كلمة افتتاح الملتقى السياسي الثاني للجماعة
د. حلمي الجزار
مسؤول القسم السياسي بجماعة الإخوان المسلمون
نظم القسم السياسي بالجماعة، “الملتقى السياسي الثاني” بمدينة اسطنبول فى صيف 2024، وافتتح الملتقى بكلمة مسؤول القسم السياسي، التى عبر فيها عن رؤيته ومواقفه تجاه ما يشغل الإخوان والرأى العام . وإلى نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام والأخوات الفضليات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الحق عزوجل في كتابه الكريم «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» صدق الله العظيم.
دار الزمن دورته ومر عام على لقائنا في صيف العام الماضي، وها نحن نفتتح سويا الملتقى الثاني تحت شعار: نحو فعل سياسي مؤثر؛ داعين الله عز وجل أن يوفقنا فيما نقول وفيما نعمل.
ويسعدني أن أرحب بحضراتكم جميعا سواء الأعضاء في القسم السياسي بوحداته المتخصصة ولجانه في الأقطار، والضيوف من الأقسام الأخرى، والمحاضرين المتخصصين، فأهلا بكم جميعا.
الإخوة والأخوات:
روي عن الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله قوله: علمنا هذا رأيي، وهو أحسن ما قدرنا عليه؛ ومن جاءنا بأفضل منه قبلناه، ونقتبس منه في عالم السياسة فنقول: إن اختيارنا هذا اجتهاد، وهو في رأينا أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاءنا بأفضل منه قبلناه.
إخوتي وأخواتي:
منذ تعرضت مصر لفتنة الانقلاب على الديمقراطية في 2013، وما تلا ذلك من أحداث جسام واجهت الجماعة- ذلك الحدث الجلل- ودفعت أثمانا باهظة على طريق المواجهة واستعادة الشرعية، ومع استشهاد الرئيس محمد مرسي رحمه الله، وتحوُّل الشرعية من شخصه إلى الشعب المصري= كنا نأمُل أن يسترد الشعب شرعيته، ويحقق من خلالها آمال الوطن والمواطنين، ولكنه لم يفعل نتيجة للقمع الأمني المستمر.
وكان علينا أن نفكر في مسارات جديدة من أجل التغيير الشامل، دون إغلاق الباب لتسوية سياسية عادلة لم تتوفر لها الأسباب حتى الآن.
كنا نعمل وفق مسارين متوازيين: مسار استمرار المواجهة، ومسار الفعل السياسي؛ لتحقيق التغيير، مع الاستعداد للتفاهم السياسي إذا جاء وقته، أو توفرت أسبابه.
لقد سعينا بدأب إلى تكوين مظلة وطنية جامعة، وواجهنا ومعنا شركاؤنا مضايقات وتضييقيات: ففي الداخل زُج في السجن بكثير ممن تواصلنا معهم، وضرب الخوف بأجنحته على آخرين؛ فأحجموا. وفي الخارج لا تزال جهودنا مستمرة مع الآخرين لتوسيع المظلة أفقيا ورأسيا.
وإذا انتقلنا إلى المشهد الداخلي في الجماعة فلقد مررنا بمرحلتين:
مرحلة أولى؛ غلب عليها حالة من الكلاسيكية التنظيمية أدَّت إلى تعطيل المسارات الإبداعية، ونتج عن ذلك مشاكل كبيرة، كان على رأسها انصراف كثير من الشباب عن الجماعة، وعزوف كثير من الأعضاء عن العمل، فضلا عن ضعف الصلة بالقوى الإقليمية المؤثرة.
ونتيجة لذلك تولدت رغبة جامحة لدى الصف من أجل التغيير الذي استجاب له أستاذنا الراحل: الأستاذ إبراهيم منير رحمه الله؛ بعد أن آلت إليه دفة القيادة قائما بأعمال فضيلة المرشد العام، فأُجريت انتخابات جديدة عام 2021، أفضت إلى مرحلة جديدة، أسفرت عن انحياز الأغلبية الكبيرة للتغيير؛ مما أغضب البعض الذي اختار السير عكس الاتجاه المرغوب.
بعد هذا التغيير؛ أسست الجماعة لرؤية عامة جديدة، وكذلك لرؤية سياسية، أخذت هذه الرؤية مسارها الفني والإداري؛ مما أدى إلى عودة أغلب الشباب الغاضب، وإلى تفعيل مسارات أنهت حالة الجمود والكلاسيكية.
الإخوة والأخوات
لقد انطلقت رؤية الجماعة من تقدير موقف موضوعي لحالتنا ولحالة النظام وداعميه في الداخل والخارج، ولحالة قوى المعارضة والتغيير، وكذلك للحالة الإقليمية والدولية وانعكاساتها علينا، ودُرست السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي، وتم تحديد السيناريو المرغوب، وحولناه إلى إجراءات وأعمال وزيارات ومقابلات ولقاءات وحوارات مع أطراف عديدة؛ منها ما هو ظاهر للعيان، ومنها ما سوف يظهر بعد حين.
وتواكب مع ذلك اهتمام كبير بإحياء مؤسسات الجماعة الشورية والإدارية والتخصصية الفنية؛ ومنها القسم السياسي الذي يضمنا جميعا ونتشرف بالانتساب إليه.
إن فرق العمل داخل هذه المؤسسات وبخاصة الأقسام التخصصية تشتمل على أصحاب الخبرة وأصحاب التخصص والمحترفين في المجال.
