مصر ضد الانقلاب
رسالة من: أ.د.
محمد بديع - المرشد العام للإخوان المسلمين انقلاب على الشرعية: في الوقت الذي كان الشعب المصري يتهيأ لجني ثمار تضحياته العظيمة في ثورة 25 يناير 2011م بتحقيق أهدافها في التحول الديمقراطي الذي يرسي مبدأ سيادة الشعب والتداول السلمي للسلطة وإطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وكرامته، وتحقيق الاستقرار في البلاد لتبدأ في العمل والإنتاج.
في هذا الوقت وقع الانقلاب العسكري الدموي على الدكتور محمد مرسي الذي انتخبه الشعب رئيسا مدنيا لمصر لأول مرة منذ عشرات السنين، وعلى ثورة 25 يناير المجيدة، بعد أن كانت مواقفه الوطنية وسعيه الدؤوب لتحقيق أهداف الثورة مثار غضب قوى كثيرة في الداخل والخارج عليه، فقامت بالتآمر ضده لإفشاله ثم عزله، ففي الداخل قام أتباع النظام السابق بما يمتلكونه من أموال باهظة نهبوها من دم الشعب وعرقه باستخدامها في استئجار البلطجية الذين يخربون ويحرقون ويثيرون المشكلات اليومية حتى لا تستقر الأوضاع، وكذلك السيطرة على وسائل الإعلام التي شنت حربا من الأكاذيب والافتراءات والتشويه لا هوادة فيها للإساءة للنظام الجديد، كذلك قام السياسيون الذين فشلوا في خمسة انتخابات واستفتاءات متتالية بمناورات وانسحابات لإحداث فراغ دستوري في البلاد وتعاونوا مع فئة من القضاء في حل المؤسسات الدستورية، ورفضوا دعوات الرئيس المتتالية لهم بالحوار أو المصالحة، بل بالذهاب إليهم للمصالحة، ورفضوا عروضا بترشيح بعضهم لتولي الوزارات ومناصب المحافظين، وبدأ هؤلاء السياسيون يحرضون الجيش على الانقلاب على النظام رغم ادعائهم الليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية ورفض الديكتاتورية والحكم العسكري، وتقاعست الشرطة عن دورها ووظيفتها في توفير الأمن، بل حرضت البلطجية على الإفساد والقتل والتخريب في ظل حمايتها.
الدور الخارجي للانقلاب وأما في الخارج فقد غضب الغرب على المشروع الاستقلالي التحرري النهضوي الذي تبناه السيد الرئيس محمد مرسي ومن ثم راح يحرض القوى الداخلية عليه والقوى الإقليمية الكارهة للمشروع الديمقراطي الإسلامي خوفا على عروشهم لدفع المليارات من أجل إفشاله، وبدأت الدولة العميقة في افتعال مشكلات يومية حياتية في الوقود والطاقة أدت إلى سخط أعداد من الناس، وكان الاتفاق الآثم مع قائد الجيش على أنه إذا خرجت أعداد من المتظاهرين ضد النظام أن ينقلب عليه وهو ما كان يتطلع إليه منذ تم إبعاد الجيش عن الحكم والسياسة، وقد حدث، والحقيقة أن كل الأسباب التي اعتمد عليها قائد الجيش في انقلابه كانت مفتعلة وكانت جزءا من مؤامرة كبيرة محلية وإقليمية ودولية كشفت النقاب عنها الدكتورة منى مكرم عبيد في محاضرة لها في أمريكا حيث قالت إن عددا من الشخصيات العامة دعوها لاجتماع في بيت الكفراوي واتصلوا بالسيسي وغيره وطلب منهم إصدار بيان للأمة يطلب من الجيش التدخل، وهذا كله قبل أن تقوم أي مظاهرة، مما يدل على أن المؤامرة كانت مدبرة بليل، إضافة إلى أن المتظاهرين كانوا يطالبون فقط بانتخابات رئاسية مبكرة، فإذا بقادة الانقلاب يقومون بعزل الرئيس واختطافه وإخفائه وتعطيل الدستور وحل مجلس الشورى .
