الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 الحج مؤتمر الأمة نحو الوحدة والنصر

الحج مؤتمر الأمة نحو الوحدة والنصر

  رسالة من: أ.
د.
محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيقول الله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ.

.

.
(الحج).
  استجابةً لنداء سيدنا إبراهيم- عليه السلام- يتوجه المسلمون من كل أنحاء العالم لحج بيت الله الحرام؛ حيث تتعلق قلوبهم، وتهفو أفئدتهم لمشاهدة هذه الأماكن المقدسة: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: من الآية 37).
  أمتنا أمة واحدة أيها المسلمون: الأصل في الإسلام هو وحدة الأمة، وتواصل أبنائها وقيامهم بكافة متطلبات هذه الأمة مهما اختلفت الأوطان والأزمنة.
   والحج مؤتمر عالمي يتكرر كل عام مرة، ويعقد في الأرض المباركة حول الكعبة؛ يجمع المسلمين، ويؤلف بين قلوبهم، ويوحد غاياتهم، تحت شعار: "أمة واحدة" قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)(الأنبياء).
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)(المؤمنون).
  وقد أمرنا الله بالاتحاد وحذَّرنا من التفرق فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، كما أمرنا الله بطاعة الله ورسوله، وحذرنا من التنازع وجعل عقوبته الفشل قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)(الأنفال).
  عوامل الوحدة بين المسلمين وما أعظم عوامل الوحدة بين الأمة الإسلامية، فربها واحد، وكتابها واحد، ورسولها واحد، وشريعتها واحدة، وعباداتها تجمعها وتوحد بينها، فالصلاة إلى قبلة واحدة، والصيام في شهر واحد، ويأتي الحج ليقوي هذه الوحدة، ومن أهم مظاهر ذلك:   * ألسنتهم تلهج بشعار واحد: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ" .
  * ويلتقون في مكان واحد على جبل عرفات الفسيح: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "الْحَجُّ عَرَفَاتٌ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ أَيَّامُ مِنًى ثَلاَثٌ ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية 203)، "وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ" .
  * ويطوفون حول الكعبة المشرفة.

التي جعلها الله قيامًا للناس، ومحطًّا لأنظارهم وقبلة لهم ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (البقرة: من الآية 144).
وقال تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ (المائدة: من الآية 97).
  * وفي زمن واحد: قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (البقرة: من الآية 197).
  * ولباسهم واحد تذوب معه كل الفوارق.

يذكرهم بالأكفان عند لقاء الرحمن.
  * وحدة الحركة في أعمال هذه الشعيرة حيث تراهم في صعودهم إلى عرفات، ونزولهم منه، ورجمهم للشيطان عدوهم جميعًا عن يد واحدة، وطوافهم حول البيت في فلك واحد واتجاه واحد.

  إن هذا الركن العظيم يذيب فوارق العرق والنسب واللغة والإقليم والطبقة، ويوحد بين الأمة في مخبرها ومظهرها، ويجعلها أمة واحدة.
ويزيل الفرقة التي يسعى إليها أعداء الأمة بالليل والنهار، كما قاله أحدهم: "سيظل الإسلام صخرةً عاتيةً تتحطم عليها محاولات التبشير، ما دام للإسلام هذه الدعائم الأربع: القرآن.

والأزهر.

واجتماع الجمعة الأسبوعي.

