستلب القلوب وتبهر الأبصار. وقد حقق طوفان الأقصى لفلسطين نصرًا عزيزًا في غير ميدان القتال، وبلغت مكانة لم تبلغها مِن قبلُ في العالمين.

فيوما بعد يوم يزداد انحياز الدول والحكومات إلى صفها، وباسمها هتفت الجموع إيمانا بعدالة القضية ونَبالة وطهر المسلك والمقصد. وها هي أسوار العزلة تعلو الكيان الغاصب يوماً بعد يوم، مؤذنة بقرب زواله، فجبهة داعميه تتصدع، وأحلاف داعمة لقضية فلسطين تتشكل. وهذا انتصار لأصحاب الرؤية والبصيرة أصحاب القرار.

عامان مرَّا من الجهاد، وأهل الرباط يواجهون أعتى قوى الأرض ببأس شديد وصبر وإيمان، ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.  عامان من السجال: قرح وقرح ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، وألم وألم ﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾. وها هو العالم -يا أهل الرباط- يقف مشدوهًا ينتظر كلمتكم، وهذا نوع انتصار. 

عامان والموقف الرسمي في الأمة العربية والإسلامية دون مستوى الواجب، ودون مستوى آمال الشعوب. فشعوب العالم الإسلامي تتحرق ألمًا للدم يراق على أرض فلسطين كل يوم، وهم ممنوعون من نصرة إخوانهم، كما تتحرق شوقًا إلى تحرير المسجد الأقصى المبارك. وقد آن الأوان ليدرك العالم العربي أن خطر التوسع والاحتلال محدق، وأن العدو الإسرائيلي متربص، وأن المقاومة هي صِمام الأمان، إن زالت زال أمنهم وعم الخراب.

أملنا في غد أفضل تتضافر فيه قوى الأمة وكل القوى الحية في المجتمع الدولي وأحرار العالم لنصرة غزة وكسر حصارها، ودعمها بشتى صور الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري. فالعدوان لم يتوقف بعد مرور عامين، وإن حصلت الهدنة فهي استراحة أهل الرباط، أما نحن فأمامنا واجب العمل الدؤوب لتثبيت الشعب والمقاومة. وعلى الجميع واجبُ الانتصار في معركة الوعي والحشد لتأييد تلك القضية العادلة أمام آلة الدعاية للإبادة الجماعية وآلة تبرير الجرائم ضد الإنسانية.

وختاماً.. سلامٌ على شهداء طوفان الأقصى، إذ كتبوا بدمائهم السطر الأول في مسيرة التحرير، ورفعوا بها اسم فلسطين عاليًا. وسلامٌ على المرابطين إذ صبروا ويصبرون. نسأل الله أن يعجِّل بنصر عزيز، ثقتنا بالله ألا يطول انتظاره. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 4-5].

 

الدكتور صلاح عبدالحق

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

الثلاثاء 15 ربيع ثاني 1447هـ؛ الموافق 7 أكتوبر 2025م