الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الإخوان

رسالة فضيلة القائم بأعمال فضيلة المرشد العام

الإسلام دعوة إنقاذ للبشرية أمام حضارة مادية فشلت في تحقيق العدل والسلام للعالم

الإسلام دعوة إنقاذ للبشرية أمام حضارة مادية فشلت في تحقيق العدل والسلام للعالم

الدكتور صلاح عبدالحق

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون

يقول الإمام البنا: "منذ ما يقرب من [ألف وأربعمائة سنة وخمسة وأربعين عاما] نادى محمد بن عبد الله النبي الأمي في بطن مكة وعلى رأس الصفا:

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158].

فكانت تلك الدعوة الجامعة حدا فاصلا في الكون كله، بين ماض مظلم، ومستقبل باهر مشرق، وحاضر زاخر سعيد، وإعلانا واضحا مبينا لنظام جديد شارعه الله العليم الخبير، ومبلِّغه محمد البشير النذير، وكتابه القرآن الواضح المنير، وجنده السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وليس من وضع الناس؛ ولكنه صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة".

لقد كان ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته علامة فارقة في تاريخ البشرية بأسرها. فبدأ ببناء الإنسان الصالح على أسس من العقيدة السليمة؛ ليفهم الإنسان حقيقة وجوده وغاية حياته ورسالته في الكون كله. ثم العبادة الصحيحة التي تربط العبد بخالقه فتسمو روحه وترقى نفسه، فينعكس ذلك في أخلاقه الحميدة وسلوكه الراقي مع شَحذ الهمَّة وبثّ الروح للإقبال على العمل الصالح؛ فينفع نفسه ويصلح المجتمع من حوله، ثم يعمِّر الأرض وفق منهج الله تعالى ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].

رسالة الإسلام هي رسالة الإنسانية: 

إن القيم العليا التي تحترم إنسانية البشر وتحفظ كرامتهم وتبسط العدل فيما بينهم؛ دون تمييز على أساس العنصر أو الجنس أو الدين - هي من أبرز ما جاءت به رسالة الإسلام العظيمة، وطبقها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف البشرية هذه المصطلحات، وقبل أن تظهر في أدبيات الحضارة الغربية الحديثة، فلقد أعلن القرآن العظيم تكريم الإنسان على سائر المخلوقات، فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70]. بل أعلن القرآن العظيم أن سائر ما في الكون مسخر من أجل مصلحة ومنفعة هذا الإنسان الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، فقال سبحانه ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية:13]

لقد كانت بعثته- صلى الله عليه وسلم- كلها خير على البشرية جمعاء؛ ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء:107]. فبدعوته عمَّ الخير، وتنزلت الرحمة، وانتشر النور. وفي سنوات قلائل كانت دولة الإسلام وحضارة الإسلام تصنع للبشرية خير أمة أخرجت للناس.

الإسلام يحترم الإنسان لكونه إنسانًا بغض النظر عن دينه: 

على هذا مضت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة المسلمين من بعده، فهذان صحابيان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما قَيْسُ بْنَ سَعْدٍ، وَسَهْلُ بْنَ حُنَيْفٍ، كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، (يعني ليست جنازة لمسلم)، فَقَالَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ، فَقَامَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟». 

ولا تزال ترن في أذن التاريخ كلمة عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص حين اعتدى ابنه على أحد أقباط مصر: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟»

وتوجيهه لولاته وهو يرسلهم إلى الأمصار: «أَلَا َإِنِّي لَمْ أَبْعَثْكُمْ أُمَرَاءَ وَلَا جَبَّارِينَ، ولكِنْ بَعَثْتُكُمْ أَئِمَّةَ الهُدَي، يُهْتَدَي بِكُمْ، أدِرُّوا على المسلمين حقوقَهم، ولاَ تَضْرِبُوهم فَتُذِلُّوهُمْ، وَلاَ تُجَمِّرُوهُمْ (أي لا تحبسوهم بغير حق) فَتَفْتِنُوهُمْ، ولا تُغْلِقُوا الأَبْوَابَ دونَهم، فَيَأْكُلَ قَوِيُّهم ضَعِيفَهم، ولا تَسْتَأْثِرُوا عليهم فتَظْلِمُوهُم، ولا تَجْهَلُوا عليهم».

ولا يتردد في محاسبتهم أمام الناس في موسم الحج حتى يشجع كل صاحب حق في المطالبة بحقوقه دون خوف من ذي قوة أو سلطان.

