الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

في الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ.. فى ذكرى المولد النبوي

في الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ.. فى ذكرى المولد النبوي

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول وآله وصحبه ومن والاه وبعد

 ولد الحبيب محمد (صلى الله علیه وسلم) عام ٥٧٠ ميلادية …في فترة كئيبة مظلمة من تاريخ البشرية بلغت فيها الحضارات السائدة في ذلك الوقت ذروة الجبروت والبطش والفساد والظلم واستعباد البشر. في الشرق كانت حضارة الفرس الذين كانوا يعبدون النار ويقدسونها، ويقسمون البشر إلى طبقات متفاوتة يستعبد بعضها بعضا، وفي الغرب كانت الدولة الرومانية التي تحكم الشعوب بالحديد والنار، وتنهب خيرات الأمم… وبلغت الطبقات الحاكمة الذروة فى الشهوات والملذات، والذل والهوان لسائر الشعوب، حتى إنها كانت تتلهى فى الملاعب والمسارح بمصارعة الأسود الجائعة وافتراسها للبشر العزل المستضعفين.

  أما العرب فكانوا في جاهليتهم متفرقين مبعثرين؛ بعضهم يخدم الفرس والبعض الآخر يخدمون الرومان، وتدور بينهم الحروب الطاحنة لعشرات السنين لأسباب تافهة تهلك الحرث والنسل، مع عقيدة وثنية فاسدة  تعبد الأحجار وتقدس الأصنام والأفلاك.

  ولقد لخص ذلك المؤرخ الإنجليزي (ويلز) حين قال [ لم يشهد العالم في تاريخه فترة ظلم أسوأ ولا أكثر يأساً في المستقبل مثل القرن السادس الميلادى حتى ظهر محمد(صلى الله عليه وسلم )  نبي المسلمين].

  وسط هذا الظلام الدامس ولد خير الخلق ونبي الحق وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ليصنع المعجزة الكبر﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [ سورة الأنبياء: 107 ]. فصنع من العرب - بتعاليمه القويمة - (خير أمة أخرجت للناس).. سلامة في العقيدة .. صحة في العبادة … سموًّا في الأخلاق، ورقيا في المعاملة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135].  

وقد وضع صلى الله عليه وسلم آداباً وضوابط تقوم عليها العلاقة مع المخالفين في العقيدة ، والتعامل معهم، وهي آداب وضوابط مبنية على العدل وعدم الظلم ، كما قال الله تعالى ﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾  [الممتحنة : 8 ].

    وفي سنوات قليلة انطلق المسلمون بدعوة الحق إلى الشعوب في الشرق والغرب في آن واحد يدحرون الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية؛ لينضوي الجميع تحت راية الدين الحق ويعلو العدل وتتحقق المساواة بين أجناس البشر.

  ولما تحرر الإنسان من كافة أنواع العبودية؛ انطلقت طاقاته وإبداعاته، فكانت الحضارة الإسلامية العظيمة التي سادت العالم بعد ذلك قرونا عديدة ( في دولة الخلافة الراشدة، ثم الخلافة الأموية، ثم الخلافة العباسية ثم الخلافة العثمانية مروراً بحضارة الأندلس)، ومنها انطلق النور إلى دول القارة الأوروبية المظلمة.

  ويدور الزمان دورته وتنتقل قيادة البشرية إلى الغرب المادي - بعد ما اقتبس أساس نهضته من حضارة الأندلس – متحررًا من قيد الكنيسة وخرافاتها – ثم ظهر الطغيان والاستعلاء والاستغلال لمعظم شعوب الأرض؛ فاحتلَّ البلاد ونهب الثروات، وقسم العالم إلى مناطق نفوذ ، ثم دارت حروب عالمية طاحنة قتلت ملايين البشر،  ودمرت فيها العواصم والمدن.

    واليوم تجتمع حكومات الغرب "الظالمة" على أمتنا الإسلامية المنهكة وتتداعى علينا ( كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)، كلٌّ يريد نهب خيراتها وثرواتها واحتلال أراضيها وطرد شعوبها،  فنهبوا (المليارات) بل (التريليونات) – قهراً وإذلالاً – وهاهم يضربون الأمة الإسلامية الآن في أعز بقاعها وأقدس مدنها (القدس وفلسطين المحتلة) ويريدون تحويل (غزة) الأبيَّة الي (ريفيرا) للَّهو والمجون، ولا بأس أن يباد أهلها جميعاً أو يهجروا عن بكرة أبيهم.. فهاهم الصهاينة الملاعين ، والصليبيون الحاقدون يلقون على غزة من القنابل والصواريخ ما يعادل سبع قنابل ذرية، صناعة وهدية من أمريكا وحكومات الغرب المتعصب، يلقونها على شعب أعزل فقير… فيقتلون أكثر من سبعين ألفا من المدنيّين الأبرياء، ويصيبون ربع مليون جريحٍ من الأطفال والنساء والشيوخ .. وتهدم كل بيوت غزة ومساجدها ومستشفياتها ومدارسها وجامعاتها ومصانعها ومزارعها وطرقاتها و آبارها و مرافقها وكل آثار الحياة فيها.

