الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

في دائرة البحث

يتناول البحوث والدراسات والتقديرات حول القضايا محل الاهتمام، وما...

الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط واستراتيجيات القوى الإسلامية فى مواجهة النفوذ الأجنبي

الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط واستراتيجيات القوى الإسلامية فى مواجهة النفوذ الأجنبي

ناقش الدكتور سامي العريان، «رئيس مركز الإسلام والشؤون العالمية» في مؤتمر «التيار الإسلامي والتغييرات العالمية: طبيعة ومستقبل التغييرات الدولية والصراع العالمي» والذى نظمته أكاديمية الرواد بتاريخ 15 يوليو 2023. والدكتور سامي العريان هو مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية، وأستاذ الشؤون العامة بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم بإسطنبول.

الدولة الأمريكية عمرها أقل من 250 سنة، حيث كانت ثورتها عام 1776م، وكان استقلالها -أيضا- عن مستعمرها البريطاني آنذاك- عام 1783م. وهي مازالت مسيطرة على المشهد العالمي لفترة تقارب ثلاثة أرباع قرن. فما هي استراتيجياتها في السيطرة على المشهد العالمي؟ وما التحديات التي تواجهها؟

يستعرض المقال محاولة فهم استراتيجية الولايات المتحدة كدولة مهيمنة على العالم الغربي، مع التركيز على الشرق الأوسط بشكل خاص، والعالم الإسلامي بشكل عام. وهذا يستدعي الحديث عن: مفهوم وسمات الاستراتيجية العظمى للدولة، والمراحل التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق استراتيجيتها العظمى، والاستراتيجيات التي اتبعتها في مختلف المراحل التاريخية بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن. وسياستها الحالية في المنطقة. 

مفهوم وسمات الاستراتيجيات العظمى للدولة
الاستراتيجية العظمى هي أعلى درجات الاستراتيجية التي تطغى على كل شيء، عند اعتبار الهدف النهائي أو النتائج النهائية. وتستخدم الدولة كل أدوات القوة لتحقيقها بما فيها: القوة العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والتكنولوجية، والمعرفية، والثقافية، أي ما يعرف بالقوى الخشنة والقوة الناعمة. 

كل دولة لها مجموعة استراتيجيات مركبة كي تحقق اهدافها. كلها تنطلق من استراتيجيتها العظمى، وتشمل استراتيجيات أو عمليات أو تكتيكات. ولكن كلها تخدم الأهداف النهائية. أي عندما تختار الدولة سياستها وتستخدم قوتها في تحقيق أهدافها الآنية أو المرحلية، أو المتوسطة او بعيدة المدى، لابد لهذه السياسات أو التكتيكات أو الاستراتيجيات من خدمة وتحقيق الاستراتيجية العظمى للدولة. هذه الاستراتيجية العظمى هي التي ترشد شؤون الدولة وسياستها وطريقة عملها بشكل عام.

وعندما تحدد الدولة مصالحها ومبادئها تكون الاستراتيجية العظمى هي الإطار المنظم او المحرك أو الجامع لترشيد أصحاب القرار في تحديد وتنفيذ السياسات أو الاستراتيجيات التي تحقق الاستراتيجية العظمى للدولة. لذلك لابد من فهم هذه الاستراتيجية لكل دولة أو نظام سياسي. حتى نفهم كيف تُصنع السياسات وتنفَّذ الاستراتيجيات وتحقق الأهداف وتؤخذ القرارات. 

السمات الرئيسية التي يجب توفرها في الاستراتيجيات العظمى للدولة
السمة الأولى:
يجب أن نفرق بين: الاستراتيجية، والسياسة الخارجية، والاستراتيجية العظمى. فالسياسة الخارجية تجيب على سؤال ماذا؟ أي ما هي السياسة أو السياسات التي ستتبعها أو يتبعها صاحب القرار لتحقيق هدف ما؟ أما الاستراتيجية فهي تجيب على سؤال كيف؟ أي كيف ستنفذ هذه السياسات؟ أما الاستراتيجية العظمى فهي تجيب على سؤال لماذا؟ أي لماذا اختارت الدولة أو أصحاب القرار هذه السياسات؟ وإذا لم نستطع أن نفرق بين هذه الأمور الثلاثة سيكون من الصعب علينا أن نفرق بين ما هو سياسة يمكن أن تتغير حسب التكتيك، وما هو استراتيجية أي كيف، وما هي الاستراتيجية العظمى التي تجيب على السؤال الأكبر.

