الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 الحرب على الإسلام.. حرب على الحرية والمساواة

الحرب على الإسلام.. حرب على الحرية والمساواة

  رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد!!   مع إطلالة كل يوم تخرج علينا التصريحات، وتتوالى البيانات، وتتكاثر أمامنا الدلائل حول تنامي روح العَداء لدى قادةٍ غربيين ضد الإسلام والمسلمين والعاملين للإسلام، فتارةً تخرج التصريحات والبيانات تؤكد أن الخللَ في المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام فهمًا صحيحًا (على حد زعمهم)، وتارةً ترجِّح أن الخيار الأنسب والأوفق للغرب هو مواجهة الإسلام جملةً وتفصيلاً، شريعةً وعقيدةً، ثقافةً وحضارةً، أخلاقًا ومعاملاتٍ.
  فها هو قائد القيادة الأمريكية الوسطى الجنرال جون أبو زيد يبشِّر منذ قريبٍ بحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ ضد المسلمين، تأكل الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، على غرار الحربَين الأولى والثانية، اللتين ذاق العالمُ منهما الويلات، وراح ضحيتهما الملايين من الأبرياء.
  يخرج علينا هذا القائدُ العسكريُّ الجديدُ ليروِّج لحربٍ هَوجاء لن تجرَّ على البشرية إلا الخراب والدمار، بعد أن حصدت الحرب العالمية الأولى 10 ملايين من الجانبَين، إضافةً إلى الضحايا المدنيين، وبلغ عدد الجرحى 20 مليون جريح من الجانبَين، بينما خسرت البشرية في الحرب العالمية الثانية حوالي 17 مليونًا من العسكريين وأضعاف هذا العدد من المدنيين.
  ولم يكن هذا المسئول الأمريكي الأول الذي يطلِق هذه التصريحات ويروِّج تلك المقولات ويبشِّر بتلك السياسات.

فها هو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يقول إننا بصدد حرب صليبية، ثم يردف في تصريحٍ آخر: إن "أمريكا في مواجهة مع الفاشية الإسلامية".
  وفي التاريخ القريب يقول كيسنجر (وزير الخارجية الأمريكي الأسبق): إن "الخطر الإسلامي هو تحدٍّ للحضارة الغربية يفوق الخطر الشيوعي".
  أما هوبير فيدرين- وزير الخارجية الفرنسي السابق- فيقول: "لقد سخِرنا من هنتنجتون لأنه تنبَّأ بالصراع بين الغرب والإسلام وتبنَّاه، بينما كان ينبهنا من خطره".
  وها هي قوى التحريض من طابور الكتَّاب والإعلاميين في الغرب قائمة ولا تزال تقوم بدعم هذا الاتجاه وإمداده بمزيد من الأحقاد، والدفع به إلى سُدَّة السلطة والترويج لمقولاته والتخويف من الإسلام والمسلمين، فنجد صامويل هنتنجتون- المفكِّر الأمريكي الذي يتبنَّى فكرَه المحافظون الجُدُد في الإدارة الأمريكية وفي أطياف واسعة من المسئولين في الغرب- يؤكد أننا نعيش "عصر حروب المسلمين"، أما فرانسيس فوكاياما فيؤكد أن الغرب الآن في معركة مع "الفاشية الإسلامية" وها هو روبرت سبنسر يقول إن الإسلام" دينٌ يميل إلى العنف بطبيعته ويهدد السلم العالمي".
  لماذا الحرب على الإسلام؟! والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا العَداء السافر ولماذا هذه الحرب الشرسة على الإسلام والمسلمين؟! ولماذا تتنامى وتيرتُها وتتصاعد حدَّتُها لتنطلق إلى آفاق خطيرة ضد دين يدعو إلى الحبِّ الذي يتأسس على مبدأ المساواة والعدالة "الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح"، حتى تخطَّى هذا الحبُّ حاجزَ حُبِّ الخيرِ للبشر جميعًا إلى حُبِّ الجماد "أُحُدٌ جبلٌ يحبُّنا ونحبه".
  زاد العَداءُ واتسع مجالُ الحرب على دين يدعو إلى الرحمة المؤسسة على الحق والمسئولية ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ﴾ (الأنبياء: 107) "ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماء".
  لقد عمَّت هذه الرحمة وشملت واستوعبت البشرَ جميعهم، بل والكائنات جميعًا، حتى إن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول إن رجلاً دخل الجنة في كلبٍ سقاه، وتبلغ هذه الرحمة المدى، وتصل إلى المنتهى عندما يؤكد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن امرأةً دخلت النار في قطةٍ حبستها، لا هي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.
  لقد زاد العَداء واتسع مجال الحرب على دينٍ أعزّ ما يدعو إليه هو الحرية، وأعلى مراتبها الانعتاق من الاستعباد للبشر، فلا يعترف هذا الدين بطغيان طاغية أو استبداد مستبدٍّ، ويأبى على المسلم أن يعيش في كنف ظالم، ويطلب من الناس جميعًا أن يرفضوا أيَّ طاغيةٍ يستعبدهم أو يقهرهم أو يحرمهم من أعزِّ ما يملكون، وهي حريتهم، فيطالبهم أن يعلنوا رفضَهم للاستبداد والعبودية صباحَ مساءَ.