   لقد سقطت كل مزاعم الغرب عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعطلت كل المنظمات الدولية: الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والمنظمات الحقوقية والإنسانية. وأسفر العالم الغربي عن حقيقته العنصرية المتوحشة التي تستبيح كل المحرمات في سبيل العلو والسيطرة والتحكم .

   ويغلََف ذلك الفجور - وبكل وقاحة - بغلاف دینی مزعوم.. فهم يقتلون باسم الرب..!! ويستبيحون الأرض باسم (إسرائيل الكبرى)، ويأتون بالبقرات الحمراء، ويشرعون في هدم الأقصى ومقدسات المسلمين باسم بناء (الهيكل)، استعدادا لنزول مسيحهم المزعوم!

    لقد أفلست الحضارة الغربية، وافتضحت حقيقتها الشيطانية اللا أخلاقية، حتى أمام شعوبها وشبابها  الذين تم تضليلهم  عبر عشرات السنين من الزيف والدعاية الصهيونية الكاذبة.

   وفي الوقت نفسه ظهرت حقيقية أهل فلسطين الأصلاء الطيبين المؤمنين الطاهرين الأتقياء.. الصابرين على ما أصابهم من الخذلان واللأواء. المتمسكين بأرضهم ومقدساتهم وميراث أجدادهم، والباذلين دماءهم وكل ما يملكون فداء لعقيدتهم وإسلامهم.

     وظهرت حقيقة هذا الدين العظيم .. حين تساءل الناس في أنحاء العالم كله عن حقيقة هذا الإيمان العميق الذي وهب شعب فلسطين كل هذا الصمود العجيب ، والصبر الجميل ، وتحمُّل مالا يتحمله بشر. إنه الإيمان الصادق، وعمق الصلة بالله عز وجل، التي تدفع إلى الرضا والتسليم، مع البطولة والمقاومة النادرة.  إنها أخلاق النبي الكريم المجاهد والصحابة الصابرين المجاهدين.

   وظهر الفارق الضخم بين (الإسلام العظيم) الذى يحترم حقوق الإنسان بحق، ويصون دمه وماله وعرضه ويساوى بين البشر ويحقق لهم المساواة والعدل.. وبين (اليهودية المتعصبة) التي ترى أتباعها شعبا مختارا فوق البشر، أو (الصليبية المتعجرفة) التي تريد إخضاع الناس جميعاً لسطوتها وجبروتها بالحديد والنار.

   ولن يمر وقت طويل حتى ينتصر الحق ويندحر الباطل، وتعود الأمة العربية والإسلامية إلى أصل وجودها وسر قوتها ونهضتها وحياتها  - ذلكم الدين العظيم : قرآن منزل من السماء، وسنة نبيها المعصوم صلى الله عليه وسلم - وتفيء البشرية التائهة الضالة إلى رسالة خاتم المرسلين؛ ففيها الخلاص من كل أوجاع البشرية ومظالمها.

    عقب الحرب العالمية الثانية زار القاهرة الفيلسوف الإنجليزي (برنارد شو) وذهب إليه الصحفيون والأدباء والمصلحون والفلاسفة ، وسألوه أيها الفيلسوف العظيم.. هل من مخرج من تلك الحروب الطاحنة التي أكلت الأخضر واليابس؟ فقال قولته الشهيرة : [ آه .. إن الفلسفات هي التي ضيعت العالم.. ما أحوج العالم إلى رجل كمحمد ؛  كي يحل مشاكله المعقدة، ريثما يتناول فنجاناً من القهوة ! ].

  يا أيها التائهون والحيارى من العرب والمسلمين…عودوا إلى دينكم الحق وتمسكوا به ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾  [ الأنفال : 24]. 

إن العالم في حاجة إليكم حين تنادون بفكرة الإسلام وهي أقوى الفكر، وحين تدعون بدعوة الله وهي أسمى الدعوات، وحين تقدمون إليه شريعة القرآن وهي أقوم الشرائع.                                                                                                                          يا أيتها البشرية التائهة المعذبة.. هذه فرصة الهداية للدين الحق ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15-16]. 

                          وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

الدكتور صلاح عبد الحق

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون

الخميس 12 لربيع الأول 1447هـ؛ الموافق 4 سبتمبر 2025م