سوء التقدير لدى الانقلابيين ومن وراءهم الخطأ الكبير للانقلابيين ولسادتهم الأمريكيين الذين أعطوهم الضوء الأخضر للقيام بالانقلاب أنهم تصوروا أن رد فعل المصريين سوف يكون مقصورا على جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة فحسب، وأن اعتراضهم سيكون عبارة عن مظاهرة ليوم أو يومين وينتهي الأمر، ويستقر الوضع للانقلابيين يمارسون الإرهاب والديكتاتورية والإقصاء وربما الاستئصال بأبشع صوره، وخيب الله فألهم وأفسد حساباتهم، لأن الشعب المصري بأغلبية أطيافه نزلت إلى الشوارع تعلن رفضها للانقلاب العسكري والحكم العسكري والديكتاتورية العسكرية التي عانت منها مصر ستين عاما، وتمسكها بالشرعية الدستورية المتمثلة في بقاء الرئيس والدستور ومجلس الشورى، ولم تكتف بالمظاهرات بل لجأت للاعتصامات في الميادين منذ أكثر من شهر وتدفقت المظاهرات اليومية في معظم المحافظات، وظنوا أن شهر رمضان سوف يصرف الناس إلى حياتهم العادية فإذا بالمصريين يستمرون في التصعيد ضد الانقلاب كل يوم، وأسفر الإنقلابيون عن وجوههم الدموية الوحشية فقاموا بمذبحة أمام دار الحرس الجمهوري قتلوا فيها مائة شهيد وجرحوا ألفا واعتقلوا ثمانمائة أثناء صلاة الفجر، في محاولة لإرهاب المصريين، وهذا خطأ جديد فلم يعد المصريون يخشون شيئا أو يخافون أحدا إلا الله، بل كانت النماذج الرائعة والعظيمة لطلب الشهادة وما زادت هذه المذبحة المواطنين إلا ثباتا وإصرارا، وبعدها كانت مذبحة النساء في المنصورة وفي ميدان النهضة وميدان رمسيس في خسة ودناءة ترفع عنها المشركون في الجاهلية، ثم كانت المذبحة الأكبر في ذكرى يوم الفرقان، حيث قامت الشرطة بقتل أكثر من مائة وخمسين شخصا وإصابة أربعة آلاف وخمسمائة آخرين في جريمة تشيب لهولها الولدان، إلا أن ذلك أيضا لم يزد المصريين إلا يقينا بالنصر وثباتا على مبدأ رفض الانقلاب العسكري الدموي والحكم العسكري والتمسك بالشرعية الدستورية .
الشعب المصري يقدم الدرس للانقلابيين الدرس الذي يرفض الانقلابيون الدمويون أن يستوعبوه أن الشعب المصري الذي ذاق حريته لن يفرط فيها أبدا وأنه يعتبر حريته أثمن من حياته وأنه يتوق إلى الشهادة في سبيل الله بصدور عارية، لا أقول هذا عن الشباب والرجال فحسب، ولكن فإن الروايات الصادقة عن النساء والفتيات لا تقل شجاعة ونبلا وإيمانا عما يفعله الرجال، والدرس الآخر أن الدماء هي أفضل ما تروى به أشجار الحرية وهى تدفع الآخرين – حتى من كانوا متفرجين – إلى الغضب والثورة والمشاركة .
واليوم تبدأ سلسلة من التفويضات الباطلة بهدف فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة على أن تقوم بذلك قوات الشرطة، هذه الشرطة التي كان قائدوها يتظاهرون بأنهم كالبطة الكسيحة العاجزة عن التصدي للبلطجية والمخربين طيلة السنة الماضية، تحولوا إلى مارد قاتل سفاك للدماء، في محاولة من الانقلابيين العسكرين الدمويين أن ينأوا بأنفسهم عن الخوض في مزيد من الدماء بعدما وصلت دماء المصريين منهم إلى الأعناق ويورطوا الشرطة في هذه الجريمة البشعة حتى يتحملوا المسئولية وحدهم أمام الشعب وأمام القضاء وأمام المنظمات الدولية .
وإني لأخوفهم جميعا بالله أن هذه الدماء سوف تكون عليهم لعنة في الدنيا والآخرة (ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93) وإذا كانوا يتذرعون بالعنف والإرهاب، فهذه كانت حجة أساتذتهم الأمريكان في غزو الدول وإبادة الشعوب وهى لم ولن تنطلي على الشعب، والعنف والإرهاب الحقيقي هو الذي يقترفه كل يوم الانقلابيون العسكريون وأعوانهم في حق الشعب المصري الأعزل من كل سلاح إلا سلاح الإيمان بالله والإيمان بعدالة قضيته.
دعوة للاستمرار في الاعتصام السلمي: إنني أدعو عموم المصريين للاستمرار في نضالهم من أجل الحرية وعودة الشرعية ، كما أدعو كل ضابط وجندي ألا يطيع الأوامر إذا جاءته بقتل المعتصمين والمتظاهرين فهم إخوانه وأخواته وآباؤه وأمهاته وأبناؤه وبناته وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ودوره أن يحميهم من كل مجرم وخارج عن الدستور والقانون مهما علت رتبته، فضلا عن حمايتهم من العدو الخارجي، كما أن السلاح الذي في يده والطلقات التي تقتل الناس كلها من مال هؤلاء المسالمين العزل ومن عرقهم فيحرم توجيهها إليهم .
وفي النهاية ستظل حركة الشعب المصري سلمية ولو استخدم الانقلابيون الأسلحة الثقيلة ضدهم، فسلميتنا أقوى من كل أسلحتهم وهى مستمرة بإذن الله حتى يحقق الشعب أهداف ثورته المباركة في 25 يناير 2011م (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200) والله أكبر وتحيا مصر وصلى الله على سيدنا محمد على آله وصحبه وسلم القاهرة في: 24 من رمضان 1434هـ الموافق 2 من أغسطس 2013م