بكرةً وعشيًّا، بل جعل شرطًا لدخول هذا الدين العظيم أن تعلنَها قويةً مدويةً عاليةً، دون خوف أو وجل، ودون تردُّدٍ أو تراجُع أن "لا إله إلا الله يمكن أن يستعبدَني أو أخضعَ له".
  نعم.

"لا إله.

إلا الله" فمن قالها فقد فتح صفحةً جديدةً في حياته ترفض القهرَ وتمقت الاستبدادَ، وتسعى إلى الحرية والانعتاق من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ومن طغيان الناس على حقوق بعضهم البعض، حتى قال أحدهم: "جئنا لنُخرجَ العبادَ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد".
  ألهذه الأسباب يحاربون الإسلام؟! وهنا يتبدَّى سؤال جديد: هل يستحق دينٌ يدعو إلى هذا السموِّ أن يُحارِبَه الناسُ أو يواجهَه البشرُ أو يقفوا حائطَ صدٍّ أمامَه، أو يروا أنه دينٌ فاشيٌّ؟!   إن دينًا يدعو إلى هذه الفضائل، ويسعى إلى نشر الحب والعدل والحرية بين بني الإنسان، لا يخاف منه إلا المستبدُّون ولا يرهبه إلا الطغاةُ المتجبِّرون، ولا يخشاه إلا مَن يستمرئون تعبيدَ الناس لذواتهم وتركيعَ الشعوب لأطماعهم ونهْبَ ثرواتهم.
  إن دينًا ينشُرُ الوعْيَ بين بني الإنسان بحقوقهم ويلفت أنظارَهم إلى أن حريتَهم هي أغلى ما يسعَون إلى نَيْلِه والحصول عليه لَجديرٌ بأن يهابَه المستعمِرون، الذين يسطون على ثروات الشعوب، وحريٌّ بأن يتوجَّس منه الطامعون فيما عند الناس.
  قضايا مصنوعة هذا ما يخشاه المحافظون الجُدُد في الغرب؛ ولذا فهم حريصون على أن يُصدِروا لنا كلَّ يوم قضايا مصنوعةً ويفرضوا علينا معاركَ موهومةً وأقضيةً مستجدةً، تصرف المسلمين عن قضيتهم الكبرى ومهمتهم العظمى التي جاء بها هذا الدين العظيم، وهي تبشير الناس بالحرية والعدل والمساواة، والانعتاق من الاستبداد، حينها يعيش المرء في كنف الله ووفق منهجه الذي ارتضاه لعباده.
  وهم لذلك تارةً يثيرون قضية الحجاب؛ بحجة مناهَضَة ذلك لخصوصيتهم الثقافية، ويشاركهم فيها- للأسف- بنو جلدتنا، ممن يتسمَّون بأسمائنا، ويدَّعون الانتماءَ إلى مجتمعنا، وإنما هم صنيعة الغرب وأدواته، ومرةً يثيرون قضية الرسوم المهينة لنبينا- صلى الله عليه وسلم- بدعوى حرية الرأي والتعبير؛ حتى ينصرف الناس عن إدراك أن هذه الحملات إنما تأتي في إطار منظومة متكاملة تستهدف دينًا يشترط الإيمان بالحرية على من يعتنقه، ويدعو إلى إشاعة العدل والقسط، ويأبى أن يفرِّق بين بني الإنسان، فهم في كنفه سواسية أكفاء.
  إن هذه الحملات التي تظهر يومًا وتختفي في يوم هي فروعٌ من هذه الحرب المدمِّرة، التي يسعى إليها المستبدُّون الراغبون في السيطرة على مقدرات الأمم والشعوب، وهي لن تصرفَ أمتَنا عن التمسك بحريتها واستقلالها وكرامتها وأخلاقها وقيمها، ولن تصرف الدعاة إلى هذا الدين- وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين- عن الاستمساك بحبل الله المتين، ولن تدفعَهم إلى الركون إلى الطغاة والمستكبرين في الأرض، فلن نُستعبَد وقد خَلَقَنا اللهُ أحرارًا، ورضِيَ لنا الحريةَ منهجًا وطريقًا مستقيمًا.
  وصلَّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.