نداء من المرشد العام للإخوان المسلمين بشأن القضية الفلسطينية
لا تزال جراح المسلمين تنزف منذ أن أعطَى من لا يملك (بلفور وزير خارجية بريطانيا 1917) وعدًا لمن لا يستحق (صهاينة الشتات)، بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، متجاهلاً شعبها الذي يعمرها منذ قديم الأزل، وجاءت طعنة الغدر في مايو سنة 1948، وكانت نكبة المسلمين الكبرى؛ إذ تآمرت قوى الاستعمار كلها تحت مظلَّة الأمم المتحدة على محاولة إبادة شعب فلسطين، أو على الأقل تهجيره، وتدمير مدنه وقراه، والاستيلاء على أراضيه ومقدساته.ولم تتوقف مؤامرات شياطين العالم عن محاولة إنهاء هذه القضية ودفنها إلى الأبد بكل الوسائل العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والغزو الفكرى، لولا أن قيَّض الله لها رجالاً، آمنوا بالله وآمنوا بحقهم وقضيتهم، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً.
وإذا كانت المؤامرات الخسيسة قد أوصلت القضية إلى حافة خطيرة، من تقاتل إخوان السلام، وتعادي أهل السياسة الفلسطينية، وحصار العالم للفلسطينيين اقتصاديًّا؛ بغيةَ خنقهم أو تركعيهم، وتخلِّي حكومات العرب والمسلمين عنهم- إلا من رحم ربي- إلا أننا نحن الإخوان المسلمين سنظل ندفع في اتجاه إحياء القضية ودعمها؛ حتى يعود الحق إلى أهله، وتتحرر الأرض، وتتطهر المقدسات.
ومن هذا المنطلق فإننا نتوجه بهذا النداء إلى كل الأطراف المؤمنة بالحق، الفاعلة، أو التي يجب أن تكون فاعلةً إلى الشعب الفلسطيني البطل.
إن الله اختاركم لتكونوا طليعة الثبات والجهاد والرباط في أرض الأنبياء والمقدسات؛ فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، ولا تتركوا ثغرةً للأعداء ولا للعملاء أن ينفذوا بينكم، ويفرِّقوا جمعكم، فالقضية الوحيدة والعظيمة هي قضية استعادة الحقوق المغتصبة، وما عداها فأمور تافهة لا يؤبه لها.
وإلى حماس رمز النضال.
أنتم على الحق، فاثبتوا عليه، ولا تفرِّطوا فيه، فالمقاومة واجب شرعي، وحق قانوني دولي، وطبع إنساني صحيح، ولا تمكِّنوا المغرضين أن يجرُّوكم إلى معارك جانبية، وافتحوا قلوبكم وصدوركم، ومدُّوا أيديكم لكل إخوانكم من الفصائل الأخرى، وليكن الحوار- والحوار وحده- سبيلكم لإزالة الخلاف، والتزموا في كل تصرفاتكم بمبادئ الإسلام وأخلاقه السامية، وأنكروا ذواتكم، ولا تكن شدَّتكم إلا على أعدائكم.
وإلى رجال السلطة ومنظمة فتح.
لا تنسَوا تاريخكم المجيد في الكفاح، ولا تتنكَّروا لشهدائكم الأبرار ودمائهم الزكية التي أنبتت الثوَّار، وتذكَّروا أن رجال حماس هم إخوانكم وأبناؤكم، وهم ساعدكم وعضدكم، وليس من الحكمة أن يعادي الإنسان أهله وأبناءه وحماته ورفاق سلاحه؛ فالتحموا معهم، واستجيبوا لدعوتهم المخلصة إلى الحوار، واحذروا مخططات العدو الأمريكي الصهيوني التي تهدف إلى إشاعة العداوة والبغضاء والنزاع والصراع بين الأخوَّة حتى يدفنوا مجاهديهم، وبالتالي يدفنوا قضيتهم بأيديهم، فاستعلوا على مصالحكم، وتمسكوا بمبادئكم، ولا تساوموا على حقوقكم، وتخندقوا مع إخوانكم في خندق واحد للدفاع عن الحق السليب.
وإلى "أبو مازن".
أنت رمز السلطة، فسوِّ بين الفلسطينيين في نظرك وعدلك، ولا تقدم ولاءً حزبيًّا على الولاء القومي، ولا تقاطع إخوانك وتعاديهم، في الوقت الذي ترحِّب فيه بأعدائك وتسالمهم، وكن على حذر من الصهاينة وشراكهم؛ فهم لم ولن يكونوا إلا أعداء أمتنا: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (اليهود: من الآية 82).
وإلى الحكام العرب والمسلمين.
القضية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولكنها قضية كل مسلم وعربي وإن الله سائلكم عنها عن أرضها ومقدساتها وأهلها، فلا تخذلوهم ولا تتخلَّوا عنهم، ولا تفرِّطوا في الأرض المقدَّسة، ولا تنصاعوا لإرادة الأعداء مهما كانت قوتهم، فأنتم بالله ثم بوحدتكم وشعوبكم قادرون على التصدي لهم، فادعموا القضية على الأقل سياسيًّا ودبلوماسيًّا، ومكِّنوا أفراد شعوبكم من دعمها ماديًّا واقتصاديًّا، واحذروا مخططات الشرّ التي تستهدف الخلاص منها، وآخرها في هذه الأيام مؤتمر الاستسلام الذي يريد به الرئيس الأمريكي وحكومة الصهاينة أن يجمِّلوا صورتهم، وأن يأخذوا من العرب اعترافًا مجانيًّا دون أن يعطوا الفلسطينيين شيئًا؛ حتى يزيدوا عزلتهم وحصارهم؛ تمهيدًا لإسكات صوتهم إلى الأبد، فقاطعوا هذا المؤتمر ولا تحقِّقوا لهم مآربهم.
فيا أيها الفلسطينيون.
السلطة والفصائل والشعب، وأيها العرب والمسلمون، ويا أيتها الحكومات العربية والإسلامية ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: 24)، ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46)، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103)، ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139)، ولن تموت قضية أهلها لها أحياء، بها مؤمنون.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21) محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين القاهرة في: 24 من شوال 1428هـ الموافق 5 من نوفمبر 2007م