إخواني وأخواتي
لقد أصبح من الواجب علينا تفكيك كثير من العدوات، وتحديد من يمكن الحوار والتفاهم معه، ومن لا يصلح لذلك، وأيضا من يمكن تحييده، مع ترتيب الأولويات. والهدف هو: تحسين صورة الجماعة، واستثمار هذه الأنواع في التواصل والتقارب.
الأحباء الكرام
حين أطلق الأستاذ إبراهيم رحمه الله مبادرته بتجنب الصراع على السلطة الذي يؤدي إلى تفكيك المجتمع؛ خرجت بذلك وثيقة رسمية، تتضمن شرحا وتفصيلا وتحديدا للمعالم. لم تكن الرسالة موجهة -فقط- إلى النظام الحاكم بكل مكوناته، بل أيضا إلى كل الفئات التي تثير غبار الخوف من عودة الإخوان إلى السلطة حال حدوث التغيير؛ وهو ما كان يدفع هذه الفئات لتفضيل الحكم العسكري؛ رغم ما تعرضوا له من تنكيل على يديه.
وحين تحدثنا عن تجنب الصراع على السلطة؛ فإننا لا نقصد مطلقا الانسحاب من العمل السياسي حاضرا أو مستقبلا، كما توهم أو أشاع البعض؛ فالسياسة جزء ثابت مهم من مشروعنا، لكنها مجال واسع لا يقتصر على الوصول إلى السلطة؛ فضلا عن أن العمل السياسي حق دستوري لكل مواطن مصري سواء بشكل فردي أو جماعي. وهنا يجب الاستشهاد بكلام الأستاذ البنا حول شمول معنى الإصلاح وحول موقع السياسة في العمل الإخواني. ففي رسالة المؤتمر الخامس أوضح الإمام المؤسس رحمه الله أن جماعة «الإخوان المسلمون» تشمل كل معاني الإصلاح؛ فهي «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وشركة اقتصادية، ورابطة علمية، وفكرة اجتماعية سواء بسواء». فالسياسة جزء أصيل في دعوتنا، ولها -أي للسياسة- أشكال متنوعة، ليست قاصرة على صراع يطلب السلطة؛ وإن انعكس ذلك سلبا على الوطن والمواطنين.
وفي إطار توجهاتنا باشرنا الاتصال مع أطراف عديدة، ومع بعض الأطراف الإقليمية؛ بهدف توضيح الصورة والسعي لتخفيف حدة المشاكل مع بعض الأطراف، مما أدى إلى بعض التحسُّن في لغة خطاب هؤلاء تجاه الدعوة خلال الفترة الماضية.
إننا نسعى لحل سياسي لم تتوافر أسبابه بعد، ولا يكون ذلك سعيا منفردا، بل نحن الأحرص على أن يكون ذلك في إطار العمل الوطني المشترك، الذي يهدف إلى تغيير جذري. ولذلك طرق متعددة؛ منها ما هو طوعي تفاوضي، ومنها ما هو اضطراري تحت وطأة الضغط الشعبي.
إخوتي وأخواتي
إن عملنا السياسي ليس مقتصرا على الشأن المصري، بل محور الأمة حاضر بقوة، قال تعالى «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون».
إننا نتعلم قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم « المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا..”، وقوله أيضا « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ».
ولذا فإننا نتعامل مع كل قضايا الأمة بحساسية واهتمام شديد. ولا يخفى عليكم أن القضية المسيطرة في الوقت الحالي هي قضية طوفان الأقصى؛ ولذا فقد تشكلت منذ يوم 8 أكتوبر اللجنة المركزية لمتابعة طوفان الأقصى والشأن الفلسطيني برئاسة فضيلة القائم بالأعمال والأعضاء المؤثرين؛ نتجت عنها سياسات وتوجيهات، وتحوَّل الطوفان الواحد إلى خمسة طوفانات: سياسي، وشعبي، ومالي، وإعلامي، وفنِّي.
إن شعارنا في الطوفانات الخمسة، هو قول رسولنا الكريم صلوات الله عليه: «مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا».
الإخوة والأخوات
إن قضية المعتقلين كما تعلمون قضية محورية حاضرة دائما على كافة المستويات الإدارية والتخصصية. وبعد دراسة مطولة استغرقت عدّة أشهر أنجزها قسم المعتقلين، وكان هدفها الأساسي الوقوف على الاستراتيجية المثلى في تحقيق الهدف الأسمى وهو إخراج معتقلينا كافة وإسقاط الأحكام الصادرة بحقهم، ووقف أحكام الإعدامات، وإنهاء حالة المعاناة لأسرهم..
= خصلت دراسة قسم المعتقلين إلى وضع استراتيجية مثلى، تلاقت بالطبع مع رؤية القسم السياسي والجماعة. وتم تحديد كل المجالات التي لها علاقة بملف المعتقلين.
إننا نعلم أننا لم نحقق حالة النجاح المرجوة، لكننا نجتهد ونعمل ونأمل أن ننطلق إلى الأمام متوكلين على الله ومنتظرين العون من كل إخواننا وأحبابنا، وأكثر ما يؤلمنا أن يثير البعض غبار الاتهامات والأوهام التي ليس لها ظل من الحقيقة ولا حقيقة في الواقع.
إننا واثقون في الله، مطمئنون لاختيارنا، حريصون أن يصل صوتنا إلى كل صفنا وإلى كل أصدقائنا.
ونفتح عقولنا وقلوبنا لكل نصح استوفى شروط النصيحة الشرعية؛ بعيدا عن القيل والقال والهمز واللمز الذي ننزه صفنا من أن يمسه أو يقترب منه.
يقول الإمام البنا رحمه الله في رسالة المؤتمر الخامس: «أيها الإخوان المسلمون إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين، ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين. ﴿وما كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:143] .
ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته