بيان من الإخوان بخصوص محرقة غزة وحرب الإبادة التي يشنها الصهاينة على أهلنا في فلسطين
يتعرض إخواننا الفلسطينيون منذ ما يقرب من قرن من أيام الانتداب البريطاني لمؤامرة دولية كبرى، تستهدف إفراغ فلسطين من أهلها بكل وسائل القتل والإرهاب والتهجير لإقامة دولة يهودية صهيونية مكانها.ولقد قاوم الفلسطينيون العزَّل هذا المخطط الإجرامي؛ في ثورات شعبية عارمة، وقدموا آلاف الشهداء وعزيز التضحيات، إلا أن القوى العالمية الظالمة كانت أكبر من قدرتهم على المقاومة ومن النجدة التي قدمتها لهم الدول العربية المجاورة.
ولقد كانت هذه الجريمة النكراء مقدمةً لمشروع أمريكي صهيوني يستهدف الهيمنة على المنطقة، وتفتيت دولها، واستنزاف ثرواتها، ومحو هويَّتها الإسلامية وقيمها وحضارتها، ومن يومها لم تذُق المنطقة طعم الاستقرار، وإنما تعاقبت الحروب، وساد الخراب، وسالت الدماء، وتناثرت الأشلاء.
ولا يزال هذا المشروع يتقدم حتى استطاع إخراسَ كلِّ الحكومات العربية عن جرائمه، واستخدام بعضها في تنفيذ مخططه، وأوقع بينها وبين شعوبها التي ترفض هذا المشروع الخبيث، كل ذلك حتى يقضي على القضية الفلسطينية تمامًا، وينفض منها يديه؛ ليتفرَّغ للضحية المقبلة، ولم يعرقل مخططه هذا إلا الفصائل المقاومة في فلسطين، وفي غزة على وجه الخصوص.
فرغم الحصار الخانق بالجوع والبرد والمرض ورغم القصف والقتل والهدم، إلا أنهم بفضل الله ثابتون متمسكون بالحقوق والثوابت، مقدِّمون أغلى التضحيات؛ القادة والأبناء، صابرون على البأساء والضراء، ضاربون أروع الأمثلة في البذل والتضحية والفداء؛ حتى لكأنهم الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23).
واليوم وقد جُنَّ جنون الصهاينة فصبُّوا عليهم جامَ حقدهم وغضبهم، وقتلوا ما يزيد على ستين شهيدًا، وجرحوا ما يزيد على المائتين حتى اليوم.
عددٌ كبيرٌ منهم من الأطفال!! لا أقول في مجزرة، ولكني أستعير تعبير نائب وزير الدفاع الصهيوني: في محرقة، وكأن الصهاينة قد تقمَّصوا شخصية النازي، الذي طالما اتهموه وأدانوه، ثم يقترفون جرائمه وطغيانه، وللأسف الشديد يتم ذلك في ظل تشجيع من الإدارة الأمريكية وصمتٍ من الدول الأوروبية ودول العالم، وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرًا وليست لهم حقوق، ولكن الأدهى من هذا كله هو صمت الحكومات العربية والإسلامية الذي هو أشبه بصمت القبور!.
فيا حكام العرب.
إن الذين يقاومون في غزة والضفة لا يدافعون عن بلادهم فقط ولا عن مقدساتهم فحسب، وإنما يدافعون عنا وعن بلادنا ومقدساتنا، ولا تحسبوا أنكم في مأمنٍ من هذا المخطط الشرِّير مهما قدَّمتم للصهاينة والأمريكان من حسن نية وطاعة وانصياع، فلو فرغوا من قضية فلسطين، لا قدر الله، فسوف يقلبون لكم ظهر المجن، ولن يقبلوا منكم أقلَّ من الذلَّة والمسكنة والتبعية الكاملة، وارجعوا إن شئتم إلى التوجيه الإستراتيجي الذي أصدره رامسفيلد وزير دفاع أمريكا منذ خمسة أعوام إلى قائد عمليات جيشه، بأنهم سوف يستولون على ست دول في المنطقة؛ بدءًا بالعراق وانتهاء بإيران، وما حدث ويحدث في العراق يصدِّق هذا المخطط.
فعليكم أن تقفوا وقفة رجل واحد، وأن تعودوا إلى دينكم، وتستقووا بشعوبكم للتصدي لهذا المخطط الإجرامي، وهذا يقتضي اتخاذ مواقف سياسية ودبلوماسية واقتصادية وشعبية؛ لإيقاف هذه المحرقة ونصرة إخواننا في غزة وكسر الحصار عنهم.
فإن لم تفعلوا فاتركوا شعوبكم تعبِّر عن غضبتها ونصرتها لإخوانها، وحميَّتها من أجل مقدساتها، وفزعتها لحماية أمنها القومي، وتقديم الدعم المادي لهؤلاء المظلومين المحاصرين المضطهدين من القريب والبعيد.
وأنتم يا حكام المسلمين ويا دول منظمة المؤتمر الإسلامي.
هذه قضيتكم الأولى والكبرى، يفرضها دينكم وإنسانيتكم وأخوَّتكم، فإذا لم تتحركوا الآن وتضغطوا من أجل نصرة الحق ورفع الضيم عن إخوانكم فماذا تفعلون؟ ومتى تتحركون؟ وإلى جامعة الدول العربية وأمينها العام.
نقدِّر سعيَكم لحل مشكلة لبنان، ولكن.
ألا تستحق غزة والضفة وقضية فلسطين جهدًا مماثلاً إن لم يكن مضاعفًا لما يُبذَل من أجل لبنان؟! أما أنتم يا أهل الرباط.
أيها الصابرون الصامدون المجاهدون في أرض الأنبياء في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكم منا كل التقدير، وكل الدعاء، وكل النصرة، ووالله لولا الموانع التي تَحُول بيننا، لكنا معكم في خندق واحد؛ نشارككم كل العناء، ونقدم الغالي والنفيس في سبيل الله، ومن أجل تحرير الأرض، وتطهير العرض والمقدسات، سلام عليكم وعلى شهدائكم الأبرار ورجالكم ونسائكم الأخيار.
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) (آل عمران) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227) (الشعراء) ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21).
محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين القاهرة في: 23 من صفر 1429هـ 1 من مارس 2008م