في ذكرى استشهاد الرئيس محمد مرسي
في ذكرى مرور عام على استشهاد الرئيس محمد مرسي "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "(آل عمران -169).عامٌ مَضى على استشهادِ الرئيسِ محمد مرسي، أولِ رئيسٍ مدنيٍّ منتخبٍ انتخابًا حرًا في تاريخِ مصرَ الحديثْ، بشهادة العالم .
ولم يَزدْه مرورُ الأيامِ إلا مزيدًا مِنْ الحضورِ في وعي الجماهيرْ، وقلوبِ الأحرارِ، ليس فى مصرَ وحدهَا، بلْ فى العالمِ أجمعْ .
كما لم يَزِدْ صورتَه ومسيرتَه إلا نصاعةً ورونقًا .
ولم تُضِفْ إليه تلك الأيامُ إلا عزًا وشرفًا تَفخرُ به مصر على العالمِينْ .
لقد كان الرئيسُ محمد مرسي، فارسَ الحريةِ وأسيرهَا وشهيدَها، فقدْ لاقى في سبيلِ الكرامةِ والعدلِ ما لاقى، حتى ارتقَى إلى ربِه شهيداً، في جِنان الخلدِ بإذن مليكٍ مقتدرْ.
وإنْ كان قد رحلَ عنَّا بجسده، فقد بقيتْ رُوحُه و اسْمُهُ ومبادِؤُه وقيَمُهُ رمزاً مُلهِماً للأجيالْ، جيلًا بعد جيلٍ، من أبناءِ الأمةْ.
لقد ارتقَى الرئيس شهيدًا – بإذن الله - فَجْأةً في ساحةٍ من ساحاتِ البَغْي والطُّغيانْ، نَعمْ .
.
تَحمِلُ شعارَ القضاءِ، وتُطلُّ على المشهدِ الإعلاميِّ متشحةً برداءِ العدالةِ، والعدالةُ منها بَراءْ .
بل تشهدُ كيفَ تمَّ القضاءُ فيها على فكرةِ القضاءْ .
فقد حاكمُوهُ داخلَ قفصٍ زجاجي مُصْمَتٍ، من داخلِ قفصٍ حديديٍّ، حتَّى لا يَسمعُ العالمُ صوتَ الحقِّ والحقيقةْ.
فلم يُشاهِدْ مَنصَّةَ القضاءِ ولا محامِيَهْ، وسلَّطُوا عليه قاضيًا غليظَ القلبِ سليطَ اللسانْ .
وإمعاناً في البَغيِ صَمّتْ المحكمةُ آذانَهَا فلم تَستَمع لشكواهْ؛ مِنْ سوءِ المعاملةِ في مَحبَسِه، والتضييقِ المتواصلِ عليه، والانتقامِ منه وتعريض حياته للخطر.
ودونَ أنْ تُصغى لندائهِ بأنَّ لديه ما يريدُ قولَه للمحكمةِ، فى جَلسةٍ سريَّةِ، حرصاً على أمنِ البلادِ القوميّْ، ولكنَّ قضاةَ الظلمِ لم يُلقُوا إليه بالاً، حتى أسلمَ الرُّوحَ الطاهرةَ لبارئِها، وهو يرددُ قولَ الشاعرْ: بلادي وإنْ جارت عليَّ عزيزةٌ .
.
وأهلي وإنْ ضَنُّوا عليَّ كرامُ ارتقى مُرسِي مرفوعَ الرأسِ، متمسكًا بما عاهدَ عليهِ اللهَ ثم شعبَ مصرْ .
ومات في سبيلِ ذلكْ، وفاضتْ رُوحُه ولسانُ حالهِ يقولْ : والموتُ في سبيلِ اللهِ أسمى أمانينَا.
وقد تحقق فيه - يرحمه الله - قولُ اللهِ تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواتَبْدِيلاً) سورة الأحزاب، آية (23).
