رسالة إلى الزعماء العرب في ظل اجتماع القمة العربية في الجزائر
رسالة الإخوان المسلمون الأسبوعية
رسالة إلى الزعماء العرب في ظل اجتماع القمة العربية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.. أما بعد..
فيأتي اجتماع مجلس الجامعة العربية في هذه الأيام مواكبًا ذكرى عزيزة على كل عربي ألا وهي ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية العظيمة في الفاتح من نوفمبر سنة 1954 التي كللت بالظفر جهاد الشعب الجزائري بعدما قدم الملايين من أبنائه البررة ثمنا للحرية والعزة والكرامة.. وإننا لننتهز هذه المناسبة للتقدم بالتهنئة للجزائر العزيزة حكومة وشعبًا.
ويأتي اجتماع القمة والأمة العربية تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، مرحلة تنبئ بإعادة تشكل القوى العالمية، وتوزيع مناطق النفوذ والهيمنة والاستعمار بين قواها المستكبرة الطاغية، وقد تتوارى بعض هذه القوى، أو يضعف تأثيرها في العقود القليلة القادمة، وقد يدفع العالم كله -ونحن جزء منه- أثمانًا فادحة في تلك المرحلة من تصارع القوى، وتوزيع الأسلاب بينها.. مما يلقي على الزعماء المجتمعين أعباءً ومسئوليات، لا يستطيعون حملها إلا بعون من الله، ثم عون من شعوبهم التي تمتلك الطاقات المذخورة، والقوى الظاهرة والمستترة، التي لو أحسن توجيهها لنقلت أمتنا إلى المكانة الجديرة بها.
وقد آن لهذه الاجتماعات الدورية أن تؤتي أكلها، وأن تستشعر مسئولياتها تجاه الواقع الذي تعيشه تلك الشعوب، والغضب الساكن في جنباتها، بقدر الطموحات الضائعة، والإمكانات المهدرة.
فمنذ نحو سبعة وسبعين سنة تأسست جامعة الدول العربية، في مارس سنة 1945م، وتهللت مشاعر المخلصين بما يمكن أن تقدمه للأمة من وحدة شاملة، وتنمية مستدامة، ونهضة علمية تنهي عصورًا من التخلف والجهالة.. ولم يكن الإخوان المسلمون بعيدين عن تلك الآمال، وإن كانوا من أسبق أبناء الأمة في ترجمة آمالها إلى أهداف محددة، ومعالم مقصودة، وتقديم النصيحة الواجبة إلى قيادات الأمة منذ أيامها الأولى، بل قبيل تأسيسها، فلما اجتمعت وفود هذه الدول في اجتماعهم التشاوري حول ميثاق الجامعة في الإسكندرية سنة 1944- أي قبل إعلان قيامها بأشهر- قدم وفد من الإخوان المسلمين إلى زعمائهم رسالة من المرشد العام الإمام حسن البنا إلى الزعماء المجتمعين، بدأها بقوله: أيها السادة الفضلاء.. إنكم تدافعون عن أعدل وأنجح وأوضح قضية في التاريخ؛ فمن البديهيات التي لا تقبل الجدل أن العرب أمة واحدة... ".
وقدم الإمام البنا في رسالته تصورًا لميثاق الجامعة المقترح وأهدافها، تضمنت السعي لتحقيق الوحدة بين أقطارها، والتوسع في التعاون الاقتصادي والثقافي والتشريعي والعسكري؛ والعمل من أجل مساعدة الأمم الناشئة على نيل استقلالها، وتقوية الصلات بين العالمين العربي والإسلامي، وضرورة التمسك بالقيم الدينية والخصوصية الحضارية للأمة.