السمة الثانية:
تحديد غرض الاستراتيجية العظمى أولا وقبل كل شيء: أي تحديد الأهداف التي يجب على صانع القرار الدعوة الى تحقيقها. ما هو دورها في النظام الدولي؟ أي وضع الإطار الذي يصنع أسس النظام الدولي، وتحديد دور الدولة، خصوصا عندما نتحدث عن الدول الكبرى التي تهيمن على هذا النظام. الأمر الآخر المتعلق بالاستراتيجية العظمى هو أنها تشمل كل الأبعاد، وليس -فقط- مجالا واحدا أو بعدا واحدا. فهي تشمل البعد العسكري، والاقتصادي، والسياسي.. إلخ ؛ لأن نجاح الاستراتيجية العظمى هي في قدرتها على إيجاد او تحقيق التكامل في كل المجالات العسكرية وغير العسكرية لتحقيق أهدافها الكبرى. 

السمة الثالثة:
أن تحديد الاستراتيجية العظمى لأي دولة وتنفيذها هي عملية مستمرة ومعقدة لا تتوقف أو تتراجع في وقت السلم أو الحرب، وقد يتم أحيانا تحديد هذه الاستراتيجية العظمى من خلال الأزمات والحروب. وقد يكون بعضها حروبا وجودية كما كان ذلك في الولايات المتحدة عند الصراع من أجل البقاء في الحرب الأهلية في الأعوام من 1861 الى 1865، وهي الحرب التي كادت أن تعصف بها؛ ولكنها كانت ضرورية لتقوية الداخل والحفاظ على وحدتها وقوتها. كما أن ذلك -أيضا- كان بالنسبة للحرب العالمية الثانية (1939 – 1945). 

السمة الرابعة: 
أن الاستراتيجية العظمى هي التي تلهم الدولة أو تقودها لحشد كل قواها وقوى المجتمع: العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والبشرية، والتكنولوجية؛ للدفاع عن مصالحها وتحقيق أهدافها. 

السمة الخامسة: 
هي في قدرة الاستراتيجية العظمى على تحقيق التوازن بين الإمكانات والأهداف والطموحات؛ لا سيما في وجود إمكانات محدودة؛ عسكرية واقتصادية. هناك العديد من الأمثلة التي لم يتحقق فيها هذا التوازن، فكانت الطموحات أكثر بكثير من الإمكانات، كما كان في نهايات الإمبراطورية العثمانية أو الامبراطورية البريطانية وقت افولهما، او حتى في الاتحاد السوفيتي. 

السمة السادسة:
وهي متعلقة بفكرة أن الاستراتيجية العظمى حتى تكون فعالة وناجحة، لابد أن تعبر في جوهرها عن وحدة أيدولوجية أو فلسفية أو سياسية. وهذه الفكرة الكبرى لابد أن تنعكس في أهداف الدولة وتوجهاتها وسياساتها. وهو ما يمكن تسميته بـــ «العقيدة السياسية للدولة». هذه تعد مسألة جوهرية؛ لأن الوظيفة المركزية للاستراتيجية العظمى للدولة؛ هي: أن تؤكد أن وسائل تحقيق اهدافها متعلقة بفلسفتها وطبيعتها وما تؤمن به. فمثلا وقت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، كانت الولايات المتحدة تعبر عن فلسفتها وطبيعتها، مثل مفاهيم الديموقراطية، والحرية، والاقتصاد الرأسمالي، واقتصاد السوق، الدولة القومية الحديثة، والحقوق الدستورية.. إلى آخره. بغض النظر إن كانت هذه الأمور تمارسها في خارج بلادها أم لا. ولكن هذه هي المفاهيم التي تريد أن تقول للعالم إنها تعبر عنها في مقابل النظام الشمولي، والاقتصاد المركزي، وتقليص هامش الحريات.. إلى آخره. فالدولة تحاول من خلال هذه السمة خلق شخصية أو هوية وثقافة تعبر عنها. اي إيجاد تقليد او تراث او عرف او ناموس. مثلا تحب أمريكا ان ترمز إلى ثقافتها أو مجتمعها بأن الشخصية الأمريكية شخصية منفتحة مغامرة منافسة نفعية تميل الى الفردية، لا تحب التغيير المفاجئ، بل تحب التغيير المتدرج.. إلى آخره.

