رسالة من المرشد العام للإخوان المسلمين إلى رئيس منتدى دافوس
بسم الله الرحمن الرحيم السيد/ كلاوس شواب رئيس منتدى دافوس تحية طيبة وبعد.فمرحبًا بكم في مصر قلب العروبة والإسلام، مرحبًا بكم في مدينة السلام، ونأمل أن يتمخَّض تجمعكم الكبير عن توجهاتٍ واقتراحاتٍ تُفيد الإنسانية كلها.
وقد كنا نتمنى أن يضمَّ المنتدى كلَّ الأطياف والأصوات، وأن يضمَّ المنتدى مَن يحمل وجهات نظر قد تختلف مع ما يطرحه التيار السائد في هذا التجمع العالمي المهم.
ونخشى أن يكون تغييب الأطراف النقدية عن "دافوس" في مصر متعمَّدًا، ربما ليمرَّ الحدث بسلام، ولكن ما قيمة أن يجتمع الناس ليتحاوروا مع أنفسهم؟! ولذلك فإن رسالتي هذه هي تأكيدٌ لإيمان عميق يملأ قلبي وقلوب الإخوان المسلمين جميعًا، بأن هناك دائمًا مساحاتٍ مشتركةً، أو هكذا ينبغي أن تكون بين البشر في التفكير لخيرهم وسعادتهم في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة كذلك.
وإذا كان جدول أعمال مؤتمركم هذا قد تمَّ إعداده منذ فترة فإنني أقترح نقاطًا للمزيد من البحث والحوار في المستقبل: أولاً: الإنسانية كلها تعيش لحظةً نادرةً في تاريخها، وهذه اللحظة فريدةٌ في الفرص التي تتيحها، والتهديدات التي تحملها، ولا نتصور أن شعبًا ما أو دولةً بمفردها يمكن أن تعيش في عزلة أو تحل مشكلةً كبرى في اقتصادها أو سياستها دون أن تأخذَ في اعتبارها تفاصيلَ محيطها الإقليمي ووضعها الدولي، ومن هنا فإن "الشراكة" بين الشعوب صارت حتميةً إن كان قد بقي في الحياة والسياسة حتمياتٌ، وهو ما نتطلَّع إليه رغم استمرار سؤال كيف؟! ومع من؟! وطبقًا لأية شروط؟!! ثانيًا: الفجوة أو الفجوات التي يعاني منها الناس في عالمنا بين الفقراء والأغنياء، بين تحديات مجتمعات تشيخ وضغوط أخرى تنفجر سكانيًّا، بين من يتداوون من أمراض التخمة ومن يعانون من أوجاع ومضاعفات الجوع.
أعتقد أن "الفقر" هو التحدي الأهم الذي يواجهنا جميعًا بسؤاله ووجهه البائس، وفي تراثنا: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، ولكنني أكتفي هنا بالإشارة إلى أن سياسات محاربة الفقر ما زالت شديدةَ القصور حتى الآن ودعائية تفتقر إلى أدنى معايير النفاذ والفاعلية، ويغيب عنها مفهوم العدل.
ثالثًا: لا يمكن فصل التهديد المُسمَّى بالإرهاب عن مجمل الأوضاع السياسية والتوجهات الاقتصادية، والضغوط الثقافية والاجتماعية محليًّا ودوليًّا؛ لأن غياب التوازن في توزيع الثروة، وممارسات النفوذ والقوة، ومصادرة حقوق الشعوب في تقرير مصائرها، وإدارة مواردها، باحتلال أراضيها، أو نهب ثرواتها، أو تحويلها إلى جمهور مستهلكين للسلع المنتجة في بلدان الوفرة، كل هذا من شأنه شحن النفوس بمشاعر عدائية، وإقامة أوضاع هي البيئة الأمثل لما نراه من عدوان القوي وانتقام الضعيف، وهو مناخٌ قابلٌ للمعالجةِ إذا ما توافرت الإرادة الصادقة، والإدارة العاقلة، والبصيرة الحكيمة النافذة لتحقيق "الأمن والاستقرار".
أبسط حقوق كل إنسان.
رابعًا: ما زالت هناك مسافاتٌ ومساحاتٌ تفصلنا عن الفهم المتبادل والتفاهم الذي يرى كلَّ الحقوق، فضلا عن التعاون والشراكة، بين الشعوب التي صارت حتميةً كما أسلفت؛ إذ تَحُول عوائق دون ذلك، من أهمها: تشوه إدراك البعض هنا وهناك للإسلام، وسوء ممارسة آخرين له، إضافةً إلى جهود محمومة تبذلها جماعاتٌ ومؤسساتٌ لزرع الكراهية والعداء بين المسلمين وغيرهم، والحصاد هو عالم يحكمه الرعب!! وتحسين هذا الوضع هو مما نضعه على أولوية جدول أعمالنا نحن الإخوان المسلمين، ونمد أيديَنا لكل جهود "الحوار" الرسمية والشعبية التي تعمل بإيجابية في هذا المجال.
خامسًا: لا بد أن نتفق على أن العقبةَ الرئيسةَ في طريق أغلب مسارات نهضتنا في المنطقة، وإطلاق قدراتنا على بذل الجهد العالمي المشترك لتحسين أوضاع البشرية، إنما تكمن في سيادة وسيطرة "الأنظمة المغلقة" معرفيًّا و سياسيًّا، واجتماعيًّا و ثقافيًّا.
إن التحالف غير الإرادي بين الاستبداد والتعصب وتداعياتهما والذي تعاني منه الشعوب المقهورة هو الوجه المقابل لسياسات وممارسات الهيمنة، وتضخم الذات واستعراض القوة، والاستكبار في الأرض على الضفة الأخرى، ونؤمن أن كلا الوجهين يتغذى من الآخر، وأن وصفة الانعتاق واحدة في جوهرها، هنا وهناك: العدل، والحرية، وممارسة الحقوق والواجبات الإنسانية في التفكير والحوار والعمل دون تقييد البشر في الاختيار والقرار، وفي مناخ من الانفتاح العقلي والاجتماعي، وطبعًا السياسي.
وربَّما تكون إزالة العقبات التي تعترض تحقيق هذه الأهداف وترسيخ القيم الصحيحة هي المساحة المشتركة التي يمكن أن نتحاور ونعمل فيها معًا.
وعلى كل حال فإن هذه بعض مضامين معاركنا التي نخوضها دفاعًا عن الحق كما نراه، والعدل كما يشتاق إليه الناس، والخير للجميع.
وهي بعض خطوط وبرامج حركتنا، وهي تجاهد مع شعوبنا؛ من أجل نظام قضائي نزيهٍ ومستقلٍ وإعلامٍ حرٍّ وفاعلٍ، ونظامٍ سياسي مستمدٍ من إرادة الشعب، وحياة سعيدة تستند إلى الإيمان والأخلاق.
هذه كلماتي لكم في عُجالة، أرجو أن تخترق الأسوار والأستار لتطرح جانبًا من وجهة نظر فئة من الناس، تعلم الدنيا كلها حجم الظلم والتشويه الذي تتعرض له.
تمنياتي لكم بإقامة طيبة في بلدنا الطيب، وعودة سالمة كلٌ إلى بلده.
وسلام عليكم في مدينة السلام محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين القاهرة في: 23 من ربيع الآخر 1427هـ= 21 من مايو 2006م