كلمة متلفزة من الدكتور صلاح عبدالحق إلى شعوب الأمة الإسلامية وحكامها.. نداء غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)}.
أيها المسلمون.. ويا أحرارَ العالم
ويا كلَّ رؤساءِ الدولِ والحكوماتِ الإسلامية
أتحدث إليكم اليوم بعد اقتراب الحرب على غزةَ من تمام شهرها السادس وقد بلغ المُصاب بقطاع غزةَ المحاصر مبلغاً عظيما تكادُ معه القلوبُ أنْ تتفجرَ وتنفطرْ، فالعدوان الإسرائيلي الغشوم فاق كلَّ خيالْ.. قتلاً وهدما وتهجيرا وتجويعا حيث خلف العدوان عشرات الألوف من الشهداء والمصابين، وأكثر من مليونيْ نازح.. يكاد الجوع أن يفتك بهم ومئات الألوف من البيوت والمدارس والمستشفيات ودور العبادة هُدِّمت في حربِ إبادةٍ جماعيَّة هي الأبشع في تاريخنا الحديث والمعاصر، وكارثة إنسانية يندى لها جبين العالم.
كلُّ هذا يحدث وردودُ الأفعال الرسمية لحكوماتنا العربية دون مستوى الواجب وحدِّ الكارثة ولا تزال جيوشنا العربيةُ حبيسةَ قرارٍ لن يأتي أبداً من خارجِ ضمير الأمة..وما زالت شعوبنا تستصرخُ الحكام لاتخاذ مواقفَ تعبر عنها وتُجبر المعتدي على وقفْ العدوان، وما زالت سفارات العدوِّ في بلادنا مفتوحةْ، ولا يزال غذاءُ الكيان المحتل وسلاحُه يمرُّ عبر أراضينا وحدودنا التي ما كانت إلا لتحمينا.. باتت تحمى العدوَّ من بأسنا.. والشعوب مكبلةٌ عن تلبية نداء الواجب.. لينفردَ ذئابُ الغابِ بقطعة .. هي الأغلى في عقيدتنا وأمتنا فهل ألغت الحدودُ أواصرنا ووحدتنا؟ فأين نخوةُ العرب؟ وأين عهدُ الله؟ وأين اتفاقاتُ الدفاع المشترك، مع إِخْوة الدين وحماة المسجد الأقصى؟ واللهِ إنَّها لحربٌ كاشفة.. فضحت كلَّ مكرٍ أُريد بأمتنا، فَعَزْلُ الشعوب عن إرادة التحرير وواجبِ النُّصرة لهو المكرُ بعينه.
فإلي حكام العرب أتوجه بندائي للعمل الجاد على وقف القتال وأخصُّ بندائي.. مِصرْ.. الدولةُ ذاتُ السيادةِ على معبرِ رفح، وأخصُّ بندائي.. المملكةَ العربيةَ السعوديةَ ذاتَ المكانةِ في العالم الإسلامي، وأخصُّ بندائي.. الأردنْ دولةَ الجوارِ الشرقي لفلسطين.
وما أكثرَ الإجراءاتِ التي يمكن أنْ تُتَّخذَ في هذا الشأن، فوقْفُ القتال وفتحُ معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية هو أقل ما نقدمه نصرةً لفلسطين، فأنتم أصحاب القرار ومسؤولون أمام الله والتاريخ عن الأرواح التي تُزهق كلَّ يوم، وإنَّ إقامة علاقات طبيعيّة مع الكيان الغاصب والمعتدى لهو أمر مرفوضٌ في ديننا.. ولا يعبر عن ضمير أمتنا وإرادةِ شعوبنا، ولابدَّ من العمل على عزله.. حتى تتحررَ فلسطينُ ومقدساتُنا من عدوانه.
