رسالة من القلب.. ودعوة إلى العمل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.في هذه الأيام الطيبة نتقدم بخالص التهاني إلى المسلمين في كل بقاع العالم بذكرى ميلاد نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ذلك النبي الخاتم الذي أرسله الله تعالى (رحمةً للعالمين).
وجعل مولده وبعثته ورسالته نقلة هائلة في تاريخ البشرية كلها.
فأخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأقام (خير أمة أخرجت للناس) تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
وتنشر بين الناس الأخلاق القويمة وترقى بالمعاملات إلى درجات السمو والرقي وتقيم شريعة الله تعالى، التي تضمن الحقوق وتصون الدماء والأعراض والأموال بلا تفريق بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة، وتجعل ميزان التفاوت الوحيد، ميزان الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
الإخوة والأخوات في كل مكان.
نعتذر إليكم لإشغالكم بأمور ما كان لها أن تحدث في جماعتنا الربانية المباركة، سيما ونحن جميعا أصحاب جراحات لم تلتئم بعد، وآلام لم تهدأ بعد في جسم جماعتنا الجريحة بشهدائها ومعتقليها، ومطارديها، ومهجريها.
لكنها أقدار الله الغالبة، وتربيته لكل داع، ودال عليه.
فنحن لسنا بدعًا من أصحاب الدعوات السابقين الذين اختبرهم الله في أخلاقهم كما اختبرهم في عدوهم، فأصقل الاختبار صادقهم، وعلم جاهلهم، وكشف معادنهم، وربى جموعهم.
فالصحابة الذين نجحوا في مقارعة عدوهم بالسيف في (بدر) كادوا أن يرسبوا في معركة الغنائم لولا لطف الله بهم، حتى قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه متحدثا عن سورة الأنفال:"فينا نزلت هذه الآيات لما ساءت أخلاقنا في أمر الغنائم".
ويوم (غزوة أحد) لما نجحوا في صد عدوهم عن جبل الرماة.
لم ينجحوا في صد حظوظ أنفسهم عن أمر الغنيمة.
وكذلك في (غزوة بني المصطلق) لما هزم الصحابة عدوهم وأسروا منهم خلقًا كثيرا.
كادوا أن يقتتلوا فيما بينهم عندما نادى مناديهم يا للأنصار، فرد عليه الآخر يا للمهاجرين، لولا تدخل النبي (صلى الله عليه وسلم) وردهم عن نزغ الشيطان.
والجماعة المسلمة يربيها الله بما ربى عليه الأولين، لأن تربية الأحداث والمنعطفات أعمق تأثيرًا من الكتب والمحاضرات، وقد ساءت أخلاقنا -كما قال الصحابي- ونتمنى بعدها أن نتعلم كما تعلموا، ونتربى كما تربوا.
فليس العيب أن تسوء أخلاقنا أو يتأخر فهمنا لرسائل تأديب الله لنا، إنما العيب أن نتأخر في قراءة رسائل الله إلينا، أو نجهل التعلم منها حتى يفوت الأوان، أو ينقضي العمر.
وقد امتحن الله جماعتنا امتحانات عدة نرجو من ورائها فرجا قريبا وأجرا عظيما، وتربية نلمسها في أخلاقنا وحسن سيرنا، وقوة أخوتنا ووحدة قلوبنا إن شاء الله.
الإخوة والأخوات الكرام: وما الأحداث الأخيرة إلا محطة من محطات التربية الشاقة التي يعلمنا الله فيها ما لم نكن نعلمه من قبل.
حيث أقدم بعض الإخوان على استصدار قرار باطل لا يعرف من وراءه بعزل نائب المرشد والقائم بأعماله، دون حتى أدنى تحقيق وباجتماع وهمي يخرجون بنتيجته للصف، بأعداد هزيلة استحوا أن يذكروها فذكروا نسبا ليس وراءها عدد، مما جعل أعضاء مجلس شورى الإخوان العام يسارعون في رفض الأمر وتجديد البيعة، ولعمري إذا كان كل هؤلاء يرفضون هذا الصنيع فمن الذي قبله؟! بل من الذي صنعه؟! وبقدر ما كان الحدث عنيفا وسريعا بقدر ما كان فيه من الخير الكثير الذي يظهر الله لنا بعض خفاياه كل حين، ويفتح الله به أبوابًا من الخير ما كنا نحسب حسابها.
