الإسراء وطوفان الأقصى.. "ذكرى بمعنى النصر"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول لله ومن والاه بعد
تطل علينا (ذكرى الإسراء والمعراج) هذا العام... ولأول مرة بعد سنوات عديدة..
ببشريات النصر وفتح قادم؛ رغم الثمن الباهظ من دماء الشهداء، وتضحيات الأبرار الأطهار في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
ولئن كان حادث الإسراء والمعراج يحمل معنى (المعجزة) التي تشى بطلاقة المشيئة الإلهية؛ فإن أيامنا الحالية والقريبة أرتنا "معجزات باهرات" تطمئننا أن يد الله -عز وجل- تعمل (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح: آية 10] تعمل فوق أيدي شباب أطهار تربوا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فشربوا من معين القرآن، وتحلوا بأخلاق النبي العدنان، فتحطمت على أيديهم القيود، وفتحت الحدود، وسقطت أكذوبة: العدو الذي لا يقهر والجيش الذي لا يهزم! فإذا هو "جيش من ورق"؛ لا يحسن إلا التدمير والخراب والقتل للأطفال والأبرياء... أما أمام مواجهة الجنود الأشداء أولي البأس؛ فهم في جبنهم وخوفهم يتساقطون كأوراق الشجر الجاف في رياح الخريف.
خمسة وسبعون عاما من القهر والظلم والقتل والدمار والتهجير، واستباحة كل الحرمات، تتكشف الآن، ويظهر الصهاينة المجرمون، ومن حالفهم من قوى الغرب الظالم على حقيقتهم البشعة، التي لا تعرف حرمة الدماء، ولا معاني الإنسانية والرحمة.
وليعلم العالم كله؛ أنهم ليسوا أمناء على الأرض المقدسة مهد الأنبياء ومهبط الرحمات ومسرى رسول السلام وخير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء جميعا أزكى الصلوات وأوفى السلام.
حينما دخل جيش الصليبيين القدس؛ وكان ذلك في يوم الجمعة 22 من شعبان سنة 492هـ الموافق 15 من يوليو سنة 1099م. ذبحوا فيها 100 ألف من المسلمين الأبرياء، حتى وصلت الدماء إلى صدور الخيل.
والآن يجدد الصهاينة ما فعله أسلافهم؛ فيقيمون المذابح الدامية لأهل فلسطين الأصلاء، على مدى سبعين سنة، وهم يعيدون نفس النهج في غزة فيتبعون سياسة الأرض المحروقة، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ذبحا للأطفال والنساء، وتدميرا لكل مظاهر الحياة، وتجريفا للأرض، وإفناء للمدارس والمستشفيات ودور العبادة ومعسكرات اللجوء.
وعلى العكس من ذلك تماما -ومن هدي تعاليم الدين الحق- عندما دخلها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فاتحا؛ أعطى أهلها الأمان والعهد. وبعده بقرون دخلها صلاح الدين الأيوبي؛ فاتحا؛ فقال كما قال نبيه صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فعادو إلى بلادهم يحملون الذهب والثروات والأموال التي نهبوها من الأرض المقدسة، ضاربا الأمثلة في التسامح والتعالي على سفاسف البشر، ومزالق الحق الأعمى، والتعصب البغيض.
نحن نرى تباشير النصر وبشريات التحرير لتلك البقعة المقدسة بمجريات "طوفان الأقصى" المبارك؛ على أيدي الرجال الأطهار (عِبَادًا لَنَا) [الإسراء: آية 5]، وهي بشريات تحرير المسجد الأقصى؛ (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)) [الإسراء: آية 7].
حينما عادت تلك الطليعة المباركة -من أبطال حماس ورفقائهم- إلى منابع دينها وأخلاق نبيها، فعلت في أيام قلائل ما عجزت عنه الجيوش الجرارة للدول المحيطة على مدار عشرات السنين. وحين تعود الأمة المسلمة إلى دينها وشريعة ربها ستفتح لها الدنيا، وتعود إلى مكانتها السامقة في قمة البشرية "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".
قالها عمر وهو ذاهب ليتسلم مفاتيح القدس "كنا أذل الناس، فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله". والآن يقولها أبطال حماس -بدمائهم وجهدهم وعرقهم- للعرب والمسلمين جميعا: عودوا إلى دينكم وشريعة ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ يصنع لكم المعجزات، كمعجزات الإسراء والمعراج، وطوفان الأقصى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)) [الحج: آية 40،41].
والله أكبر ولله الحمد
الدكتور صلاح عبدالحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون
الأربعاء 27 رجب 1445هـ؛ الموافق 7 فبراير 2024م