رحلَ الرئيسُ الشهيدُ وهو يناضلُ ويكافحُ إجرامَ الانْقلابيينَ حتّى آخرِ لحظةٍ في حياتِهْ، بعدَ عامٍ واحدٍ من تولِّيه رئاسةَ الجمهوريةْ، خاضَ خلاله الانقلابيونَ حربًا غيرَ شريفةٍ ضده لمحاولةِ تعويقهِ وإفشالهِ وتيئيسهِ وتشويههْ، ولكنْ دونَ جَدوى؛ فقد ظلَّ صامدًا ومُنطلقًا في أداءِ ما عاهدَ عليه اللهَ، ثم الشعبَ المصريّْ، عبرَ برنامجِه المتكاملِ لتحقيقِ نهضةِ مصرْ؛ بترسيخِ دعائمِ الحكمِ الديمقراطيّ، وضمانِ الحرياتِ، وإرساءِ شفافيةِ الحكمِ ونزاهتهْ .
والبدءِ في تنفيذِ المشروعاتِ الاقتصاديةِ العملاقةْ، كتطويرِ محورِ قناةِ السويسْ، وتنميةِ سَيناءْ، وإعادةِ بناءِ الصناعةِ المصريةْ، والانطلاقِ نحوَ الاكتفاءِ الذاتيّ من المحاصيلِ الرئيسيةْ، وفي مقدمتها القمحْ، والبدءِ في وضعِ الخطوطِ العريضةِ للنهوضِ بمنظومةِ التعليمْ، ودعْمِ وإعادةِ تأهيلِ منظومةِ العدالةْ، والبدءِ في تطبيقِ منظومةٍ جديدةٍ للعدالةِ الاجتماعيةْ .
ورعايةِ الطبقةِ المسحوقةِ من الفقراء وكبارِ السنِّ والأيتامِ، والمرأةِ المُعيلةْ.
تلك الطبقةُ التي كانتْ منسيةْ.
والانطلاقُ نحو تنفيذِ أوسعِ شبكةٍ للمواصلاتِ والاتصالاتْ.
.
وفي نفسِ الوقتْ.
قامَ الرئيسُ الشهيدْ بأوسعِ تحرُّكٍ على مستوى العالمْ ؛ حيث أعادَ تموضعَ مصرَ في المكانة اللائقةِ بها دوليًا وإقليميًا، ووقَّع اتفاقاتٍ استراتيجيةً مع القُوى الكبرى مثلَ الصينِ وألمانيا وغيرهما من الدُّولْ، وأعادَ وضعَ القضيةَ الفلسطينيةَ في بؤرة الاهتمامِ والاحترامِ الدوليّْ، وتمكَّنَ من كبحِ جماحِ العدوِّ الصهيونيِّ عن مواصلةِ عدوانِه على قطاعِ غزةْ .
.
نشاطٌ وخُططٌ كانت تكفي لنهضةِ مصرَ، وَضَعَ أسُسَها وبُذورهَا في أقلّ مِنْ عامْ، وهي أعمالٌ عجزَ عن مجردِ التفكيرِ فيها مَنْ حكموا مصرَ قبْله عشراتِ السنينْ .
لقدْ حَكمَ الرئيسُ الشهيدُ عاماً كاملاً قضاه وسَطَ الأشواكِ مِنْ أجلِ وطنهِ وشعبهْ .
شعبِ مصرَ العظيمْ، حسبةً لوجه اللهْ، فلم يتقاضَ راتبًا شهريًا، ولم يحصُلْ على أيِّ امتيازاتٍ أو بدلاتٍ ماليةْ .
.
ولم يسكُنْ القصورَ الرئاسيةْ، بل جعلَها مقرًّا لعملهِ فَقطْ، وظلَّ سكنُهُ كما هو في شقتِه المستأجرةِ بالتجمعِ الخامسِ شرقيّ القاهرةْ، ولم تحظَ أسرتُه ولا عائلتُه الكبيرةِ بأيِّ امتيازاتٍ زائدةٍ على ما للمواطنِ العاديّْ؛ فقد توفيتْ أختُه الكُبرى في مستشفىً حكوميّْ، وظلَّ أبناؤهُ وأفرادُ أسرتهْ يمارسونَ أعمالهم الاعتياديةِ دونَ أيِّ تمييزٍ أو امتيازاتْ .