استراتيجية الولايات المتحدة منذ استقلالها وحتى نهاية القرن 19 
حتى نفهم كيف تطورت الولايات المتحدة؟ وكيف حددت استراتيجيتها العظمى؟ لابد أن نرجع الى بدايات الدولة، في نهايات القرن الثامن عشر، منذ استقلالها في نهاية القرن الثامن عشر وبالتحديد ابتداء من 1783 وطيلة القرن التاسع عشر. حيث كانت الاستراتيجية العظمى للولايات المتحدة تتركز في تحقيق الذات، وبناء القدرة، وتأمين الحدود. وهذه تمت عبر استراتيجيات متعددة تقول: إنه لن يسمح لأي امبراطورية أو دولة كبرى بالتواجد العسكري في نصف الكرة الغربي؛ لأن هذه تعدها منطقة أمريكية، وستكون تحت النفوذ والهيمنة الأمريكية. هذه الاستراتيجية استغرقت حوالي 50 سنة، كي تحققها أمريكا. عمدت بعدها إلى بناء قوة بحرية كبيرة جدا حتى تستطيع السيطرة وحماية حدودها البحرية والسيطرة على نصف الكرة الغربي. هذه الاستراتيجية استمرت لأكثر من قرن، بدأت من جورج واشنطن، أول رئيس لأمريكا حتى الرئيس الخامس والعشرين ويليام ماكينلي. 

استراتيجية الولايات المتحدة منذ بداية القرن الـ 20 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية
أما الاستراتيجية التي تلتها، أي من بدايات القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، فيمكن تلخيصها في أن أمريكا أرادت أن تصبح قوة عالمية أو إحدى القوى العالمية الكبرى التي يمكن أن تهيمن أو تصنع أو تشكل النظام الدولي. وهذه استمرت من الرئيس السادس والعشرين “ ثيودور روزفلت” حتى الرئيس الثاني والثلاثين وهو “فرانكلين روزفلت” وهو الذي قاد أمريكا في الحرب العالمية الثانية.

استراتيجية الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهايات الحرب الباردة عام 1989
● أما الاستراتيجية العظمى للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى نهايات الحرب الباردة في 1989 أو 1990،  أي بين الرئيس الثالث والثلاثين وهو “ترومان”، ومرحلة الرئيسين: ريجان وبوش (الأربعين والحادي والأربعين). أي أن تكون أمريكا قوة عالمية عظمى، تسعى الى احتواء أي قوة عالمية أخرى تنافسها، وكان -طبعا- العالم وقتها ثنائي القطبية. أي أن استراتيجيتها العظمى كانت في أن تبقى قوى عالمية عظمى؛ ولا تسمح لقوى عالمية أخرى أن تصبح قوة عالمية تنافسها، أو ان تصبح مهيمنة في إقليمها أو في منطقتها؛ كما هي أمريكا مهيمنة في إقليمها في نصف الكرة الغربي.

سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي «روسيا حاليا» 
وبذلك كانت السياسة الامريكية هي في احتواء الاتحاد السوفيتي حتى لا يصبح قوة مهيمنة في أوروبا أو حتى في آسيا، أو في أي منطقة أخرى في العالم. بل تضعفه وتفككه؛ واستطاعت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، أن تصل إلى هذه اللحظة، وهي لحظة: الأحادية القطبية، أي القوى المهيمنة الوحيدة في العالم. وهو ما لم يتم عبر التاريخ حتى عام 1990. واستمرت لمدة ربع قرن تقريبا، وانتهت منذ عدة سنوات. 

تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية: من الأحادية القطبية إلى التحالفات الإقليمية
في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية هناك على الأقل أربعة مدارس. اثنان يعبران عن المدرسة الليبرالية، واثنان يعبران عن المدرسة الواقعية. ولذلك سأقفز على هذه المسألة؛ ولكن سأعطي بعض الملاحظات: أن هذه المدارس الأربعة كلها فإن استراتيجيتها هي: الهيمنة؛ الهيمنة الليبرالية على النظام الدولي، النظام الليبرالي بمعناه الأمريكي، أي بمعنى الصفات أو السمات التي اتخذتها أمريكا لنفسها.