الإخوة والأخوات الكرام: نقدر لوعتكم على ما أصاب جماعتكم، وألمكم على ما أصاب أخوتكم، لكن العاقل لا ينبغي له أن يعيش أسير أحزانه.
وقد أصابنا ما إن وظفناه لمستقبل دعوتنا لأنتج خيرًا كثيرًا.
فالهمة الهمة يا شباب.
تجاوزوا المحنة بالنظر إلى ما ورائها من منحة، وحركوا الماء الراكد حتى يطهر، واجمعوا القلوب المتباعدة حتى تتآلف، واستحضروا الآمال الحالمة حتى تتحق.
ولا يقولن أحدكم: أو بعد هذا العمر الطويل يفيق لأمر التغيير والتصويب؟! وقد نسي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالخواتيم".
والله يعلم أن أعمارنا كانت له، ونسأل الله أن تكون الخواتيم كذلك.
وإننا لنرجو أن يختم الله لنا بما يحب سبحانه وتحبون من تحريك ما ركد من أمر الدعوة، وتقوية ما ضعف من بنائها، وتسليم الراية لجيل قوي فتيّ يحتاجه قابل الأيام، وأمة العدنان (صلى الله عليه وسلم)، فأعينوننا بقوة، ولن تجدونا بعون الله إلا آملًا بآمالكم، وآلمًا لآلامكم.
الإخوة والأخوات الكرام: إن من ورائنا مهاما جساما تبدأ بالجرح الذي يوجعنا جميعا.
جرح المعتقلين والمعتقلات الذين نرجو أن يعجل الله بخلاصهم من محنتهم التي طالت عليهم وعلينا -علم الله- وثانيها وثالثها ورابعها تطوير الجماعة وتوحيد صفها، وتوحيد كلمتها، وضخ الدماء الجديدة في شرايينها.
وهذا يستدعي منا جميعا مواصلة الليل بالنهار، وبذل أعمار فوق الأعمار.
فتوقفوا عن التلاسن والتشاحن في الفضاء الأزرق وغيره، فالظرف الذي تعيشه جماعتنا لا وقت فيه لأحقاد أو أضغان أو شحناء، فإنما ينصرنا الله بسلامة صدورنا، وصدق أخوتنا، وحسن أخلاقنا.
اجمعوا ولا تفرقوا، اتحدوا ولا تختلفوا، وتذكروا أن آمال المخلصين من الأمة معقودة عليكم وعلى أمثالكم من المصلحين، من أهل كل تيار إصلاحي مسلم، وكل يوم يمر من عمر أهل الحق بلا عمل يطيل من عمر الباطل وتجبره وطغيانه.
أما أنتم يا إخواننا وأخواتنا في الداخل، فالله يعلم أنكم، حديث كل مجلس، وألم كل خلوة، ومادة كل لقاء مع أهل الشرق والغرب، ومن قبل هذا كله أنتم نجوانا بيننا وبين ربنا في كل صلاة، حتى نجمع فيكم بين سبب الأرض والسماء، وإنا لنرجو الله تعالى أن يفرحنا بنجاتكم فرحة قريبة.
الإخوة والأخوات الكرام: أعيدوا إلى خريطة يومكم الأوراد تقرؤونها، والأذكار ترددونها صباح مساء، وصيام النوافل، وقراءة القرآن وقيام الليل ودعاء السحر.
أعيدوا حقوق الله في أوقاتكم وأموالكم وجميع أحوالكم.
ولا يقولن أحدكم شغلتني الأحداث عن الأوراد، فلا هيجا بغير سلاح، وسلاحكم الأول عباداتكم، وحسن صلتكم بربكم.
فمن يدري؟ ربما يرفع الله البلاء بدمعة خاشع في هزيع الليل الآخر يقول: رب أمتي أمتي، رب إخواني إخواني، رب دعوتي دعوتي.
فلا يرفع رأسه من سجود حتى يعطيه الله ما سأل.
حفظكم الله.
آواكم الله.
أيدكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم: إبراهيم منير نائب المرشد العام والقائم بالأعمال