تلك بعض ملامح الاحترام الإسلامي لمنظومة القيم العليا التي تجعل الإنسان مركز الدائرة في هذا الكون، وترفع من قيمة حريته وكرامته وإنسانيته حيًا وميتًا.

فشل الحضارة الغربية في أن تمنح الإنسان العدل والأمان والسلام

ثم كان ما كان بعد ذلك مما يعرفه التاريخ- بعد صراع طويل وحروب ضروس- حتى سادت الحضارة الغربية المادية وأسالت من الدماء ما أسالت، وكان التعصُّب المقيت والاحتلال البغيض وسرقة ثروات الشعوب، واستعباد الأجناس المخالفة، وشيوع الظلم والدمار. ورأى الناس الفارق بين حضارة تهدي وتُعمِّر وتعدل وحضارة أخرى تُضلِّل وتُدمِّر وتقتل.

لقد استدار الزمان دورته، وفشلت الحضارة الغربية في أن تمنح للناس العدل والأمن والأمان والسلام، وإن أعطت للعالم بعض المنافع المادية والتسهيلات الحياتية، لكنها أقفرت من الروح والرحمة، وعَمَّ الناس الخوف والقلق، وضاعت المساواة وانتفى العدل، وأصبح أرخص شيء في الدنيا الدماء والأرواح.

يقول الإمام البنا: "وقد عمل الأوروبيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية، بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة، جميع البلاد الإسلامية التي امتدت إليها أيديهم، وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم، مع حرصهم الشديد على أن يحتجزوا دون هذه الأمم عناصر الصلاح والقوة، من العلوم والمعارف والصناعات، والنظم النافعة، وقد أحكموا خطة هذا الغزو الاجتماعي، إحكاماً شديدًا، واستعانوا بدهائهم السياسي، وسلطانهم العسكري، حتى تم لهم ما أرادوا ... ولقد استطاع خصوم الإسلام أن يخدعوا عقلاء المسلمين وأن يضعوا ستاراً كثيفاً أمام أعين الغير منهم، بتصوير الإسلام نفسه تصويراً قاصراً في ضروب من العقائد والعبادات والأخلاق، إلى جانب مجموعة من الطقوس والخرافات والمظاهر الجوفاء، وأعانهم على هذه الخديعة: جهل المسلمين بحقيقة دينهم، حتى استراح كثير منهم إلى هذا التصوير واطمأنوا إليه ورضوا به، وطال عليهم في ذلك الأمد، حتى صار من العسير أن نُفهم أحدهم أن الإسلام نظام اجتماعي كامل يتناول كل شؤون الحياة...  وكما كان لذلك العدوان السياسي أثره في تنبيه المشاعر القومية، كان لهذا الطغيان الاجتماعي أثره في انتعاش الفكرة الإسلامية، فارتفعت الأصوات من كل مكان تطالب بالرجوع إلى الإسلام وتفهم أحكامه وتطبيق نظامه، ولابد أن يأتي قريبا ذلك اليوم الذي تندك فيه صروح هذه المدنية المادية على رؤوس أهلها، وحينئذ يشعرون بسعير الجوع الروحي تشتعل به قلوبهم وأرواحهم ولا يجدون الغذاء والشفاء والدواء إلا في تعاليم هذا الكتاب الكريم".

الانهيار الأخلاقي للحضارة الغربية في الحرب على غزة:

لقد أثبتت الحرب على غزّة أن الحضارة الغربية كاذبة في كل ما يتعلق بها، وبشكل خاص ما يسمى "المضمون الإنساني"، وأن جميع الشعارات التي رفعتها من ديمقراطية وحرية وإنسانية، ليست سوى أدوات في حربها على الشعوب لا تقل في خطورتها عن الدبابات والطائرات وفرق القوات الخاصة.

ملايين الناس التي تملأ شوارع المدن الغربية لم تقنع الديمقراطيات الغربية بمجرد التصويت مع قرار لوقف إطلاق النار في غزة. في حين أن أعدادًا أقل بكثير كانت كفيلة بإحضار جنود الناتو لتدمير دول وعزل حكومات بدعوى نشر الديمقراطية. في الغرب الحرّ تكفي تغريدة أو إدراج على وسائل التواصل الاجتماعي لتعريضك للمساءلة القانونية وفصلك من عملك. الغرب نفسه يسنّ القوانين التي تمنع التعاطف مع ضحاياه؛ بل وحتى رفع العلم الفلسطيني في شوارعه. 