المدارس الأربع وغيرهم أيضا يريدون لأمريكا أن تصبح هي القوة المهيمنة أو الوحيدة في العالم؛ أي أن تبقى أحادية، أو على الأقل أن تستطيع احتواء القوى الأخرى؛ خصوصا في محاولاتها لتغيير أنظمة في العالم، لتكون على هواها، كما كان الوضع في عهد بوش في العالم الإسلامي.  وهو ما يمكن أن نطلق عليه أيضا الهندسة الاجتماعية؛ وهي محاولتها في الحفاظ على “الأحادية القطبية أو القوة»، أي أن تغير في كثير من البنى الاجتماعية والسياسية في المنطقة.

ولكن هذه الاستراتيجية يمكن أن تتبعها فقط عندما لا يكون لها منافس. طبعا الآن الوضع أصعب بكثير في ظل وجود الصين، وكذلك في محاولة روسيا لأن تصبح أيضا لاعبا عالميا كما نرى الآن في أوكرانيا.

على كل حال هذه الاستراتيجية الأمريكية التي استهدفتها أمريكا- أحادية القطبية- فشلت فشلا ذريعا؛ لعدة أسباب: السبب الأول هو في ظاهرة القومية؛ ونعني بها الشعور القومي الطاغي لدى الشعوب، وتمسكها بهويتها وقوميتها، ورفضها للآخر. لا سيما عندما يأتي الآخر بقوة السلاح لفرض نموذجه وسياساته. ولقد أثبت الشعور القومي أنه أقوى الإيديولوجيات في العصر الحديث. 

المسألة الأخرى- السبب الثاني- هي صعوبة الهندسة الاجتماعية؛ أي في تغيير أنماط وتقاليد وثقافات محلية. ليحل محلها تقاليد أو ثقافات أو أفكار أو فلسفات غريبة على المجتمع بالقوة او بالعنف او بالفرض. 

الملاحظة الثانية هنا: أن الولايات المتحدة يمكن أن تقوم بالغزو ومحاولة فرض قيمها ونظامها وأفكارها- فقط - في لحظة ما كما ذكرت “الأحادية القطبية”، وهي مرحلة تعدتها وتخطتها منذ عدة سنوات بعد صعود الصين في السنوات الأخيرة. 

ويؤرخ لهذه اللحظة بعض المتخصصين بالسنة 2016 - 2017. أما في مرحلة القطبية المتعددة وهي اللحظة التي نعيشها الآن والتي بدأت كما ذكرت منذ عدة سنوات، فلا تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار في استراتيجية «الأحادية القطبية»، وإنما أصبحت استراتيجيتها هي محاولة احتواء الصين أو أي قوة صاعدة أخرى وبناء تحالفات إقليمية مع جيران الصين، حتى تمنعها من أن تصبح قوة إقليمية في أقليمها، بل تشغلها في منطقتها حتى لا تنافسها على المستوى العالمي. هذا أيضا يفسر الانسحاب الأمريكي التكتيكي كما حدث في أفغانستان. 

أهداف الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي
الآن دعوني أتحدث عن أهداف الولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط أو العالم العربي في ضوء استراتيجيتها العظمى ومصالحها الاستراتيجية. أقول: هناك -على الأقل- سبعة أهداف للولايات المتحدة في منطقتنا.

الهدف الأول: 
حماية أمن وشرعية ووجود الكيان الصهيوني في فلسطين. لأن إسرائيل أصبحت جزءا من الاستراتيجية الأمريكية للإبقاء على هذه المنطقة ضعيفة ومفككة ومجزأة وتابعة وتحت الهيمنة الأمريكية المباشرة. ولأن إسرائيل -أيضا- أصبحت ليس فقط قضية سياسية خارجية، ولكنها أيضا قضية داخلية نظرا لنفوذ الحركة الصهيونية وتأثيرها في المجتمع ومؤسساته المهمة وداخل النخب الحاكمة.

