الرئيس الشهيد مرسي في ذكراه.. هذه قصة الصراع، ولهذا أسقطوه
تمر علينا اليوم، الذكرى الخامسة لارتقاء رئيس مصر الشهيد محمد مرسي، رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين، الذي لقى ربه في السابع عشر من يونيو 2019. نتذكره اليوم -وما غاب عن خاطرنا- بإشارات من مآثره المنثورة؛ بما يكشف عن شخصيته وفكره ورؤيته، وعن حقيقة الصراع وطبيعته، بعد أكثر من 10 سنوات على إزاحته القسرية وسجنه. وقد جرى في نهر الأحداث ما يؤكدها.
وصل الرئيس الشهيد إلى حكم مصر - بوصفه أول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية حرة- بعد ثورة كبرى على الاستبداد والفساد. فسعى إلى إرساء قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وإعلاء سلطة القانون، ومحاربة الفساد، وتفجير الطاقات في معركة التنمية. ولكن الدولة وأجهزتها، وسلطات إنفاذ القانون لم تُسلم قيادها للسلطة المنتخبة، بل عملت على وقف زحف الحرية؛ لوأد تجربة وليدة، لو كتبت لها الحياة، لكان لمصر وشعبها شأن آخر من مكانة ورقي وتقدم، وكان للمفسدين من لصوص السلطة والثروة مكان آخر كذلك.
فكان أصل الصراع -في بعده المحلي- ألا تتحرر الإرادة الوطنية، فتختار الشعوب من ينافس على احترام إرادتها واختياراتها؛ بحيث يضيق الطريق على شريعة الإسلام أن تحكم، والإسلام يحمل الخير والنماء لشعوبه، والحرية والاستقلال لأوطانه.
وقد أعلن الرئيس الشهيد أن حلم التقدم لا يكون إلا بامتلاك تلك الإرادة الوطنية، فقال في خطبة عيد العمال. "عايزين نمتلك إرادتنا! لازم ننتج غذاءنا، لازم ننتج دواءنا، لازم ننتج سلاحنا". هذه قصة الصراع على حقيقتها، وفي أجلى صورها: العمل على وقف حلم البناء والتنمية، والانعتاق من التبعية. فما التقدم إلا حلم وإرادة وعمل.
وفي البعد العالمي لم يكن الغرب ليقف مكتوف الأيدي أمام تجربة صاعدة يمكن أن تمثل بديلاً ينقذ الشعوب من الفقر والتبعية. ودائما ما يسعى الإخوان المسلمون إلى تقديم البديل الحضاري الإسلامي منافسًا أمام إفلاس نظم واردة، لم تحقق المجتمع العادل في بلادها، فضلا عن أن تحققه لغيرها؛ كونها تعتمد على المادية والاستعمالية وتكريس السلطة والثروة في أيدي حفنة قليلة من البشر، إضافة إلى افتقارها للقيم الإنسانية والروحية. وفي تقديم البديل الحضاري الإسلامي خطر على حضارة هي اليوم على مشارف الإفلاس أكثر من أي وقت مضى، بل قد عجزت نظمها عن تلبية متطلبات البقاء الحضاري.
لقد قدم الرئيس الشهيد من نفسه القدوة والنموذج - والقدوات هي التي تصنع التاريخ- فضرب المثال على طهارة اليد ونبل المقصد وصدق الوعد. حتى إنه ضحى بروحه من أجل أن تحقق ثورة 25 يناير أهدافها، وأن يوفي للمصريين بيعته، حين أطلق كلمته الخالدة: "الشرعية ثمنها حياتي.. حياتي أنا". وصدق الله فصدقه الله، ولقي ربه شهيدا في سبيل ما آمن به. وكان بوسعه أن يساوم على حياته وراحته؛ لكنه صنع النموذج والمثال لتردد أجيالٌ لم يرها قوله: "ليعلم أبناؤنا أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالا، لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون ابدًا على رأي الفسدة، ولا يعطون الدنية أبدا من وطنهم أو شرعيتهم، أو دينهم".
رحمك الله من رئيس أراد الحرية والرفاه لشعبه، فأبى المخادعون إلا الخروج عليه بادعاءات كاذبة خاطئة ووعود زائفة، طمعاً في الحكم والاستئثار بالثروة. وبات المصريون على أيديهم يكتوون بنار الفقر والغلاء والخوف والذل والهوان، ويتمنون لو عاد الزمان.
من أجل ذلك نقول: سيدي الرئيس نم قرير العين، فكل تهمة وصفك بها شانئوك زورا وبهتاناً، باتت صفة لازمة لهم، وكل غبار أثير من حولك قد انقشع، وانكشف زيف الوجوه التي تصدرت. وقد ولغوا في دماء المصريين وأموالهم وأعراضهم، وبلغوا من الفساد مبلغاً تتحدث به الدنيا.
أما أنت، فقد مضيت إلى ربك، ولم تصب دماً حراماً، ولم تأكل مالاً حراماً، وأعدت سيرة الحكام المسلمين الأوائل في العدل والحرية. فنم قرير العين فإنك -وإن عز النصير اليوم- قد قدمت القدوة وأقمت الحجة. وإن الله سيقيض لك من يردّ عنك يوما بعد يوم، بل سترد عنك الأجيال والأحداث والوقائع لتمحو آثار التجهيل بسيرتك؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: آية 38]. ثقتنا أنه لن يمضي وقت طويل حتى يقول التاريخ النظيف فيك كلمته، ويروي الراوي الصادق عنك يوما قصته، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: آية 17].
الدكتور صلاح عبد الحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون
الاثنين 11 ذي الحجة 1445هـ؛ الموافق 17 يونيو 2024م