الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 في ذكرى النكبة.. الشعوب العربية تحاصر الكيان الصهيوني

في ذكرى النكبة.. الشعوب العربية تحاصر الكيان الصهيوني

رسالة من: أ.
د.
محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين "فلسطين".

الأرض المباركة، أرض الأنبياء.

ومهبط الرسالات.

وأرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين، في الأعماق محفورة، وفي الشرايين تسري، وفي الأوردة تسير مع كل قطرة دم، فهي جزءٌ من عقيدة الأمة، والقضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، تجسَّدت فيها وحدة الانتماء الوطني والقومي والعقيدي، فكانت بمثابة الرباط الجامع لأمة الإسلام على امتداد عالم الإسلام، كما كانت- وما زالت- هي الطاقة المفجِّرة للمشاعر الإسلامية تجاه التحديات الصهيوأمريكية المحدقة بالمسجد الأقصى والقدس الشريف والوطن الفلسطيني بأكمله.
  لقد جعل الإسلام المسجد الأقصى واحدًا من المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرِحال، والقضية الفلسطينية باتت تشكِّل محور القضايا الإسلامية التي تُشدُّ إليها رحال الشعوب الإسلامية على امتداد أقطار وقارَّات العالم الإسلامي.
  الإخوان وفلسطين عندما أسس الإمام البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م جعل قضية فلسطين من أهم القضايا التي اعتنت بها الجماعة، وخصَّتها بالاهتمام، لقد حظيت هذه القضية من الإمام البنا باهتمام بالغ، حتى إن فلسطين لا تُذكر إلا ويُذكر معها الإمام البنا؛ الذي عبَّر عن ذلك بقوله: "فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد المسيح عليه السلام، وفي كلِّ ذلك ما ينعش النفوس، ويغذِّي الأرواح".

لقد قضى "البنا" جزءًا كبيرًا من حياته مدافعًا عن فلسطين، بقلمه ولسانه وماله ونفسه، حتى قضى شهيدًا؛ فهو بحقٍّ شهيد فلسطين وإن لم يمت على أرضها.
  إن الإخوان المسلمين لم تتوقف جهودهم عند التنبيه على الخطر الصهيوني، بل أيقظوا الأمة جمعاء، وحشدوا الجهود لمقاومة ذلك الخطر، وقدَّموا- وما زالوا- التضحيات تلو التضحيات للذَّود عن فلسطين، فنبَّهوا الغافلين، وأيقظوا النائمين، وبذلوا المال، وقدموا الشهداء فداءً لفلسطين؛ حتى يتم تحريرها وعودتها إلى أحضان الأمة الإسلامية.
  ففي مايو 1948م بعث الإمام البنا ببرقية إلى الزعماء العرب المجتمعين في مدينة عالية بلبنان؛ يؤكد فيها استعداد الإخوان تقديم عشرة آلاف مجاهد للاستشهاد في سبيل الله؛ دفاعًا عن فلسطين، وعندما بدأت حرب فلسطين عام 1948م انسحبت القوات البريطانية بعد أن قامت بتسليح العصابات الصهيونية، وتدخَّلت الجيوش العربية التي كانت قيادتها تحت سيطرة ضباط الإنجليز، ووجد الشعب الفلسطيني نفسه بين مطرقة العصابات الصهيونية وسندان القيادات العربية الرسمية المتخاذلة والمتواطئة، ولم يجد له نصيرًا حقيقيًّا غير الإخوان المسلمين.
  لقد خاض الإخوان معارك ضاريةً ضد الصهاينة، كان أشهرها معركة "رامات رحيل" عندما هاجمت مجموعة من مجاهدي الإخوان تلك المستعمرة الحصينة ليلة 26/5/1948م، وتمكَّنت من الاستيلاء عليها، وقتلت أكثر من 200 جندي صهيوني، كما استطاع الإخوان أيضًا استرداد موقع "التبة 86" بعد أن تعذَّر على الجيوش النظامية الاستيلاء عليها، ورغم ذلك فقد تآمر نظام الحكم في مصر عليهم، فصدر القرار العسكري بحلِّ الجماعة عام 1948م، وبعد أيام من هذا القرار صدرت الأوامر للجيش المصري المرابط في غزة بجمع أسلحة المجاهدين من إخوان مصر.
  وفي 12 فبراير 1949م تمَّ اغتيال الإمام البنا وسط القاهرة وفي منتصف النهار، وبعد يومين من اغتياله صدرت الأوامر باعتقال مجاهدي الإخوان المسلمين، وتمَّ الزج بهم في معتقل رفح حتى 18/6/1949م؛ حيث نُقلوا بعد ذلك إلى مصر مكبَّلين بالحديد ليقبعوا في سجون مصر؛ جزاءً وفاقًًا على جهادهم واستشهادهم من أجل فلسطين، ولسان حال الإخوان يقول: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)(الأحزاب)، والأجيال من بعدهم تردِّد الآية التي تليها: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)(الأحزاب).
  الثورة المصرية تعيد فلسطين للواجهة من جديد كان لثورة مصر المباركة وعودة مصر بقوة واستعادتها لدورها القيادي في المنطقة العربية، أكبر الأثر في توقيع طرفي المعادلة السياسية الفلسطينية "فتح" و"حماس"؛ لاتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وهو تطور كبير رحَّبَت به الأمة وأثنت عليه.
  لقد عادت الوحدة الوطنية الفلسطينية، وفرضت نفسها مع تأجج الثورات العربية ضد الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة، وخاصةً النظام المصري- عميد تلك الأنظمة- والعمود الفقري فيما يُسمَّى "محور الاعتدال" العربي الذي كان يستجدي السلام مع الكيان الصهيوني، ويطبِّع العلاقات معها، ويتآمر على حركات المقاومة والجهاد ضد الصهاينة.
  إن اتفاق المصالحة سوف يصمد؛ ليس فقط لأنه يُجسِّد طموحات الشعب الفلسطيني، وإنما أيضًا لأنه يرتكز على أرضية الثورة المصرية التي خرجت كالمارد من بين ركام الفساد والعبودية لأمريكا والكيان الصهيوني، فأعادت بذلك القضية الفلسطينية لتتصدَّر المشهد من جديد كقضية الأمة العربية والإسلامية الأولى دون منازع، وها هي الأمة العربية والإسلامية كلها هبَّت في ذكرى النكبة لتقول: لقد بدأ عصر تحرير كل الشعوب، وأولها الشعب الفلسطيني، من أسوأ احتلال عرفته البشرية، الاحتلال الصهيوني، والكلُّ يردد قول الله عز وجل: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)(الحج).
  حق العودة لن يسقط بالتقادم لقد كان لتحرك الشباب العربي والفلسطيني في الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين وتدفُّقهم على الحدود الفلسطينية والحواجز الصهيونية في مارون الرأس بجنوب لبنان، ومجدل شمس في هضبة الجولان، وحاجز قلنديا بالضفة الغربية، وبيت حانون بقطاع غزة؛ تجسيدٌ لحقِّ العودة، وتذكيرٌ بالقضية الكبرى الأهم، جاءت هذه التحركات والمسيرات من الشمال والجنوب والشرق والغرب؛ لتؤكد أن حقَّ العودة لا يسقط بالتقادم، فرهان الكيان الصهيوني على نسيان الأجيال الجديدة لهذا الحق التاريخي المقدس الذي هو أساس القضية الفلسطينية هو رهان خاسر، أسقطته الشعوب، ليس في الضفة والقطاع فحسب، وإنما في لبنان، وسورية، والأردن، ومصر، وكل أنحاء الوطن العربي بدون استثناء، وكذلك الشهداء الذين ارتفعوا في هذا، اليوم، عند كلِّ هذه الحدود يؤكد أن الرصاص الصهيوني الغادر لا يفرِّق بين مسلم ومسيحي، رجل أو امرأة، سني أو شيعي؛ فهو عدو الكل.

﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ (فاطر: من الآية 6).
  الشعوب أقوى من الأنظمة الثورات الشعبية العربية التي أطاحت بالأنظمة القمعية الفاسدة التي ركعت دون حياء تحت أقدام الصهاينة، وطبَّعت العلاقات معهم، وارتهنت بالأوامر الأمريكية، بينما هذا الكيان الصهيوني الغاصب لا يحترم قرارًا من قرارات المنظمات الدولية، ولم يفِ بأي عهد من العهود.

﴿يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 56) ﴿كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ (البقرة: من الآية 100) هكذا قال عنهم ربهم.

هذه الثورات المباركة هي مقدمة لإنهاء الظلم والعلوّ الصهيوني، وتحرير المقدسات، ووضع حدٍّ للاستكبار الصهيوني بكلِّ صوره وأشكاله، وتأتي ذكرى النكبة 15 مايو 2011م؛ لتكون هذه المرة نكبة على الكيان الصهيوني ومن يعاونه ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)(الإسراء).
  لقد أثبتت الشعوب العربية أنها أقوى من الأنظمة، وهي بالتالي أقوى من الكيان الصهيوني، فكسر عقدة الخوف من الأنظمة القمعية أسهل بكثير من كسر تلك العقدة مع الصهاينة، لقد أعادت الثورات العربية الأضواء وسلَّطتها على مصدر الإرهاب، وعدم الاستقرار الحقيقي؛ ليس في المنطقة فحسب وإنما في العالم كله، ولن يهنأ الكيان الصهيوني بالنوم بعد اليوم، ولن يعرف طريق الأمن والاستقرار ما دام يستهين بحقوق الفلسطينيين، ولا يحترم معاهدات، ويدنّس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسوف يشرب من نفس الكأس الذي طالما أذاقه للآخرين.
  لقد تبخَّرت حالة الاطمئنان النابعة من غطرسة القوة التي سيطرت عليها طوال حروبها الستة مع العرب، وحلَّ محلها الخوف والقلق بعد هذا الهجوم الكاسح من الشعوب التي لا تملك سوى الإرادة والعزم والتصميم، وكما نجحت في قهر الديكتاتوريات الفاسدة فسوف تنجح بلا ريب في دحر الكيان الصهيوني وهزيمته.

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)(يوسف).
والله أكبر ولله الحمد، والحمد لله رب العالمين.