الهدف الثاني: 
الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وخاصة في دول الخليج؛ لأنها تعتبر من أهم المناطق الحيوية لمصالحها، والتي يجب في الاستراتيجية الأمريكية أن تبقى تحت النفوذ الأمريكي من أجل حماية تدفق النفط، وبأسعار مناسبة، ولكت الأهم من ذلك أن يتم بيع البترول بالدولار. فعندما تم فك الدولار عن الذهب عام 1971، تم اتفاق «كيسنجر» مع الملك فيصل عام 1974 بأن لا يباع البترول إلا بالدولار نظير الحماية، لأن هذا بالطبع يبقي على قوة الاقتصاد الأمريكي، لأن الذي يسيطر على البترول من خلال بيعه بالدولار سيكون هو المالك الحقيقي له. وفي هذه الاستراتيجية ستكون أي قوة مستقلة أو شعبية تسعى للسيطرة على البلاد التي يتواجد فيها النفط أو الغاز لها تأثير ضار على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي. فغني عن القول أن السيطرة على النفط والأموال الهائلة التي تدرها هو مبدأ استراتيجي يمنح الولايات المتحدة ميزة هائلة على القوى الأخرى المنافسة لها كالصين أو روسيا.

الهدف الثالث:
تأمين القواعد العسكرية الرئيسة في المنطقة مثل: القاعدة الجوية في العيديد بقطر، والبحرية للأسبوع الخامس في البحرين، وكذلك الإبقاء على الممرات البحرية وطرق التجارة المفتوحة خاصة في منطقة الخليج. وكذلك السيطرة الفعالة على قناة السويس خاصة في الأوقات الحرجة، من خلال الحفاظ على التحالف العسكري الاستراتيجي مع مصر. 

الهدف الرابع: 
عزل أي قوة أخرى قد تكون منافسة أو تسعى للاستقلال؛ كإيران مثلا. وممارسة ضغوط اقتصادية وعسكرية وسياسية ليس فقط لعكس مسار برنامجها النووي أو الصاروخي بل قبول قيود على حقوقها في التكنولوجيا، وذلك -أيضا- للحد من نفوذها في المنطقة، وتغيير سلوكها، وربما حتى للحث على تغيير النظام. 

الهدف الخامس: 
إبقاء الأسواق في المنطقة مفتوحة للسلع أو التكنولوجيا والاستثمارات الغربية، خصوصا في مجال الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة، وأن تكون هذه الأسواق خالية من حماية السلع المحلية. والتي تشكل -بشكل عام - الحفاظ على النظام الرأسمالي العالمي وبنيته ومؤسساته التي تتحكم بها الولايات المتحدة.

الهدف السادس: 
أن تكون لها اليد العليا ضد الجماعات التي تصنفها على أنها إرهابية أو متطرفة، من خلال الضغوط العسكرية، أو الغارات أو العمليات الخاصة، أو هجمات الطائرات بدون طيار. وتشمل هذه الاستراتيجية أي قوى أخرى يمكن أن تتحدى الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. كما تشمل هذه الاستراتيجية الضغط على أي قوة محلية تريد أن تزيد من نفوذها أوخروجها خارج الإطار المحدد لها كتركيا مثلا. هناك مثال يمكن الإسقاط عليه - وهو ما يحدث اليوم في شمال سوريا حيث التدافع القائم ما بين تركيا وأمريكا في هذه المنطقة. 

الهدف السابع:
تعزيز القيم الثقافية الغربية ونمط الحياة الغربي، من أجل تمكين القوى العلمانية والليبرالية والمستنيرة كما تصفها والتي تتماهى مع القوى أو القيم الغربية والمصالح ضد خصومهم الفكريين أو المتدينين في قلب العالم الإسلامي.

استراتيجية القوى الإسلامية في مواجهة النفوذ الأجنبي.. البحث عن الاستقلال والتأثير العالمي
وبناء على ذلك لا بد من تحديد الاستراتيجية العظمى التي يجب أن تكون للقوى والتيارات التي تعمل على استئناف الحياة الإسلامية أو إعادة الدور العالمي للأمة الإسلامية أو الدور الحضاري لها، كلاعب فاعل ورئيس في السياسة والعلاقات الدولية في ضوء ما تقدم. 