ويا شعوبَ العالمِ الإسلامي أناديكم وقد طال العدوان.. واعتدنا سماعَ أخبارِه، فأدعُوكم أنْ لا نتوقَّفَ عن متابعةِ المأساة.. ولا نملَّ من الحديثِ عنها.. نطرق بها آذان العالم.. فلا تجوعُ غزةُ ونحن نشبع.. ولا تموتُ غزةُ ولا نفزعْ ولا يطيبُ لنا عيشٌ أو يَقِرُّ لنا قرارٌ حتى يأمن إخواننا .. وحتى تضع الحربُ أوزارها.. فابذلُوا في سبيل ذلك كلَّ رخيصٍ وغالٍ، واجعلوا الطاعاتِ في شهر رمضانَ قُرُبات إلى الله ليفرِّجَ الله الكرب، ولا تحجبنَّكم طاعةٌ عن تلبية الواجب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جهَّز غازيًا فَقَد غَزَا.. ومَنْ خَلَفَ غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزا)).
وإنَّ المجاهدين في غزةَ وفلسطينَ منَّا ونحنُ منهم ودعمهم ماليا وسياسيا وإعلاميا واجبٌ على كلِّ مسلمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ امرئٍ يخذُل امرأً مسلمًا في موضع تُنتهكُ فيه حُرمته، ويُنتَقصُ فيه من عرضه إلّا خذله اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيه نصرتَه وما من امرئٍ ينصر مسلمًا في موضع يُنتقصُ فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلَّا نصره الله في موطن يحب نصرتَه)
فالصمتُ ظلمٌ وظلماتْ.. والحياد السلبيُّ إثمٌ وويلات.. ونصرةُ المظلوم أوجبها الله من فوق سبع سماوات.. ودعوة المظلوم يرفعها الله فوقَ الغمام ويقول لها وعزَّتى وجلالي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين
أيها المسلمون.. ثِقُوا في نصر الله.. وفي عدالة قضيتكم.. فتحريرِ فلسطين.. قضية عادلة، واعلموا أنَّ الله على كل شيء قدير.. وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، وأن القوى لا يبقى قويا أبداً، وأن الضعيف لا يظلُّ ضعيفًا أبدًا
وأنَّ زوالَ إسرائيل حسمه القرآن الكريم، في قوله تعالى {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}.
واعلموا أنَّ وعد الله بنصر المؤمنين محقَّقٌ لا محالة.. طال الزمان أم قَصُر..وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
واعلموا أنَّ الندم والخسرانَ هو عاقبةُ موالاة الأعداءِ والرَّكضِ خلفهم فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ
فأَوْلى بالمؤمنين أن يلتفتوا لما عندهم من خير.. وقد ملكوا الدنيا قرونًا.. ساد فيها العدلْ، وأنْ يعمَلوا على استعادةِ مجدِ الإسلام.. وأَوَّلُ العملِ إيمانٌ وثقةٌ في منهج الله.. ووحدةٌ تعيد لأمتنا شوكتها.. وتحيي مجدَ الإسلام وحضارته، لقد كشفت معركة " طوفان الأقصى" هوة حضارية كبيرة بين الإسلام والغرب، تلك المعركة التي أثارتْ ضميرَ العالم الحيِّ وكشفت ظلم ووحشية الحضارة الغربية أمام قيم الإسلام الحنيف وعدله ورحمته فعلينا أنْ نعتزَّ بديننا ونكتشفَ نفاسةَ ما بين أيدينا.. ونبشر به الدنيا قال تعالى ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)).
وختامًا أدعو كلَّ مسلم على وجه الأرض أنْ يكونَ له فعلٌ عملي.. لنصرةِ إخواننا وبثِّ الأمل والعزة في نفوس المسلمين..فطوفان الأقصى قد أحيا فينا معاني العزةِ المفقودة.. ومنحنَا الأملَ بقربِ النَّصر.. وهذه آياتُ الله تتجلَّى لنا.. فلا نتخلَّى عن إخواننا أبداً.. لعلنا نستجلب نصرِ الله عن قريب
قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والله أكبر ولله الحمد
أخوكم صلاح عبدالحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان
الجمعة 19 رمضان 1445هـ؛ الموافق 29 مارس 2024م