ومؤتمر الحج السنوي"، وكما جاء في دائرة المعارف البريطانية عن الحج: "تؤدي هذه العبادة دورَ قوةٍ توحيدية في الإسلام؛ بأنها تجلب أتباعًا له من مختلف الجنسيات؛ ليجتمعوا معًا في احتفال ديني".
  طريقنا إلى العزة والنصر من أجل ذلك فإن المسلمين مطالبون بأن يستمسكوا بدينهم الحنيف ليكونوا الأمة الإسلامية بحق؛ وذلك سبيلهم للنهوض والنمو والتصدي للأعداء، ورحم الله الإمام البنا حين تحدث عن عناصر القوة فقال: "ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا وأبعد نظرًا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا في أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها، وما يُراد بها، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة: قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن تُوصف جماعة بالقوة، حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعًا.
  ولن يتحقق لأمتنا ما تصبو إليه من عزة وسيادة إلا إذا نزعنا من قلوبنا الوهن الذي حذرنا منه رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" .
فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ" .
فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" .
  وما أشبه تداعي الأمم على أمتنا الآن بتداعي الأكلة إلى القصعة، حيث نرى الأمة تركن إلى حب الحياة والتعلق بشهواتها فكادت أن تفقد هيبتها أمام أعدائها من الصهاينة وغيرهم.
  دعاوى المتشككين ونهوض الأمة لقد أدرك الإمام البنا- رحمه الله- قيمة ما عند المسلمين من عناصر القوة والمنعة وما لديهم من أسباب النهضة فتصدى للمتشككين ودعاواهم فهتف يقول للناس: وما وسائلكم أيها المغلوبون على أمركم لتحقيق مطالبكم والوصول إلى حقكم؟ ونقول نحن في سهولةٍ ويسر: وماذا يريد منا الناس؟ ولو أننا مغلوبون على أمرنا مدفوعون عن حقنا؟ وهل يليق بكريم أن يذل ويستخزى، والرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أعطي الذلة من نفسه طائعًا غير مكرهٍ فليس مني" ، والله يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: من الآية 8).
  إن لنا سلاحًا لا يفل ولا تنال منه الليالي والأيام هو (الحق): والحق باقٍ خالد والله يقول: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)(الأنبياء).
  يقول ﴿َكَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد: من الآية 17)، ويقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)(الإسراء).
  ولنا سلاحٌ آخر بعد ذلك وهو (الإيمان): والإيمان كذلك سر من أسرار القوة لا يدركه إلا المؤمنون الصادقون، وهل جاهد العاملون من قبل، وهل يجاهدون من بعد إلا بالإيمان، وإذا فقد الإيمان؟ فهل تغني أسلحة المادة جميعًا عن أهلها شيئًا؟.
وإذا وجد الإيمان فقد وجدت السبيل إلى الوصول، وإذا صدق العزم وضح السبيل: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: من الآية 47)، ولئن تخلى عنا جند الأرض فإن معنا جند السماء ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الأنفال: من الآية 12).
  والأمل: بعد ذلك سلاح ثالث: فنحن لا نيأس ولا نتعجل ولا نسبق الحوادث ولا يضعف من همتنا طول الجهاد والحمد لله رب العالمين؛ لأننا نعلم أننا مثابون متى حسنت النية، وخلصت الضمائر، وهي خالصة بحمد الله، والنصر من وراء ذلك لا يتخلف ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)(المجادلة)، ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)(يوسف)، ففيم اليأس وفيم القنوط.
لن يجد اليأس إلى قلوبنا سبيلاً بإذن الله ﴿إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ (يوسف: من الآية 87).
  أيتها الشعوب العربية والإسلامية * اجعلوا من موسم الحج مؤتمرًا للتعارف والتآلف والاتحاد، وتدارس الواقع المر وكيفية الخلاص منه ونيل الحقوق واسترداد المسلوب والنجاة من قبضة الأعداء.

ومن الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، واعلموا أن وحدتكم تحقق لكم التكامل الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي؛ حتى لا نكون رهينة في يد الغير، وعليكم بالتكافل فيما بينكم، والتناصح والتناصر، فهذا مما أوصى به الإسلام الحنيف.
  * ويا حجاج بيت الله الحرام تعارفوا، واحرصوا على استمرار التواصل فيما بينكم حتى بعد العودة إلى أوطانكم.

  وإلى الأنظمة والحكومات تذكير ونصح: * إن المؤتمرات والمفاوضات مع الصهاينة والأمريكان لن ترد الحق المسلوب، ولا المقدسات المغتصبة.
  * وإن محاولات التضييق والضغط على الشعوب لن توقف قدر الله الماضي إلى الإصلاح والتغيير، ولن تمنع نور الله من الانتشار في الآفاق، ويجب أن ندرك جميعًا أن مكر الصهاينة ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر: من الآية 43)، وطغيان وبغي القوة الأمريكية الغاشمة لن يعجز الله شيئًا ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)(الصف).
  * وإنا لموقنون أن كل الدعم المادي والمعنوي وكل ما ينفق في هذا العالم للحيلولة دون عودة الناس إلى سبيل ربهم سيكون حسرة في الدنيا، وغلبة للمؤمنين عليهم، مع عظيم ما ينتظرهم من عذاب في الآخرة تحقيقًا لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)(الأنفال).
  ولذلك كله فإننا على يقين بأن النصر لأمة الإسلام آتٍ بحول الله وقوته وما ذلك على الله بعزيز.
  ولا ننسى في موسم الحج والتضحية إخواننا المقاومين الصامدين الصابرين في فلسطين أرض العروبة والإسلام بالدعاء والعون بكل السبل والوسائل ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)، والله أكبر ولله الحمد.