لا تستسلموا لصنَّاع الغضب
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ النبيِّ الأميِّ الأمينِ، وعلى آلِه وصحبِه والتابعين بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعد!! أيها المسلمون.إن واجبَ الوقتِ يدعونا إلى أن نتروَّى في نظرتِنا للواقعِ لِنُعيدَ تقييمَه وتحليلَه ومِن ثَمَّ للوقوفِ على حقيقةِ الخندقِ الذي يحاولُ الآخرُ (الغربيُّ) أن يدفعَنا للتقوقعِ فيه، لنبقَى دومًا مُرْتَدِين زيَّ المُدافعِ عن ذاتِه وعن حقيقةِ فكرتِه وأصالةِ دعوتِه ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110).
وما هذه المؤامراتُ والدعاوَى مِن دعوتِنا بجديدٍ، فلقد حاولَتْ قُوى الظلامِ في مهدِ الدعوةِ الربانيةِ- وهي المالكةُ لكلِّ موازينِ القوى- أن تنالَ من كلِّ مقوماتِ الدعوةِ فراحَت تتَّهمُ المصطفى- صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه- بالكذبِ والسحرِ والكهانةِ والسَّفَهِ(!!)، وهي التُّهَمِ ذاتها التي رَمَوا بها كلَّ نبيٍّ ورسولٍ ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾ (الكهف: 5)، وهو الأمرِ ذاته الذي رَمَوا به الرعيلَ الأولَ من رجالاتِ الدعوةِ، فقالوا بمنطق المتخلِّفين والجَهَلَةً ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (هود: من الآية 27)، وطالبت شرعيتُهم الطاغيةُ بنفيِ كلِّ مخالفٍ لرأيِهم ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل: من الآية 56).
وكانت إستراتيجياتُ القمعِ ثابتةً على مدارِ التاريخِ ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ (الذاريات: 53)، وهو ما يؤكدُه ربُّ العزَّةِ في كتابِه ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ (القلم: 51) وتهمةُ الجنونِ القديمةُ استحالت اليومَ تُهَمًا تُناسبُ تطوُّرَ وأساليبَ الدعايةِ في عصرِ العولمةِ، فتارةً تكون تخلُّفًا وتارةً ثانيةً رجعيةً وثالثةً إرهابًا.
وأخيرًا فاشيةً!! وراح الجزَّارون ومتخصِّصو الإجرامِ يتفنَّنون في استحداثِ الوسائلِ التي ترمي بني الإسلامِ بالإرهابِ عبْرَ قوائمَ تتخذُ شرعيتَها من قوةِ الجاني بعد أن نصَّبَ نفسَه قاضيًا، وهو الباحثُ عن دورٍ بعدما تفكَّكت قواه، وهو الساعي لاستعادةِ مجدٍ يرى في الإسلامِ والمسلمين قربانَه!! كما أصبح تدثُّر المعتدي بثوبِ الضحيةِ عُرفًا دوليًّا في ميزانِ عدالةٍ معطوبٍ، يخرج حاملُه ليؤكد يومًا بعد يومٍ أنه أمامَ عدوٍّ إسلاميٍّ فاشيٍّ، في الوقت الذي يغض فيه الطرفَ عن وحشيةِ كيانٍ صهيونيٍّ، زَرَعَ بذرتَه في أراضيْنا، وتركَه يمارسُ ساديَّتَه علينا كيفما شاء، مؤكدًا في تصريحاتِه على أن دَكَّ البُنى التحتيةَ الفلسطينيةَ واللبنانيةَ وإراقةَ دماءِ الأطفالِ والنساءِ والشيوخِ في غزةَ والضفةِ والجليلِ أو في قانا وبنت جبيل والضاحيةِ الجنوبيةِ لبيروت.
ليست إلا "حربًا من قُوى الحريةِ ضدَّ الظلاميةِ والإرهابِ" (تصريحٌ لبوش بعدَ مجزرةِ قانا الثانيةِ) والواقعُ يؤكدُ أنهم ﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ﴾ (التوبة: 10).