بمعنى آخر: أنه إذا كانت الاستراتيجية العظمى للولايات المتحدة - وهي الآن على قمة النظام العالمي - هي عدم السماح لأي قوة أخرى بالبروز والصعود. وعلى الجانب الآخر أرادت القوى الإسلامية والتيارات الإسلامية أن تصعد وأن يكون لها دور فاعل ودور عالمي، فماذا يجب أن تكون استراتيجيتها العظمى في ضوء ما ذكرناه من أهدافها في منطقة الشرق الاوسط والعالم الإسلامي؟ 

هذا هو السؤال الذي سأحاول أن أجيب عنه:
ليس لدي الوقت – مع الأسف- للحديث عن هذه القضية بصورة مطوّلة، أو إثباتها من خلال أطروحة موضوعية ومنطقية متكاملة. ولكن أقول إن الاستراتيجية العظمى التي يجب أن تكون  للحركات والتيارات الاسلامية وللناشطين والفاعلين على المستوى الإسلامي هي  «إنهاء أو تقليص النفوذ الأجنبي في البلاد الإسلامية على كل المستويات: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية، والعسكرية، وغيرها.»

ولعل أكبر مؤشر على هذا النفوذ يتمثل اليوم في وجود دولة الكيان الصهيوني في فلسطين. إسرائيل اليوم تمثل أكبر مؤشر على هذا النفوذ الأجنبي الذي لا يسمح ولن يسمح لاستئناف الحياة والحضارة الإسلامية بتجلياتها السياسية أو الكلية. لن يسمح للبلاد الإسلامية أو العربية بفرض نموذجها الحضاري أو الانتقال إلى مجتمعات تسودها الحرية، أو الديموقراطية، أو النهضة العلمية، أو النموذج الاقتصادي المستقل، أو ممارسة الاستقلال الحقيقي على كافة المستويات. 

هذا يعني أنه عندما تدرك التيارات والحركات الإسلامية أن كل أهدافها المتعلقة بالدور المركزي للإسلام في المجتمع أو العمل على تغيير مجتمعاتها نحو مجتمعات أكثر عدلا واستقلالا وحرية وشفافية وديمقراطية وازدهارا ونهضة وتدينا. هذه الأهداف ستسقط تحت صخرة النفوذ الأجنبي الطاغي وعملائه في المنطقة. 

ولكن إذا تم توحيد العمل من خلال إسقاط وتفكيك هذا الصنم الذي بني ليتحكم في المنطقة ويبقيها مجزأة ضعيفة منهكة مقسمة يطحن بعضها بعضا وتشغلها الجزئيات عن الكليات، فعلينا أن ندرك أننا اليوم بحاجة الى استراتيجية عظمى ترشد العمل والأهداف والاستراتيجيات، وأن مقياس نجاح هذه الاستراتيجية العظمى يتركز في إنهاء أو إضعاف وتقليص النفوذ الأجنبي- خصوصا الغربي - في المنطقة. وهو تفكيك الكيان الصهيوني وازالته عبر الاشتباك معه وحلفائه على كافة المستويات: السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية، والإعلامية، والدبلوماسية، والفنية، والرياضية، والحقوقية، والقانونية، والميدانية، في كل الساحات، وعلى كافة المستويات، وكل الجغرافيات. 

هذا لا يعني أن تتوقف الحركات والتيارات الإسلامية عن تحقيق أهدافها المرحلية أو المحلية، وإنما تعني أن تفهم أنها جزء من عملية مركبة ومعقدة تحكمها الاستراتيجية العظمى، حيث يجب أن لا تتناقض معها أو تقف أمامها، بل تتكامل معها قدر الإمكان. 

باختصار: إن إنهاء النفوذ الأجنبي الأمريكي أو تقليصه أو إضعافه، المتمثل في الأهداف السبعة التي ذكرتها آنفا، ابتداء من تفكيك دولة الاحتلال الصهيوني العنصري الاستعلائي الاقتلاعي العدواني، والعمل على مقاومة النموذج الاستهلاكي الاقتصادي، والقيم الثقافية والاخلاقية الانحلالية التي تسيطر على العالم اليوم، والقضاء على سيطرة الدولار على الاقتصاد، إلى تفكيك التحالفات العسكرية في المنطقة وإزالة القواعد العسكرية. حينها فقط يمكن للشعوب والحكومات أن تمارس استقلالها وسيادتها وتبدع في إنتاج نماذجها الحضارية واستئناف دورها بين الأمم.