الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

الهجرة النبوية.. رسائل لا تتوقف

الهجرة النبوية.. رسائل لا تتوقف

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد...

بعد ثلاثة عشر عاما من المعاناة والإيذاء وشدة البلاء، أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة...

ثلاثة عشر عاما لاقى فيها النبي الكريم وأتباعه ما لاقوا...

فيها قتل عمار وسمية .. وسال من الحرق دهن خباب.. واخضرت من اللطم عين ابن مظعون.. وجفت من طول الجوع بطون وحلوق المحاصرين في شِعب أبي طالب… 

ثلاثة عشر عاما من محاولات حجب شمس الهداية بغربال الكبر والصلف، وإطفاء نور الله بأنفاس ضِعاف لا تكاد تطفئ شمعة... 

ثلاثة عشر عاما ماتت فيهم الزوجة.. وتشرد الأصحاب.. وتنكبت له فيها الأرض جميعا…

ثم أذن الله لنبيه أن يهاجر، وللدين أن ينتشر… فكان حادث الهجرة، وكانت بداية العهد الجديد للدعوة المباركة…

والهجرة لم تكن يوما مجرد حادث عابر نقرؤه في صفحتين.. وإلا ما اختاره الفاروق وأصحابه ليكون بداية للتأريخ الإسلامي الناصع...

الهجرة كانت تحولا من حال الضعف والكمون إلى حال الجهاد ودك الحصون...

الهجرة كانت إشعارا بسعة الأرض، وكثرة المحتاجين للهداية...

الهجرة كانت رسالة بأن دوام الحال من المحال.. وأن أبا بكر لن يبقى هامسا بتلاوته على الدوام مخافة أن يسمعه أبو جهل فيبطش به!!

وأن بلالا لن يبقى مدى الدهر تحت أحجار أمية.. وخبابا لن يبقى تحت رحمة أم أنمار تحرقه بالنار متى شاءت!!

وعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرنا ونيف على هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن معانيها ورسائلها لا تتوقف، وكأنها حدثت الساعة...

فالتخطيط للدعوة أعظم سماتها.. لأن مقام الهجرة مقام دعوة، بعكس مقام الإسراء والمعراج الذي كان مقام نبوة كما قال ابن القيم رحمه الله...

فترى النبي يخطط قبلها بإرسال أصحابه إلى المدينة لتوطين الدعوة وحرث الأرض قبلها...

ويخطط أثناءها بما يُعَمّي به أعين المشركين، ويخطط بعدها لما يؤهله للفتح المبين...

والهجرة تضحية بالغالي والثمين.. من أجل دين هو أعز على أصحابه حتى من أنفسهم...

في الصحيح أن المشركين اعترضوا صهيب الرومي عند هجرته وقالوا له: أتيْتَنا صُعْلوكًا حقيرًا، فكثُرَ مالُكَ عندنا، وبلغْتَ الذي بلغْتَ، ثُمَّ تريدُ أنْ تخرجَ بمالِكَ ونفسِكَ، واللهِ لا يكونُ ذلِكَ، فقال لهم صهيبٌ: أرأيتم إِنْ جعلْتُ لكم مالي أتُخلُّون سبيلي؟ قالوا: نعم، قال: فإِنَّي قَدْ جعلْتُ لكم مالي. فبلغ ذلِكَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال صلى الله عليه وسلم: ربِحَ البيع أبا يحي.. ربح صهيب...

والهجرة أخوة وإيثار.. تتجلى روعتهما في صحبة الصديق للنبي، وفي إيثار المهاجرين للأنصار بخصاصتهم، وثمين حاجتهم...

والهجرة رسالة أمل سنوية.. مفادها أن أيام مكة المحرقة لا بد بعدها من أيام المدينة المشرقة، فدوام الحال محال...

وللأمة أن تعي بأن الهجرة قائمة ما بقي العمل للدين... ولأن السبب واحد كان المؤدَّى كذلك…

فالعداء للدين لم يتوقف، وإعلان الحرب على المصلحين لم يهدأ يوما، لذلك تبقى الهجرة والفتح أحداثاً مكرورة ما بقي الصراع بين الحق والباطل...

وهذا قول كثير من العلماء في أن (ال) في كلمة الفتح للجنس وذلك في قوله تعالى:

"لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقاتَلَ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعْدُ وَقَاتَلُواْ ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" .. أي كل فتح وليس فقط فتح مكة، وكل هجرة في الله ولله، وليس الهجرة الأولى فحسب...

وهذه والله بشارة لكل من أُخرجوا أو أوذوا في سبيل الله قبل أن يفتح الله لهم، وعليهم أن يقوم بحق هجرتهم كما قام بها من سبقهم، لأنه لا هجرة إلا بعمل وتضحية، كما قال الله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ


فلينطلق كل مهاجر بدين الله كما انطلق المهاجرون الأُول.. ولينْوِ أن يجعل مهاجره الذي اختاره الله له منطلقا لدعوته .. واستثمارا لمحنته حتى يأذن الله بالفرج القريب...

أيها الأحباب…

عيشوا السيرة واقعا.. واقرأوا أحداثها على أولادكم.. ولا تفرطوا في ميراث نبيكم.. وثقوا أن الذي أعان المهاجرين الأُول وفتح لهم وبهم سيفتح لكم وبكم كذلك ما صدقتم .. لأن رب الدين واحد سبحانه.

 

والله أكبر ولله الحمد.

إبراهيم منير

نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون" والقائم بالأعمال

الأربعاء ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٣هـ، ٢٧ يوليو ٢٠٢٢