الحج دروس وعبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر … لا إله إلا الله
الله أكبر … الله أكبر … ولله الحمد
أيها الناس ... إن ربكم واحد ... وإن أباكم واحد ... كلكم لآدم وآدم من تراب ... إن أكرمكم عند الله أتقاكم ...
أيها الناس .. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ...
أيها الناس ... إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم ...
الأخوة والأخوات الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من رسالات السماء المفروضة علينا المحفوظة في عليين نعيش في ظلها قدسية التكليف، سطع بها خاتم الأنبياء في يوم عرفة لتكون حجة على الناس.. كل الناس ومنهم الحجيج الملبين لأمر الله ... متحللين من زخرف الدنيا في نسك يجري بأعين الله سبحانه وبتوجيه وفيض منه عز وجل لعباده تشهده الأرض والسماء وتتجلى فيه معاني الألوهية التي تحيي في الإنسان فطرة تكوينه وعبوديته لله الخالق وحده سبحانه وتعالى، في ساعة من ساعات الدنيا تتناغم فيها كل أعضاء جسد الحاج التي خلقها الله من تراب مع النفخة الربانية ليعيش مع قدسية هذه الساعات وهي تردد مع من خلقه الباري لتحمل أمانة التكليف الإلهي «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» تكريما وتفضيلا على كثير ممن خلق ... فتتفتح قلوب من تزكى في كل مكان على أرض الله بنعمة مشاركة من يقفون على عرفات بالتهليل والتسبيح والتكبير أيام وساعات الحج التي تجمع الكون كله على النداء المقدس:
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر … لا إله إلا الله
الله أكبر … الله أكبر … ولله الحمد
الإخوة والأخوات الكرام
تعيش الأمة والخلق كله مناسك الحج في توقيت رباني تسبقه أيام حُرم وتتبعه أيام حُرم ... ومعها الرسالات السماوية وما حملته ذكرى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام من دروس صِدق البيعة مع الخالق عز وجل والطاعة الخالصة والتضحية والفداء والتسليم الكامل ، التي جعلها الله سبحانه وتعالى قرآناً يتلى من بدايتها إلى قيام الساعة منذ أن رفض ما يعبده قومه (فَجَعَلَهُمْ جُذَٰذًا) فأوقدوا له ناراً فاستمسك بيقينه فجاء أمر الله للنار «كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ» ليهجرهم بعدها ويهجر أرضه مستسلماً لقضاء الله واثقا برحمته «إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ» ... ليعيش بعدها عمره كله حالة الصلة بالسماء تتجلى في قلبه أنوارها مرحباً بقضاء الله راضياً به سبيلاً إلى القربى، لم يهتز يقينه بالله عندما جاءه التكليف بترك زوجته هاجر وابنهما إسماعيل الذي رزقه الله به وهو شيخٌ كبير في وادٍ غير ذي زرع عند بيت الله المُحرّم وكتب الله عليها السعي بين الصفا والمروة وحيدةً إلى أن تفجّر بئر زمزم ليصبح السعي منسكاً من مناسك الحج، وحين يقول لابنه إسماعيل (عليه السلام) «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى» لتأتي ومضة النور والتسليم الرسالي لكل من الأب والابن والوفاء بالعهد والعمل بالتكليف الذي جاءت به الآية الكريمة «يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ» وعندها يأتي الرضا وتتنزل عليهما الرحمة والنداء الرباني الذي يتلى قرآناً إلى يوم القيامة «وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ... قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ... إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ... وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ».
وتبقى معاني الواقعة واضحة تماما بما جاءت به من اختبارات المحن ... وتكاليف الدعوة إلى الله ... وقول الحق ... والتي شملت رسل الله وأتباع الرسل شيباً وشبانا، ورحم الله الشهيد صاحب الظلال عندما وقف مع الواقعة فقال عن نبي الله إبراهيم وابنه الوحيد إسماعيل عليهما صلوات الله وسلامه:
"لقد أسلما ... فهذا هو الإسلام في حقيقته ... ثقةً وطاعةً وطمأنينةً ورضاً وتسليماً وتنفيذاً وكلاهما لا يجد في نفسه إلاّ هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم.
إنها ليست الشجاعة والجراءة ... وليس الاندفاع والحماسة ... لقد يندفع المجاهد في الميدان ... يَقتُل ويُقتَل ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود ... ولكن هذا كله شيء والذي صنعه إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هنا شيء آخر ... ليس هنا دمٌ فائر ولا حماسةٌ دافعةٌ ولا اندفاعٌ في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص.
إنما هو الإسلام الواعي المُتعقّل القاصد المريد ... العارف بما يعمل ... المطمئن لما يكون ... بل هو الرضا الهادئ المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل".
الإخوة والأخوات الكرام
إنها أيام وليالي التسبيح والذكر والعيش في رحاب الله ودروس ومعاني الفداء والرضا بقضاء الله والثقة بصحة الطريق ... طريق الرسل والأنبياء التي شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلها رصيداً ومدداً للداعين إلى الله ... لا نقول عنها أكثر مما جاء في قرآن ربنا في سورة هود «وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ وَجَآءَكَ فِى هَٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ».
ورحم الله الشهيد الذي قال قبل أن يلقى ربه:
"لقد كان هذا القصص يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ... والقلة المؤمنة معه محصورة بين شعابها. هذا القرآن يتحرك في الصف المسلم ... ويحرك هذا الصف حركةً مرسومةً مأمونةً".
ورسالةً منا إلى إخواننا وأخواتنا في الداخل والخارج ومن هم خلف جدران السجون القائمين بأمر الله صبراً وثباتاً على ما نعتقد أنه الموقف الحق في إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى فلسنا في مجال صراع تضيع معه الحقيقة ولا في مجال ثاراتٍ تتحطم بها الأوطان، وسيظل الحق قائماً بإذن الله يجتمع حوله جنودٌ من جنود الله على أرض الله تختلف ألوانهم وألسنتهم فمنهم القائم به ومنهم المدافع عنه، وحسبنا أن نعيش جميعاً في ما جاءنا في سورة هود، ونعود إلى ما جاء برسالة السماء التي سطع بها نبي الحق في موقفٍ قدسي ونحن نعيش الآن أيامه الحُرُم (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم).
إنه الطريق إلى الله وإنها الدعوة إلى دين الله وقرآنه وما جاء به الرسل ... نسأله سبحانه وتعالى أن يجمعنا على هذا الطريق ثقةً ويقيناً واقبالاً على الله ... فطوبى لمن هداه الله إلى هذا الطريق ونسأله أن نكون منهم وأن يعيننا ويعين إخواننا وأخواتنا وأمة محمد صلى الله عليه وسلم على مشقته راجين منه رحمةً كالتي مَنّ الله بها على عبديهِ ورسوليهِ إبراهيم وإسماعيل وما ذلك على الله ببعيد فأمره بين الكاف والنون (كُنْ) ... إنه على كل شيء قدير.
وكل عام وأنتم بخير
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر … لا إله إلا الله
الله أكبر … الله أكبر … ولله الحمد
إبراهيم منير
نائب المرشد العام لجماعة" الإخوان المسلمون" والقائم بالأعمال
الخميس ٨ ذو الحجة ١٤٤٣هـ ؛ الموافق ٧ يوليو ٢٠٢٢م