في حينِ أنَّ الذين حَكموا مصرَ مِنْ قَبْله، بمَنْ فيهمْ ذاكَ المنقلِبُ الذي وصل إلى الحكم عبر انقلابٍ على السُّلطةِ الشرعية، غارقونَ في ثرواتِ مصرَ وقصورِها وامتيازاتِها، والحالُ أمامكم أيها الشعبُ المصري يُغني عن المقالْ .
.
تشييدُ قصورٍ بالغةِ السَّفه لا حاجةَ إليها، وسفهٌ في الاحتفالاتِ والاستقبالاتْ، وشحنٌ للثرواتِ في الحساباتِ الخاصةْ، وسطوةٌ وتلاعبٌ بمقدراتِ وثروات مصر دون حسيبٍ أو رقيبْ .
لقد كشفَ الرئيسُ الشهيدُ بنهجهِ الفريدِ الذي اختطَّه لنفسهِ في الحكمِ، مدى تهافتِ الذين حكمُوا ويحكمونَ بنهمٍ لنهبِ الثرواتِ وتكريسِ السلطاتِ، وتحويلِ البلادِ إلى ضيْعةٍ يتمُّ التعاملُ فيها مع الشعوبِ كالعبيدْ، فسَعتْ قوىً عديدةْ بدعمٍ إقليميٍّ ودوليٍّ صهيونيّ، وبخيانةٍ مِن قادةِ المؤسسةِ التي عيَّنَ أفرادَها وأقسمُوا أمامَه يمينَ الولاءِ -سعتْ- إلى تَغييبِهِ عن المشهدِ بالانقلابِ عليهْ وخطفهِ ووضْعهِ خلفَ القضبانِ في ظروفٍ بالغةِ القسوةْ.
ثم تمَّ قتْلُه سعياً للتخلصِ مِنْ شرعيتِه إلى الأبدْ.
" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ" ( إبراهيم -42).
لقيَ الرئيسُ محمد مرسي ربَّه، وفرضَ عسكرُ الانقلابِ ستارًا حديديًّا على مراسمِ دفنهْ؛ فتمَّ تشييعُهُ سرًّا في جنحِ الليلِ في حضورِ أبنائهِ وزوجتهِ فقط، بل رفضوا تنفيذَ وصيتِه بأنْ يُدفنَ في قريتهْ إلى جوارِ والدهِ يرحمه اللهْ .
.
ومَنعُوا أسرتَه مِنْ تلقي العزاءِ فيه، ومَنْ خاطرَ بتقديمِ العزاءِ ولو بصورةٍ فرديةٍ تمَّ اعتقالُه .
.
ولكنْ يكفيهِ ما هيأهُ له اللهُ من إقامةِ صلاةِ الغائبِ على رُوحه الطاهرةْ في جميعِ أنحاءِ المعمورةْ، في سابقةٍ لمْ يشهد التاريخُ مثلَها.
.
ويكفيهِ هُتافُ ودعاءُ ملايينِ الأحرارِ لَه فى كلِّ بقاعِ الأرضْ،وفى المسجدِ الأقصى.
.
لَكَمْ حاولَ عسكرُ الانقلابِ تشويهَ تاريخِه ومواقفَه وطمسِ سيرتِه العَطرةِ رئيسًا ومعتقلاً وشهيدًا، لكنْ شاءتْ إرادةُ اللهِ عزوجل، أنْ يُرفع ذكره في قارات الأرضِ الستْ.