لقد رأى الإخوان المسلمون في الجامعة العربية - بالرغم مما أحاط بظروف نشأتها من ملابسات- رمزًا للوحدة بين العرب، وهم أصل الإسلام، ونواة ممكنة لوحدة أكبر بين الأقطار الإسلامية، إلا أن الواقع المفروض على الأمة؛ والتخاذل في مواجهته؛ قادا الجامعة إلى حال من العجز عن تحقيق الآمال المرجوة، والطموحات المشروعة. ولم يفقد الإخوان الأمل في الإصلاح، وهو مشروعهم الأكبر، ومنهج الأنبياء الذي ارتضاه الله لهم، كما قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ سورة هود: من الآية 88، وما زالوا يستمسكون بواجب تقديم النصيحة الذي بيَّنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قوله: "الدِّينُ النَّصيحَةُ".
إن الأمة كلها تستشعر جسامة التحديات والمخاطر المفروضة عليها، وأبرزها مشاريع الهيمنة والاستغلال، ونهب الثروات، وفرض التخلف العلمي والتقني، وحرمان الشعوب العربية من حقها في الحريات الأساسية، والعيش الكريم، والسعي لإشعال الفتن والحروب الداخلية بين شعوبها، وتفتيت وحدتها، وتقسيم دولها، وانتهاك مقدساتها، والعدوان على رموزها ومعتقداتها الدينية، وغير ذلك مما علمه القريب والبعيد، وقاسته شعوبنا من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي..
ولا سبيل للنجاة من هذا الحصار المحكم؛ وتلك المخاطر المحدقة؛ إلا بالاستقواء بالله تعالى، وتعظيم دينه وشريعته، ثم اصطفاف الحكام مع شعوبهم، في عمل مدروس، ومنهج متوافق عليه، يعالج النواحي العاجلة، ويضع تصورًا للمستقبل يحقق المستهدفات الآتية:
- إطلاق الحريات السياسية للشعوب العربية، وتعميق ممارسات الشورى ومؤسساتها. وإنهاء حالة الاحتقان المجتمعي، وانسداد آفاق التغيير والتطور السياسي السلمي.
- التأكيد على الهوية الإسلامية للأمة، على نحو يلزم المؤسسات الإعلامية والتعليمية والاقتصادية بمراعاة الخصوصية الثقافية والدينية للشعوب العربية.
- التحرر الكامل للأوطان من كل سلطان أجنبي، ومن ذلك التخلص من الإملاءات الاقتصادية المجحفة للمؤسسات الدولية والشركات الأجنبية.
- اتخاذ الخطوات الضرورية لتحقيق التكامل العربي في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية والثقافية، ويكون ذلك خطوة في سبيل الوحدة المنشودة.
- العمل الجاد من أجل تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، وإنهاء صور الحصار الظالم لشعبها البطل، ودعم جهاد أهلها بما يحقق الاستقلال بعد احتلال غاشم دام أكثر من سبعة عقود من الزمن، وإيقاف الهرولة المؤسفة إلى التطبيع مع العدو الصهيوني بالرغم من المعارضة الشعبية لذلك.. ونذكر هنا أن اجتماع القمة هذا يأتي في ذكرى وعد بلفور في الثاني من نوفمبر ١٩١٧ الذي أعطى بكل تجبر وظلم أرضنا ومقدساتنا للعدو الصهيوني.
- العمل الجاد على تحقيق نهضة علمية شاملة، والتخلص من صور احتكار الدول الكبرى للتقنيات العلمية العالية، وتفريغ العالم العربي من كفاءاته العقلية بالتهجير أو القتل، أو الإغراءات المادية المتنوعة.
وبعد.. فإننا نؤكد استعدادنا -نحن الإخوان المسلمين- لمساندة كل عمل عربي يحقق العزة والكرامة لأمتنا، وقد كنا وما زلنا جاهزين لبذل الغالي والنفيس من أجل نهضتها، ونحن في ذلك فصيل من أبنائها، أوفياء لحقوقها، شركاء في حاضرها ومستقبلها.
﴿وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ﴾ (سورة التوبة) آية 105
إبراهيم منير
نائب المرشد العام لجماعة (الإخوان المسلمون) والقائم بالأعمال
الثلاثاء 7 ربيع ثان 1444هـ؛ الموافق 1 نوفمبر 2022م