سنن الله في النصر ودور الشعوب وقادتها
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه.إن طولَ المعاناةِ وقسوةَ المخاضِ الذي تعانيه أمتُنا في صراعِها الممتدِّ ضدَّ البغاةِ والمعتدين عليها- ومع اختلافِ صورِه وتجلياتِه- لَيدفعنا إلى وقفةِ تأملٍ في طبيعةِ ذلك الصراعِ والسننِ الحاكمةِ له، ولا شيءَ يَجري في كونِ اللهِ الفسيحِ إلا بقدَرٍ معلومٍ ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ (الحجر: 21)، ولا شيءَ يتم إلا بناموسٍ نافذٍ وسنَّةٍ ماضيةٍ ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾ (فاطر: من الآية 43) وقد أمرَنا اللهُ تعالى أن نتدبَّرَ تلك السننَ الفاعلةَ لتنسجمَ حركاتُنا مع حركةِ الكونِ كلِّه والخلقِ كلِّه.
﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54)﴾ (الأعراف) ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (آل عمران: 137).
إقامة منهج الله والمحاسبة عليه منذ أن خلقَ اللهُ آدمَ وأنزلَه الأرضَ أمرَه بإقامةِ ميزانِ الحقِّ وهدْيِ السماءِ، وأخبرَه وذريتَه أنهم بحسبِ إقامتِهم دينَ اللهِ ومنهجَه سيكون مآلُهم ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)﴾ (البقرة) فاللهُ لم يخلقْ هذا الكونَ عبثًا، ولم يستخلفْ الإنسانَ فيه، ويسخِّرْ له مخلوقاتِه بغيرِ حكمةٍ بالغةٍ ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون: 115) بل ليعمرَ هذا الكونَ بمنهجِ اللهِ ووفقَ مرادِه؛ ليكونَ بعد ذلك حسابُهم ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ (الصافات: 24) ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأعراف: 6).
حكمة الابتلاء وقانون التدافع واقتضت حكمةُ اللهِ تعالى أن يكونَ الابتلاءُ سنةً ماضيةً ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ (الأنفال: 37) ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: من الآية 179) ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 2- 3).
ويتم ذلكَ الابتلاءُ وفقَ قانونٍ لازمٍ لا يتغير، هو قانونُ التدافعِ الذي يصدقُ على الأفرادِ والمجتمعاتِ والأممِ جميعًا ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ﴾ (البقرة: من الآية 251) ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40).
والغلبة في سنةِ التدافعِ هذه تستلزم الأخذَ بأسبابِ النصرِ النفسيةِ والماديةِ معًا، وفي أتونِ ذلك التدافعِ لا تكون ثمةَ محاباةٌ أو مجاملةٌ، فحسنُ الصلةِ باللهِ، وتمامُ التو