الحرب على غزة مرت من رابعة
تمر هذا العام الذكرى الحادية عشرة لمذبحة رابعة العدوية بأهوالها وذكرياتها الأليمة، وفي قلب أمتنا الإسلامية جرح آخر ينزف دماً على أرض فلسطين المغتصبة، منذ عملية طوفان الأقصى وإلى اليوم. ذلك الطوفان الذي كشف العداء لكل ما ينتمي إلى ضمير أمتنا. إن المتابع للتطورات يلحظ بسهولة أن مذبحة رابعة العدوية لم تكن إلا حلقة من حلقات الصراع الممتد على أرض فلسطين اليوم، لعزل مصر عن القيام بدورها وواجبها.
فلو لم تكن مذبحة رابعة بالأمس، لما كانت مذابح غزة اليوم، ويدرك الجميع أن إزاحة الرئيس الشهيد محمد مرسي واعتقاله وأعضاء حكومته ونواب الشعب المصري، وسحق أنصارهم في رابعة والنهضة وميادين مصر؛ لم تكن إلا خوفا من أن تتحدث مصر من ضميرها وتقوم بدورها. ولم لا؟ وقد كانت كلمة الرئيس الشهيد الخالدة "لن نترك غزة وحدها" كافية لردع العدوان.
لقد كشفت سياسات سلطة الانقلاب العسكري عن ممارسة الحصار الخانق على قطاع غزة في ظل ظروف الحرب، وعلى مدار أحد عشر عاماً سبقتها. حيث ربطت أمن مصر بأمن إسرائيل، وبدلت عقيدة الجيش، وأزالت مدينة رفح المصرية وهجرت أهلها، من أجل تدمير الأنفاق إلى القطاع، وقطع شريان الحياة عن المحاصرين.
لقد كانت مذبحة رابعة العدوية والنهضة التي نفذتها قوات الجيش والشرطة بالأسلحة والمدرعات والطيران؛ أكبر مذبحة بشرية ضد معتصمين سلميين في التاريخ المعاصر، أسفرت عن قتل وحرق وجرح واعتقال الآلاف، تبعها اعتقال آخر لعشرات الآلاف من المصريين الذين خرجوا يطالبون باحترام الشرعية الدستورية والإرادة الشعبية.
وللشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في رابعة العدوية والنهضة، وفي كل الميادين من أول شهيد سقط في ثورة يناير، لهم جميعاً في رقبتنا دين، وفي رقبة كل مصري. أولئك الذين ضحوا من أجل أن يعيش الناس أحراراً على أرضهم، كراماً في وطنهم. نذكرهم اليوم بإجلال وإكبار، وقد ضحوا بأرواحهم فداءً لغايتهم فسلام عليهم في الأولين والآخرين. (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: آية 169]. كما نذكر المعتقلين خلف الأسوار الذين يدفعون ثمن الحرية من حريتهم وأعمارهم، نذكرهم وفاء بحقهم.
ستظل مذبحة رابعة وصمة عار لا تمحى في جبين من باءوا بإثمها، والحقوق معقودة في رقابهم في الدنيا والآخرة. كما ستظل رابعة لمن ينشدون الحرية والتغيير نوراً على الطريق يضئ وناراً، ولن تذهب دماء من ضحوا سدى، حسبهم أنهم أدوا لله واجبهم حيث أقامتهم أقدارهم، وسيصنع الله بدمائهم لأمتهم الخير الكثير. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)) [الأنبياء: آية 105،106]
والله أكبر ولله الحمد
الدكتور صلاح عبدالحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون
الأربعاء 10 صفر 1446هـ؛ الموافق 14 أغسطس 2024م