العدوان الصهيوني على شعبنا في فلسطين وواجب الأمة
رسالة من المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.وبعد!! فقبيل أسبوعٍ من احتفال الحكومة والشعب الأمريكي بيوم الاستقلال في الرابع من يوليو تحركت الطائرات والبوارج الأمريكية الصنع، يقودها الجنود الصهاينة، لتدوسَ في عدوانها على شعبنا الفلسطيني كلَّ قيم الحرية والاستقلال وحقوق الإنسان، وتحركت القوة الغاشمة لكيان مصطَنَع، قامَ على استلاب حقوق الآخرين وأوطانهم من أول يوم، وتسلَّح حتى أسنانه بأموال دافعي الضرائب من الشعب الأمريكي، وبرضا ساسته، حتى صار قوةً نوويةً جامحةً لا لجامَ لها، ومضى ليحقق العقيدةَ الصهيونيةَ الإنجيليةَ التي يدين بها أركانُ النظام الأمريكي وكهنتُه ومنظِّروه، وإن خالفت كلَّ حقيقة وتاريخٍ ومنطقٍ سويٍّ.
وعندما يخرج الشعب الأمريكي بعد أيام قلائل يحتفل بذكرى استقلاله سوف تضيع في صخَبِ ذلك الاحتفالِ وضوضائه صرخاتُ أطفال رفح وغزة وخان يونس، وستبدو صورُ الشيوخ والنساء والأطفال- الذين خرجوا حفاةً يتعثرون في ظلمة الليل تحت قصف الطائرات الأمريكية الصنع- في خلفية المشهد الصاخب صورًا باهتةً لا تحرك ضمير أحد، ولا تستلفت انتباه أحد!! عدوان متواصل وعجيبٌ أن يصوِّر المراقبون والساسةُ الأمرَ كأنه عدوانٌ مباغتٌ، حرَّكته جرأةُ المجاهدين الذين لم يهدّهم الجوع والحصار، فانطلقوا في عملية نوعية مبهِرة إلى عمقِ جيش العدوّ، فقتلوا وأصابوا، ثم أسَروا جنديًّا، وعادوا أدراجَهم بعد أن مرَّغوا صلف العدو وكبرياءه العسكري الزائف في التراب.
فالعدوان الصهيوني الأخير حلقةٌ في سلسلة لم تتوقف من جرائم متواصلة، تجري ليل نهار أمام أعين العالم الذي يبدو كأن الأمرَ لا يعنيه، وأين كان الضمير العالمي الذي أرَّقه أسْرُ جندي صهيوني محارب بينما يعيث جيشُ الاحتلال فسادًا في الأرض المباركة فيختطف بعضَ الأسرى من سجن أريحا وسط تواطؤ مُخزٍ من المراقبين الأمريكيين والأوروبيين الذين آثروا الانسحاب تاركين منطق القوة الغاشمة ليبلغ مداه؟ وأين كان الضمير العالمي والمدنيون العزَّل على ساحل غزة تحصدهم مدفعية العدو بدم بارد، والطائرات الصهيونية تقصف كل حين سيارات القادة السياسيين للشعب الفلسطيني، وساستها يهددون كل يوم باغتيال الباقين منهم، وعلى رأسهم أعضاء الحكومة الفلسطينية المنتخَبة انتخابًا حرًّا شهد به العالم كله؟! وأين كان الضمير الإنساني وحكومات العالم تنساق خلف الإدارة الأمريكية الظالمة بفرض الحصار الاقتصادي والسياسي على الشعب الفلسطيني وحكومته، غير مكترثة بمشاهد المرضى الذين لا يجدون دواء، والأطفال الذين لا يجدون حليبًا، والموظفين الذين لا يستطيعون صرفَ أجورهم ليقتات منها أولادهم؟! والهدف المعلن دون حياء هو إسقاط حكومة حماس المنتخَبة، أو ترويضها لتقبل الشروط الصهيونية كاملةً غير منقوصة.
الحرب مستمرة إذن، معلَنة في غير مواربة، غير أن جرأة المجاهدين أفقدت العدوَّ صوابه، فاشتدَّ سعاره، وزاد عدوانُه ليصبح حربًا شاملةً ضد شعب محاصَر أسلمه الأبعدون وخذله الأقربون!! هدف العدوان ولا يقبل العقل الادعاءَ بأن عدوانهم جاء لتحرير جندي أسير، فالطريق الأقرب إلى ذلك هو اللجوء للتفاوض، كما فعلوا من قبل مع حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية بدل المخاطرة بسلامة ذلك الجندي الأسير إن استيأس آسِروه من جدوى الاحتفاظ به حيًّا.