لقد أكَّدَ الرئيسُ الشهيدُ مرارًا تمسكَهُ بالشرعيةْ معلنًا أنَّ ثمنَها حياتُه، ولم يكنْ ذلك تشبُثًا بالسُّلطة، وإنَّما كان تشبُثًا باستمرار التَّجربةِ الوليدةِ التي أفرزتْها ثورةُ يناير، وحفاظًا على مكتسباتِ الشعبِ في الحريةْ .
ولم ينتبِه الانقلابيونَ الخونةُ إلى أن شرعيتَه لنْ تنتهي بموتِه، وإنما تمَّ ردُّها للشعبْ، فالشعبُ باقٍ وموجودٌ، وهو قادرٌ على اختيارِ مَنْ يحكمُه اختيارًا حرًّا.
لقد أكَّدَ الإخوانُ المسلمونْ مرارًا، أنَّ تشبُّثَ الرئيسِ الشهيدِ بالشرعيةِ لم يكنْ تشبثًا بالسلطةْ في ذاتِها، فهل يتشبَّثُ بالسلطة مَنْ يدفعُ حياتَهُ ثمنًا لها ؟! .
إنَّما كان تشبُّثُه حرصًا على استمرارِ التجربةِ الفريدةِ التي أفرزتها ثورةُ ينايرْ، وحفاظًا على مكتسباتِ الشعبِ في الحريةِ دونَ تفريطْ، ولِيكملَ الطريقَ بعدَ ذلك الشعبُ نفسُه.
إنَّ الانقلابَ على الرئيسِ المنتخبِ وسَجْنَهُ بقضايا ملفَّقةٍ، ثم سقوطُه ميتًا بالصورةِ التي تمَّت وشاهدها العالم دونَ ردِّ فعلٍ عالميّ، يرقى لشناعةِ ما جرى، يمثِّل جريمةً ستظلُّ عالقةً في جبينِ العدالةِ الدوليةِ، ونقطةً سوداءْ ستظلُّ عالقةً في جبينِ الانقلاببينْ .
وإنَّ ثوارَ يناير وفي القلبِ منهم الإخوانُ المسلمونَ، لنْ يهدأَ لهم بالٌ حتَّى يتمَّ فتْحُ تحقيقٍ دوليٍّ عادلٍ فيما جرى، ويُرَدُّ للرئيسِ- الشَّرعي - حقُّه المعنويّ والقضائيّ، ولنْ يضيعَ حقٌّ وراءه مُطالبٌ، واللهُ ناصرُنا وهو نعمَ الوكيلْ .
سيظلُّ اسمُ الرئيسِ الشهيدِ محمد مرسي، وتجربَتُه في الحكمِ، محفوران بحروفٍ من نورِ العزةِ والكرامةِ في سجلِّ الخالدينَ، مهما حاولتْ تلك الآلةُ الإعلاميةُ الشيطانيةُ تشويهَ الحقائقِ بكلِّ أدواتِ الكذبِ والتَّضليلْ، ومَهما حاولوا تصنيعَ قِصصٍ وهميةٍ واتهاماتٍ متهافتةْ، فلن يتحققَ لهم ما يريدونْ، وسيخيبُ سعيهمْ وسيبْقَى الرئيسُ الشهيدُ درةً في جبينِ ثورةِ يناير، ونبراسًا للأحرارِ في أنحاءِ العالَمْ، ومَثلًا وقُدوةً للأجيالِ جيلًا بعدَ جيلْ.
وسَيشهدُ له التاريخُ- يوماً- بأنَّه أَشرفُ رئيسٍ عرفتْهُ مصرُ،وأنَّه أوَّلُ رئيسٍ ديمقراطيّ، دَفَعَ حياتَه ثمَنًا للحفاظِ على الشَّرعِيةْ،أمامَ آلةِ الاستبدادِ والظلمْ والطغيان.
والله غالبٌ على أمرهْ، وعندَ اللهِ تَجتَمعُ الخصومْ والله أكبر ولله الحمد 25 شوال 1441 هـ الموافق 17 يونيو 2020 م