معركة التحرر والاستقلال مستمرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن والاه.وبعد!! فلا يُماري عاقلٌ في أنَّ الإسلامَ هو الثابت الرئيس من ثوابت الشعوب العربية والإسلامية، والدافع الأول في سعيها الحثيث للتحرر من كلِّ استعمارٍ أجنبي واستبدادٍ داخلي، ويمتد السعي نحو التحرر ليشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية.
وقد أدرك الإمام الشهيد حسن البنا هذا المعنى وهو يرى الأمة تعيش مرحلةَ الاستعمار والاستلاب الحضاري والتدمير الثقافي للهوية، فبدأ يدعو إلى الاستقلال والتحرر منذ أن أسس جماعةَ الإخوان المسلمين، فقال: "اذكروا دائمًا أن لكم هدفين أساسيين: - أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وذلك حقٌّ طبيعيٌّ لكل إنسانٍ لا يُنكره إلا ظالمٌ جائرٌ أو مستبدٌّ.
- أن تقوم في هذا الوطن الحرِّ دولةٌ إسلاميةٌ حرَّةٌ تعمل بأحكام الإسلام وتطبِّق نظامَه الاجتماعي، وتُعلن مبادئه القويمة، وتُبلِّغ دعوتَه الحكيمة إلى الناس، وما لم تقُم هذه الدولة فإن المسلمين جميعًا آثمون مسئولون بين يدَي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودِهم عن إيجادِها.
أهداف مرحلية وحدَّد الإمامُ الأهدافَ المرحليةَ التي تصل بالمسلمين أو يصل المسلمون من خلالِ تحقيقِها إلى هذَين الهدفَين الكبيرَين، وهي تكوين الإنسان المسلم، والبيت المسلم، والأسرة المسلمة، وصولاً إلى المجتمعِ المسلم، الذي سيختار حكومةً مسلمةً ترعى مصالحَ الأمةِ وتُحقِّقها.
وإذا نظرنا إلى سَير الأحداث خلال القرن الماضي نجد أن الدولَ العربيةَ والإسلاميةَ قد جاهدت وكافحت حتى حصلت على الاستقلالِ في أحدِ أوجهِه، وهو زوالُ الاحتلالِ العسكريِّ ورحيلُ القوات الأجنبية عن أراضيها، ما عدا فلسطين التي سلَّمها الاحتلالُ البريطانيُّ لآخَر أسوأ منه وهو الاحتلال الصهيوني, كما سعَت بلدانُنا في مرحلةٍ من الزمن نحو تحقيقِ قدرٍ من الاستقلال الاقتصادي, ولكن ما حدث لا يُمثِّل إلا جزءًا من عملية "التحرر من كل سلطان أجنبي" كما سمَّاها الإمام البنا يرحمه الله، فهذا السلطان لا يزال قائمًا في جوانب عديدة، لا نملك فيها قرارَنا وتحاصرُنا فيها الإملاءات أو الإغراءات.
في التصنيع والتسليح، وفي الزراعة والإنتاج، وفي التقنية والعلوم، وفي الاقتصاد والتجارة، وفي الآداب والثقافة، ولو فتَّشنا عن السلطان الأجنبي فسنجد آثارَه في كثيرٍ من جوانب حياتِنا، وسنرى نتيجتَه في هيمنةِ أعداءِ الأمةِ على مقدَّراتها.
ولأن الاستقلالَ لم يكن تامًّا في يومٍ من الأيام، ولأن السلطان الأجنبي لا يزال مهيمنًا على بلادِنا بصورةٍ أو بأخرى كان من السهلِ أن نفقد القليلَ مما حصلنا عليه؛ فمع بداية القرن الحادي والعشرين عادَ الاستعمارُ والاحتلالُ العسكريُّ لينوء بكلكله في العراق وأفغانستان، في مشهدٍ لم يتكرر في أي بقعةٍ أخرى من العالم، عاد ليمارِس المذابحَ والمجازرَ، ويقتل الألوف، ويدمِّر القرى والمدن، مستخدمًا ما توصل إليه من تقنيات الحرب الحديثة.
من مظاهر السلطان الأجنبي وعلى الجانب السياسي نجد أن قراراتِ معظم حكومتنا مرتهنةٌ بأمر مَن يَحكم في البيت الأبيض، فهي لا تستطيع أن تتخذ قرارًا في صالح شعوبها، بل حتى في صالح بقائها في السلطة، ما لم تحصل على موافقة واشنطن، وكل يوم تصدمنا تلك الحقيقة المرَّة المخزية، وها هي القضية الفلسطينية أكبر شاهدٍ ودليلٍ على تخاذل الحكومات، وما قضايا السودان منا ببعيد!! فالكل يتدخَّل في السودان وتكون له كلمةٌ وأمرٌ إلا الدول العربية المجاورة والمحيطة بالسودان إحاطةَ السوار بالمعصم والمتأثرة بما يجري فيه، فهي آخرُ مَن تَسمع له صوتًا أو تجد له أثرًا.
وعلى الجانب الاقتصادي عاد رأسُ المال الأجنبي ليسيطر على مفاصل الاقتصاد، وتحت دَعوى الخصخصة اشترى- لا بل أُهديت إليه- معظم الشركات المُباعة، فقد أخذها بأبخس الأثمان، ورأَينا من حكوماتنا المرتهن قرارها بالسلطان الأجنبي أمورًا عجيبةً وغريبةً، فهي تضغط على بعض أصحاب الشركات الوطنية الناجحة ليبيعوها للأجنبي تحت زعم أن ذلك يوفر تدفقًا للنقد الأجنبي!! وفي الجا