بيان صحفي من الإخوان المسلمين بخصوص تطهير البلاد تمهيدًا لبنائها على أسس سليمة
إن الملايين الذين احتشدوا أمس الجمعة في ميدان التحرير والإسكندرية وعواصم المحافظات، والذين وصلت هتافاتهم إلى عنان السماء، يطالبون بتطهير البلاد من بقايا النظام البائد، الذي أذاقهم المرَّ، وعاملهم بالذل، وأضاع عليهم زهرة العمر، وقلَّل قيمة الوطن، ونهب ثرواته.إن هذا التطهير لا يمكن أن يكتفي بحفنة من المسئولين السابقين ورجال الأعمال الفاسدين، ولكن ينبغي أن يمتدَّ ليشمل الذين أفسدوا الحياة السياسية والتشريعية، والذين زوَّروا الانتخابات واغتصبوا السلطة، والذين قنَّنوا الظلم والفساد في صورة قوانين، بل وأفسدوا الدستور ذاته، حتى ألَّهوا الحاكم، وسخَّروا علمهم لخدمة أهوائه وجشعه وأطماعه.
ويشمل من سخَّروا النيابة العامة لظلم المصلحين، وأخضعوها لرغبات جهاز مباحث أمن الدولة، فسجنوا مئات الآلاف ظلمًا وعدوانًا دون ذنب أو جريرة، فهؤلاء لا يصلحون قط للتحقيق مع بقايا النظام البائد؛ لأنهم كانوا يأتمرون بأمرهم وينفذون جورهم وظلمهم.
ويشمل الجهاز الرهيب مباحث أمن الدولة؛ الذي مارس التعذيب الوحشي على المواطنين، إلى حدِّ قتل بعضهم، وإصابة غيرهم بعاهات مستديمة، والاعتداء على الأعراض والأموال والكرامات في سجون تحت الأرض، وحكموا كل مؤسسات الدولة، وتدخَّلوا في كل صغيرة وكبيرة، وكانوا وراء كثير مما أسموها الفتنة الطائفية، فهذا الجهاز لا بد من تطهيره وتصفيته، ومحاكمة أباطرته؛ حتى يزول الإرهاب، ويأمن المواطن على نفسه وأهله وعرضه وماله.
ويشمل الإعلاميين الذين كانوا بوقًا للنظام، يسبِّحون بحمده، ويجمِّلون قبحه، ويحاولون غسل عقول الناس بالكذب والضلال والبهتان؛ حتى لو انقلبوا الآن على أنفسهم، ولبسوا رداء الشرف، ومجَّدوا في الثورة والشعب، وانهالوا على النظام البائد؛ طعنًا ولعنًا وسبًّا وتفضيحًا.
ويشمل كل- وليس بعض- من نهبوا الثروات، ومصُّوا دماء الفقراء، ولم يقف جشعهم عند حدٍّ، فأصبحوا من أصحاب المليارات الحرام، والأدهى أنهم هرَّبوها للخارج، فأصابوا المجتمع مرتين في مقتل؛ بنهب ثرواته وحرمان أهله من فرص العمل، ورفع مستوى المعيشة الذي كان من الممكن أن يحدثه استثمارها في الداخل، وفي الحقيقة فإن الشعب لا يزال يرى تراخيًا وقلة جدية في هذا المجال.
وإن الشعب ليقف حائرًا مدهوشًا أمام مطالب الدول الغربية التي تكاد تتوسَّل إلى الحكومة لتقدِّم طلبات تجميد ثم استرداد الأموال المهرَّبة إلى الخارج، وعلى رأسها أموال أسرة الرئيس المخلوع، والحكومة لا تستجيب، فهل هذا هو التغيير الذي اشتملته الوعود؟! أما بالنسبة للبناء فإننا إذ نعرب عن حرصنا الشديد على دفع اقتصاد الوطن ودوران عجلة العمل والإنتاج، نعرب أيضًا عن إيماننا الشديد بضرورة إقامة العدالة الاجتماعية، وإنصاف الفئات والطبقات التي سحقها النظام البائد، وأسقطها في هوَّة الفقر والحاجة والعوز، ونؤمن بأن الشعب الذي ضحَّى بنفسه وبشبابه من أجل إصلاح البلاد وإعادة بنائها قادرٌ على أن يصبر بعض الوقت من أجل استرداد حقوقه استكمالاً لمسيرة الإصلاح؛ شريطة أن يلتزم المسئولون بالمصارحة التامَّة والصدق والشفافية؛ لذلك نقترح على المجلس الأعلى للقوات المسلَّحة، وليس الحكومة الحالية، أن يتحدث إلى الشعب مباشرة بما يلي: 1- الإقرار بالظلم الجسيم الذي لحق بهذه الفئات والطبقات، وحقهم العادل والمشروع في تحسين أحوالهم.
2- أن يعدهم بتحسين الأحوال تدريجيًّا، مع تحسُّن حالة الاقتصاد القومي، وحبَّذا لو يحدد لهم مواعيد محددة.
3- أن يطلب من كل مؤسسة عدة أفراد، يمثلون العاملين، ويتم التحاور البناء معهم.
4- أن يعِد بإعادة التوازن سريعًا بين الدخول، وتقريب الفوارق بين مختلف مستويات العاملين.
5- بهذا تطمئن النفوس وينصرف الناس إلى العمل والإنتاج، ويتلاحم الجميع في جوٍّ من الثقة والحب.
وفق الله الجميع لما فيه خير بلدنا العزيز، مصر، وأهلها المحروسين بحراسة الله.
الإخوان المسلمون القاهرة في: 16 من ربيع الأول 1432هـ= الموافق 19 من فبراير 2011م