بيان من الإخوان المسلمين حول الأحكام الجائرة من المحكمة العسكرية
بسم الله الرحمن الرحيم - بالأمس أَسدَلَت المحكمة العسكرية السابعة أستارَها، ونطقت بأحكامها في سرية تامة؛ حيث لم تستطِع أن تواجه بالأحكام أهالي المتهمين ولا هيئة دفاعهم ولا الإعلام ولا منظَّمات حقوق الإنسان؛ لأنها تشعر في قرارة نفسها أنها محكمةٌ غير دستورية؛ نشأت بقرارٍ من الحاكم العسكري بمقتضى قانون الطوارئ، كما أنها لا تملك من خصائص المحاكم والقضاء الطبيعي شيئًا، كما أنها تستيقن أن أحكامها أحكامٌ ظالمةٌ، ومن ثَمَّ جاء حرصها على السرية، شأن من يتستَّر بفعلته حتى لا يراه الناس.- كما أن ما حدث من جحافل الأمن المركزي ضد الأهالي العزَّل؛ الذين ذهبوا لمعرفة مصائر ذويهم؛ من ضربٍ وتفريقٍ ومطاردةٍ واختطافٍ واحتجازٍ في معسكرات الأمن المركزي، وكأن النظام لم يكتفِ بالظلم والطغيان الذي مارسه ضد الإخوان المتهمين على مدى سنة ونصف؛ فجاء ليبطشَ بأهليهم وأولادهم، إضافةً إلى أن الأحكام جاءت شديدةَ القسوة؛ ظنًّا من النظام أنه بذلك يُخيف الإخوان ويصرفُهم عن دعوتهم وتصدِّيهم للظلم والفساد والاستبداد.
- كما أن الأحكام شملت مصادرةَ أموال بعض المتهمين؛ في استهانةٍ واضحةٍ بمصالح البلد الاقتصادية؛ نتيجةَ الآثار الوخيمة لهذه الأحكام على مناخِ الاستثمار، ولا سيما في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.
- كل ذلك يقطع بأن النظام فقد صوابه، وفقد حياءه، وفقد إحساسه بالمصلحة العامة، وأصبح كلُّ همِّه هو احتكار السلطة وما يجرُّه ذلك على أفراده وتابعيه من منافع مادية، كما يدل أيضًا على مدى الضعف والهشاشة التي وصل إليها النظام وشعوره بفقدان شرعيته وشعبيته وكراهية الشعب له؛ الأمر الذي تجلَّى في مواقف وأحداث كثيرة، وهو ما يدفعه إلى مزيد من البطش والشراسة في التعامل مع الخصوم السياسيين ليوهم نفسه أنه لا يزال قويًّا.
ونحن نؤكد أن هذه الأحكام وغيرها من الإجراءات التعسفية لن تفتَّ في عضدنا، ولن تصرفنا عن دعوتنا مقدار شعرة، وأننا بإذن الله ثابتون على منهجنا، سائرون على دربنا تحت رعاية ربنا؛ حتى نحقِّق لشعبنا حريته، ونستعيدَ كرامته وحقوقه من بين أنياب المغتصبين الظالمين، وحتى نرتفعَ بوطننا إلى المكانة اللائقة بين أمم العالم.
وليعلم الظالمون أنهم كلما أوغلوا في ظلمنا، وأسرفوا في اضطهادنا، إنما يزيدوننا بذلك قوةً واستمساكًا بالحق، وزادت دعوتنا بفضل الله انتشارًا وتجميعًا للقلوب والعقول والعواطف، وإن غدًا لناظره قريب.
وإلى إخواننا الكرام أفراد الشعب المصري نقول لهم: إننا مستعدون للتضحية بكل غالٍ وثمين، وها هم رجالنا يدفعون من حياتهم وحرياتهم وصحتهم وأموالهم، وكذلك يدفع أهلهم وأبناؤهم كلَّ ذلك؛ من أجل القيم الرفيعة والمبادئ السامية، التي يؤمنون أن عزةَ الوطن والمجتمع وكرامته وتقدُّمَه وحريته ورفاهية أهله لن تتحقَّق إلا في ظلها، وكلها مستمَدة من الإسلام الحنيف، فاعتصموا به، وارفعوا أصواتكم في وجه ظالميكم ومغتصبي حقوقكم، ولا تهابوا البطش ولا الإرهاب الحكومي.
أما رجال الإعلام.
فندعوهم إلى تقوى الله وذكْر الحقيقة، وإبداء الرأي الموافق للحق والعدل والخير والحرية والمساواة، وألا يبيعوا آخرتهم بدنيا الطغاة المستبدِّين، وأن يحترموا قيمة الكلمة والقلم.
وإلى السياسيين والمفكِّرين وأصحاب الرأي ومنظَّمات حقوق الإنسان.
ندعوكم إلى أن تقفوا في وجه الطغيان والعدوان على أبسط حقوق الإنسان؛ حتى لا يحاكَم المدنيون إلا أمام قاضيهم الطبيعي كما ينصُّ على ذلك الدستور وكل مواثيق حقوق الإنسان الدولية.
وإلى إخواننا الصامدين الصابرين خلف القضبان والمصادَرة أموالُهم نقول لهم: "إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا"، ولا أخالكم بحاجة إلى التذكير بأن هذه سنة الدعوات وطريق الأنبياء ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)) (محمد)، ولتعلموا أن الله تعالى ما اصطفاكم لهذا الابتلاء إلا لعلمه بمكانتكم عنده وإرادته مزيدًا من الرفعة " أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ".
وإلى أُسَر إخواننا هؤلاء نقول: لا تحسبوا أن الظلم دائم؛ فقدر الله دائر.
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغيِّر الله من حالٍ إلى حالٍ، ولقد رأينا مصائر الطغاة والمستبدِّين عبر الزمان، وكيف كانت عاقبتهم؛ فالظلم كما تعلمون وخيمُ العاقبة، وإن كان رجالكم وأهلوكم قد غيِّبوا خلف السجون فثِقوا أننا جميعًا أهلُكم وإخوانُكم، وثقوا في عدل الله.
- وأنتم أيها الإخوان المسلمون.
فعليكم أن تثبُتوا على دعوتكم ومبادئكم ومنهجكم، وعليكم أن تضاعفوا حركتكم ونشاطكم، وأن تعلموا الظالمين أنهم إن اختطفوا منا رجالاً فستُنبت الدعوة رجالاً ورجالاً حتى يتحقَّق النصر للإسلام بإذن الله.
وعليكم بالاستمرار في الابتهال والدعاء إلى الله سبحانه وتعالى؛ أن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يحرِّر المظلومين.
( وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)) (يوسف) محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين القاهرة في: 10 من ربيع الثاني 1429هـ الموافق 16 من أبريل 2008م.