فإلى أي هدفٍ يسعَون؟ عندما تتداعَى الأكلةُ إلى القصعةِ الإسلاميةِ يُدعى الجميعُ حضارةً وتقدمًا ورقيًّا، في الوقتِ الذي يشهدُ التاريخُ أن علاقةَ العالمِ الإسلاميِّ إبَّان حضارتِه العُظمى لم تَرَ في العالمِ الغربيِّ العدوَّ الساعيَ إلى نقضِ حضارتِه ودمارِها؛ ولذا يشهد لورد ديفيد تريزمان- وكيلُ وزارةِ الخارجيةِ البريطانيةِ للشئونِ البرلمانيةِ- في مقالِهِ "مسلمو بريطانيا مكوِّنٌ أساسيٌّ في مجتمعٍ متعددِ الثقافاتِ" فيقول: "استمرت الاتصالاتُ ما بين عالَمٍ إسلاميٍّ متقدمٍ ومتحضِّرٍ والغربِ المتخلِّفِ الغارقِ في الفقرِ طوال العصورِ الوسطى؛ حيث كانت أوروبا وبريطانيا المستفيدَين الأساسَيْن مِن وراثةِ ثقافاتٍ علميةٍ وفلسفيةٍ غنيةٍ، إلى جانبِ الجامعاتِ والتقدمِ الطبِّيِّ والحسابِ والعديدِ غيرِها من الفوائدِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، والتي كانت الدافعَ وراءَ عصر النهضة وأتاحت لأوروبا النهوضَ تدريجيًّا من العصورِ المظلمةِ".
وبالتالي فإنَّ ما تقوم به النظمُ الغربيةُ نوعٌ من أنواعِ الضغطِ الساعي إلى تفجيرِ الغضبِ الإسلاميِّ في وجهِ عالَمٍ يدَّعي الحضارةَ، بينما هو يمارسُ التحرُّشَ بكافةِ مستوياتِه لِيَصِلَ بالتصرفاتِ غيرِ المسئولةِ إلى حيِّزِ التعميمِ".
• تحرشًا دَعا لأن تنشر جريدة (تايمز) بعددِها الصادرِ يوم 15 أغسطس 2006م مقالاً تحت عنوان "المسلمون سيواجهون تفتيشًا إضافيًّا في إجراءاتِ السفر الجديدة".
• وتحرشًا دفَعَ بوش إلى تعميمِ خطابِه في 10 أغسطس 2006م، لِيَصِفَ محاولةَ تفجير طائرات مدنية تتجهُ من بريطانيا إلى الولاياتِ المتحدة- أحبطتْها السلطاتُ البريطانيةُ- بأنها جزءٌ من "الحرب مع الفاشيين الإسلاميين" في الوقتِ الذي رأَى كبيرُ أساقفةِ يورك جون سنتامو- وهو صاحبُ ثاني أكبرَ منصبٍ في كنيسةٍ إنجلترا- "عباراتِه تلكَ لن تُثمرَ في بناءِ علاقاتٍ مجتمعيةٍ أفضلَ".
• وذاتُ التحرشِ برَّرَهُ السيناتور ريك سانتورم- وهو الذي سيخوضُ الانتخاباتِ القادمةَ بولايةِ بنسلفانيا- عن سياسيةِ الرئيسِ الأمريكيِّ بالعراقِ، قائلاً إن العدوَّ بالعراقِ جزءٌ مما سمَّاه كيانَ "الفاشيةِ الإسلاميةِ" العالميَّ.
