رسالة خاصة من الدكتور صلاح عبدالحق إلى المعتقلين فى مصر

الحمدالله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد…

إلى أحبابنا الغائبين الحاضرين…إلى المأسورين سجنًا الطلقاء روحًا..
إلى اليوسفيين المجهولين أرضًا المشهورين سماءً..
إلى أصحاب الأعمار الغالية التي فَنيت في ذات الله، والنفوس العالية التي هذبتها محن الله..
إلى أشباه الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة.. إلى أطهر جيل لأقسى محنة..
إليكم إخواننا .. حيث أنتم في كهوف محنتكم… ينشر ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقًا..

نهنئكم جميعا بعيد الأضحى المبارك..
فكل عام وأنتم بخير..
كل عام وقيدكم إلى حطام، وظلمكم إلى انتهاء، وسجانكم إلى بوار وندامة وخسران… فوالله ما استقام له أمر، ولا صلح له عمل، ولا تحقق له أمل منذ امتدت يدُه إليكم بالغائلة، ونفسُه بالنقمة..  وكأن الله عز وجل قد كفاكم عناء الانتقام وأنتم على فرشكم، وفي مقابع مظالمكم.. كل عام ومحنتكم ينقص كل يوم عمرُها، وبغي ظالمكم ينقص كل يوم عمرُه…فما نقصان هذا إلا من نهاية ذاك!!

كل عام وأنتم إلى الله وفرجه أقرب، وعلى طاعته أدوم.. تقبل الله منا ومنكم العشر الأُوَّل من ذي الحجة، وجمع لكم قريبًا بين الأجر والعافية، وعجَّل لكم بنداء النجاة، كما عجَّل لإبراهيم وولده يوم كان السكين أقرب إلى العروق، والذبحُ أقرب إلى الحدوث؛ غير أن رحمة الله كانت أقرب من السكين، وفرجه أسرع مما كان يتخيل إبراهيم حين نادى المنادي: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ.. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾. [الصافات: 104-105].

ووالله إنَّا لنظن بالله الخير كله، ونرقب نداءه السماوي من أجلكم وإنْ لم نسمعه بآذاننا: يا أيها المأسورون من أجلي، المغيبون عن أهليكم وأولادكم من أجل دينكم وخير أمتكم: (قد نجحتم في الاختبار، فتهيأوا بالخروج والفرج وبهجة الدار.. إنا كذلك نجزي المحسنين) .. فوالله ما نظن بالله إلا الخير والرحمة، ومن رحمته ألا يَزيدَ بلاءه فوق طاقة عباده.

أحبابنا وقرات عيوننا وفلذات أكبادنا..  والله ما نسيناكم يومًا، وما غابت أطيافكم عن لواحظنا، ولا أسماؤكم عن سجداتنا، فالميثاق الذي بيننا وعهد الأخوة الذي يجمعنا يحول دون ذلك.

في قمة الأشغالِ ذِكرُك حاضرٌ                       في القلب فهل تراك تغيبُ؟
ما أنت إلا قطعةٌ من خافقي                          تتباعدُ الدنيا وأنت قريبُ.

ونطمئنكم أحبابنا أننا بفضل الله كل يوم نزداد تعافيًا، وأن الله تعالى يفتح لنا كل يوم فتحًا جديدًا من الخير نسأله سبحانه تمامه وكماله… نعلن بعضه ونكتم جُله.. حتى إذا منَّ الله عليكم بالفرج القريب استكملتم ما بُدِئ، وانطلقتم فيما من أجله أُسرتم وغُيِّبتم…  فدعوة الله عصيَّة على الإنهاء، ومحاربتُه سبحانه إلى زوال وبوار وانتهاء..

أحبابنا.. يذكرنا عيد الأضحى بإبراهيم عليه السلام الذي استودع ربه ولده وزوجه بعدما تركهم في وادٍ غير ذي زرع، فجعل الله مكان سعي زوجته ركنًا من أركان الحج، ومكان ذبح ولده منسك منسكًا مناسكه، وجعل مقامهم مباركًا إلى يوم القيامة..!

فاستودِعوا الله أولادَكم، وثِقُوا في حفظ الله ربِكم الذي يقول:﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 58]. ولن تكونوا أبدًا أكرم من ربكم، ولا أرحم منه سبحانه، ولا أهدى لأولادكم وأزواجكم.. ثم إن إخوانكم من ورائكم يُطعمون أولادَكم قبل أولادهم، ويتفقدونهم ما استطاعوا كما يتفقدون أولادهم.. مع تقصير .. نعتذر إلى الله منه، ونعمل في جبره وتمامه.

أحبابنا..  افرحوا بالعيد رغم القيود، واسعدوا به رغم الحواجز والأصفاد، لأن المحبوس الحقيقي من حُبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه كما قال ابن تيمية رحمه الله. 
عجَّل الله بفرجكم، وردَّكم إلينا وإلى أهلكم عاجلًا غير آجل، وقريبا غير بعيد. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

وكل عام وأنتم بخير
والله أكبر ولله الحمد.

أخوكم:
الدكتور صلاح عبد الحق
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
الجمعة 10 ذو الحجة 1446هـ؛ الموافق 6 يونيو 2025م