هذه هي الصورة الحقيقية للحضارة الغربية. لقد تجردت الحضارة الغربية من كل ما خلفته النبوة من تعاليم روحية، وفضائل خلقية، ومبادئ إنسانية، وأصبحت لا تؤمن في الحياة الشخصية إلا باللذة والمنفعة المادية، وفي الحياة السياسية إلا بالقوة والغلبة، وفي الحياة الاجتماعية إلا بالوطنية المعتدية والجنسية الغاشمة، وثارت على الطبيعة الإنسانية، والمبادئ الخلقية.

غزة تعكس صورة ناصعة مشرقة للإسلام

إن ما جرى في غزة وطوفان الأقصى أظهر صورة مشرقة للإسلام وناصعة، سواء من خلال التعامل وفق مبادئ وأساسيات الأخلاق في الحرب وكذلك من ناحية التعامل مع الأسرى.

إن الاحتلال الإسرائيلي والغرب رغم إنفاقهم المليارات وتنظيم حملات كبيرة للتخويف من الدين وتشويه صورته وصناعة "الإسلاموفوبيا"، فإنَّ أهل غزة تمكنوا من مسح كل ذلك، وكانوا سبباً في إعادة النظرة الإيجابية عن الدين.

ودفع ذلك الكثير من الغربيين للبحث في الإسلام وقراءة القرآن ثم دخول الناس في دين الله أفواجاً. إن سبب خطوتهم بالبحث عن الدين والدخول فيه هو أنهم شاهدوا الصبر والرضا واليقين والشعور بالطمأنينة والأمان والسلام من أهل غزة رغم فداحة مصابهم وفقدانهم لعائلاتهم وأحبابهم وبيوتهم وأموالهم. كل ذلك جعل الفرنسيين وغيرهم من الأوربيين يسألون عن السر وراء هذا فوجدوه في الإسلام والقرآن.

لقد نجحت 7 أكتوبر 2023 في دفع العالم كله للبحث عن الإسلام الصحيح، وأثبتت أن صورة المسلمين المشوهة هي صناعة صهيونية غربية تخالف الحقيقة.

الحل الوحيد للأزمة العالمية: الخروج من عباءة الحضارة المادية إلى حضارة الرحمة والإنسانية

والحل الوحيد هو تحول القيادة العالمية وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت استعمالها إلى يد أخرى بريئة حاذقة. 
إن التحول المؤثر الواضح هو تحول القيادة من الحضارة الغربية التي تقودها المادية، والجاهلية، إلى العالم الإسلامي الذي يقوده الإسلام برسالة الرحمة الخالدة ودينه الحكيم. هذا هو التحول الذي يغير وجه التاريخ ويحول مجرى الأمور وينقذ العالم من الساعة الرهيبة التي ترقبه.
إنه يجدر بالعالم الإسلامي أن يُمنِّي نفسه بهذا المنصب الخطير، ويطمح إليه. إن حقًا على كل بلد إسلامي وشعب إسلامي بل على كل مسلم أن يعمل بدأب وتجلّد من أجل تحقيق هذه الغاية؛ فهذه هي المهمة الشريفة التي أنيطت بالأمة الإسلامية يوم برزت إلى عالم الوجود. قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاس وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾ [البقرة: 143].

من هنا كانت واجباتكم وعظمت تضحياتكم أيها الإخوان:

يقول الإمام البنا: «وهكذا -أيها الإخوان- أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات، وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذا الظلام، وأن يهيئكم الله لإعلاء كلمته وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد ﴿ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾ [الحج:40] ... ومن الحق أيها الإخوان أن نذكر أمام هذه العقبات جميعاً أننا ندعو بدعوة الله وهي أسمي الدعوات، وننادي بفكرة الإسلام وهي أقوي الفكر، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة:138]. وأن العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة، وكل ما فيه يمهد لها ويهيئ سبيلها، وأننا بحمد الله برآء من المطامع الشخصية، بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس، ولا نعمل إلا ابتغاء مرضاته، وإننا نترقب تأييد الله ونصرته ومن نصره الله فلا غالب له: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد:11]. فقوة دعوتنا، وحاجة العالم إليها، ونبالة مقصدنا، وتأييد الله إيانا هي عوامل النجاح التي لا تثبت أمامها عقبة ولا يقف في طريقها عائق: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:21]».