• وتحرشًا وصلَ بالرأيِ العامِّ إلى حدِّ طردِ اثنين من البريطانيين يوم 20 أغسطس 2006م، مظهرُهما شرقُ أوسطيٍّ، وذلك من طائرةٍ تابعةٍ لخطوطِ مونارتش من "ملقة" في إسبانيا، متوجِّهةً إلى "مانشستر" في بريطانيا بعد أن رفضَ مسافرون آخرون وجودَهما على الطائرةِ خشيةَ أنهما "إِرهابيان"!! • وتحرشًا جعَلَ مجموعةً من الأمريكان في 10 يوليو من العام 2006م يقومون بإلقاءِ نسخةٍ من القرآنِ الكريمِ على مدخلِ أحدِ مساجدِ ولايةِ تينيسي الأمريكيةِ بعد أن مزَّقوها بإطلاقِ عدةِ أعيرةٍ ناريةٍ عليها، ثم صوَّروا ما قاموا به ووضَعوه على شبكةِ الإنترنت؛ حيث أخذَ أحدُهم بعد إلقاءِ النسخةِ الممزَّقةِ على مدخلِ أحدِ المساجدِ يَصيحُ باسمِ المسيحِ!! • وتحرشًا جعَل كثيرًا من العربِ والمسلمين في أستراليا يتعرَّضون لهجماتٍ من قِبَل السكانِ المحلِّيِّين, وصلت إلى حدِّ التعرضِ للنساءِ في الشوارعِ وجذبِ أغطيةِ رؤوسِهن وتمزيقِها، وإضرامِ النارِ في المساجدِ, والمشاحناتِ والمضايقاتِ في المحالِّ التجاريةِ وفي العملِ والأماكنِ العامةِ، حتى إنَّ وسائلَ النقلِ العامةِ ترفضُ الوقوفَ للمسلمين!! • وتحرشًا استدعى لوحةً لـ"جيوفاني دا مودينا" رسَمَها في القرن الخامس عشر الميلادي لوضعِها كلوحةٍ جداريةٍ على حوائطِ كاتدرائيةِ بولونيا في يونيو من العام 2001م، وهي تُظهرُ- بما لا يدَعُ مجالاً للشكِّ- الرسولَ عليه الصلاة والسلام وهو ملقًى في النار عاريًا وبجوارِهِ شيطانُ يَستعدُّ لتعذيبِهِ!! • وتحرشًا جعَل ألمانيا تسعى إلى إخضاع المسلمين إلى ما أسمَتْهُ "امتحانَ إخلاص" قبل منحِهم الجنسيةَ!! • وتحرشًا دفَع وزيرَ الداخليةِ الفرنسيِّ نيكولا ساركوزي في يوليو من العام 2005م إلى أن يهدِّدَ بطَرْدِ الأئمةِ من فرنسا!! فيا مسلمي العالم.
الواقعُ لا تنكرُه العينُ، ولا تَحُولُ دون تحرشاتِه إلا العودةُ إلى ساحةِ ربِّ البريةِ، الذي يؤكدُ أن دعوتَنا دعوةُ بِناءٍ لا دعوةَ هدمٍ، فاجعلوا نُصْبَ أعينِكم قولَه جلَّ في علاه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام: 8)، واعلموا أن ربطَ الجأشِ والسعيَ للبناء طريقُهُ أيسَرُ ودربُهُ أكثَرُ وعورَةً، خاصةً في ظلِّ المتربِّصين الذين تُجسِّدهم الآية ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران: 120).
فتجاوزوا محاولاتِ الاستفزازِ، وألجِموا الساعين للنَّيل من عظيمِ رسالتِكم وشمولِ دعوتِكم بما تملكونَ من طاقاتِ العملِ الجادِّ والقدرةِ على تجسيدِ النماذجِ الإسلاميةِ في البناء، كلٌّ في مجاله.
وأنتم يا جموع الإخوان.
تذكَّروا أن تحرشاتِ الخارجِ مع ضغوطِ الداخلِ لا يجب أن تخلعَ عنكم رجاحاتِ العقولِ، مع المضي قُدُمًا نحو أهدافكم، بإيمانٍ وعزمٍ وثباتٍ متذكرين تلك الخيرية التي أقركم ربكم عليها ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية110) وقوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج:78) واضعين نصب أعينكم أن دعوتنا تكمن في إعلان الحق الذي يرضي ربنا، وألا نخشى فيه لومة لائم، متبعين في ذلك الحكمة والموعظة الحسنة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125)، وأن سَمْتَ السائرين على دربِ الحقِّ هو قولُ الفاروقِ عمرَ بنِ الخطابِ: "نحنُ قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلامِ، فإن ابتغَينا العزَّةَ في غيرِه أذلَّنا اللهُ" و﴿.
لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 6،5،4).