ولا يفيد هنا الصراخُ بوجوب محاربة الإرهاب وعدم مهادنته، فليس في الأمر إرهابٌ ولا شبهةُ إرهاب، فالعملية الفدائية لأبناء فلسطين هذه المرة كانت عملاً عسكريًّا خالصًا متجهًا نحو جيش محتل، وهو عمل تقرُّه شرائع السماء وقوانين الأرض على السواء، وقد عرض المقاتلون الفلسطينيون إطلاقَ سراح أسيرهم مقابل إطلاق مئاتٍ من النساء والأطفال الذين يرزحون في سجون الاحتلال، وهي مبادرةٌ سياسيةٌ ذكيةٌ تذكِّر العالم بفداحة جريمته حين صمت على الجرائم الصهيونية باعتقال النساء والأطفال، وتتسم بمرونة عاقلة، فلا تشترط إطلاق سراح مقاتلين قد يرى العالم- في تحيزه وتأثره بالدعاية الصهيونية- مبرِّرًا لحبسهم، وتضع الضمير العالمي أمام مسئولية جسيمة إزاءَ نسوةٍ وصبيةٍ يعانون مرارةَ الأَسْرِ وتخاذل القانون الدولي المستباح.
إن الهدف الحقيقي من وراء ذلك العدوان الصهيوني هو إسقاط خيار المقاومة الذي تستمسك به حكومة حماس، والذي أقرته وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني التي وقعت قبيل العدوان، وهو الخيار الذي يدعمه الشارع الفلسطيني، الذي أدرك عبثية التفاوض مع العدو في ظل اختلال فادح لميزان القوى في المنطقة، وعلى ذلك نستطيع أن نجد مبررًا إضافيًّا للتأييد الأمريكي المطلق للعدوان الصهيوني، فكسر إرادة المقاومة لدى الشعوب الممتحنة بالاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان هو مطلب مشترك للآلة العسكرية الصهيوأمريكية، ونحن على يقين أن ذلك لن يكون، فهو مخالفٌ لسنن الله في الكون ودروس التاريخ معًا.
فيا حكامنا لسنا ندري إن كان يفيد بشيء أن نناشدكم لتتحركوا، أو نستنفركم لتغضبوا، فأنتم لم تفعلوا ذلك منذ أمدٍ بعيد!! ولسنا ندري إن كان اجتراءُ العدو واستخفافُه بكم على ذلك النحو المهين كافيًا لإنهاضكم، ولتراوحوا أماكنكم التي تيبَّست بكم وتيبَّستم بها.
إن ثمانية وزراء من حكومة فلسطين وعشرين من نواب شعبها يُعتقلون أمامكم، وإن طيران العدو لَيَخترق حاجز الصوت فوق قصر الرئاسة في شمال سورية ورئيسها متواجد فيه فلا نسمع لكم همسًا، ولا نرى منكم حركةً ولا حسًّا، وإن عصابة إيهود أولمرت تريد أن تُثبت لشعبها الدموي أنها ليست أقلَّ عدوانيةً من عصابة سلفيه شارون ونتانياهو، ولسان حال شعوبكم يقول: إذا كنتم قد عجزتم عن توفير الدواء والحليب وضرورات العيش لشعبنا المحاصَر في فلسطين، وعجزتم عن توصيل ما جمعَتْه شعوبُكم من أقواتها وأموالها لدعم إخوانهم هناك، ووقفتم من حكومتهم- المنتخَبة في نزاهة وحرية- موقف المتربص والمتواطئ والمتآمر أحيانًا، خوفًا من امتداد عدوى الحرية إلى مراتعكم.
إذا كان هذا هو حالكم وحالنا معكم فهل يُرجى نصركم ونفعكم؟! لكننا لن نيأس من تحميلكم مسئوليتَكم الكاملةَ أمام الله أولاً، ثم أمام التاريخ والأمة، ولن نضنَّ عليكم بالنصح، فإن صمود شعبنا في فلسطين- وهو يواجه تغوّل العدوان الصهيوني- يُعدُّ حائط صد يحول دون وصول دمارِه إليكم وإلى شعوبكم؛ مما قد يهدد كراسيَكم، وينغِّص استمرارَ تنعمكم بخيراتها!! وإن أمتكم التي طال صبرها وكظم غيظها إزاء ما تعانيه من استبدادكم وفسادكم واجترائكم على دين الله وشريعته لن تظل صابرةً أبدَ الدهر.
وإنا لكم لناصحون!! ويا شعوبنا.
نحن على ثقةٍ من قدرتكم على دعم جهاد إخوانكم وصمودهم بكل سبيل، وأيسَرُ ذلك أن تعبِّروا عن غضبكم لما يجري، وتُسمعوا رعدَ أصواتكم لمن ينظر إليكم ويرقُب حركاتكم، وتُبرهنوا على تضامنكم مع عدالة قضية هي قضية كل العرب والمسلمين، وفي الوسائل السلمية المتاحة ما يتسع للتعبير عن مواقفكم، وإنا لعلى يقين من نصر الله وتأييده ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَن يَّنْصُرُهُ﴾ (الحج من الآية 40) ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِيْنَ آمَنُوا فِيْ الْحَيَاةِ الدًّنْيَا وَيَوْمَ يَقُوْمُ الأَشْهَادُ﴾ (غافر: 51) كما أننا على يقين من دعم الأحرار في كل مكان لعدالة قضيتنا وصمود شعبنا، قبل أن يستفحل الخطر الصهيوني الذي بات يهدد سلام عالمنا وأمنه وقيمه ومستقبله.
﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.