الإسلام.. ونهوض الشعوب في مواجهة الاستعمار الجديد وفساد النظم
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.وبعد!! فإننا إذْ نتوجَّه إلى حجَّاج بيت الله الحرام وهم يعودون إلى بلادهم مغفورًا لهم، بعد أن أدَّوا فريضة الحج (ركن الإسلام الخامس) بالتهنئة والدعاء أن يتقبَّل اللهُ سعيَهم وطوافَهم وحجَّهم، وأن يحقِّقَ رجاءَهم فيه سبحانه.
لَننظر في ذات الوقت إلى حال الأمة الإسلامية وما آلَت إليه، وقد أحاط بها الأعداءُ الصهاينةُ والمتطرِّفون بالإدارة الأمريكية اليمينية الباغية (وقد قاربت شمسها على الرحيل)، ننظر إلى هذا الحال فنشفق على الأمة وعلى أبنائها، وينفطر القلبُ ألمًا لما ألمَّ بها من جَور الحكام، وظلم النظم وفسادها، وغطرسة الأعداء، وغلظة قلوبهم، وحقدهم وبطشهم، فلا يرقبون في الأمة إلاًّ ولا ذمَّةً، ولا يكادون حتى يُرضونها بأفواههم وما تخفي صدورهم أشدُّ وأنكى، فيمكرون ويتآمرون، ويدبِّرون بليل، ويخطِّطون للهيمنة والسيطرة على العالم، فضلاً عن المنطقة العربية والإسلامية.
وها هم قتلوا ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، ويحرمون الأمة من خِيرة أبنائها وشبابها، فيشغلونهم باللهو والغواية والخَنا، ولا تنام لهم عين، ولا يهدأ لهم بال، حتى يطمئنوا أن الظلم يعمُّ البلاد، وأن الفقر يأكل العباد، وأن الحكام في لهو يلعبون، وعن تحقيق مصالح أوطانهم غافلون، وأصبحت الأمة- للأسف- تأكل من إنتاج عدوِّها، وتوالي من يخطِّط لقتلها، وكأنها رميةٌ تحتفي براميها، وانطلق الحكَّام ينشرون اليأس في نفوس الأبناء والخوف من الأعداء والاستسلام للصهاينة في منظومة غريبة لا مثيلَ لها في تاريخنا القديم والحديث.
فماذا جرى؟ وكيف الخروج من هذا المأزق؟ الاستعمار القديم وامتداده كانت للأمة دولةٌ وخلافةٌ دامت مئات السنين، ونشرت العدل والحق، وبنَت حضارةً يعرفها الأعداء قبل الأبناء، ثم انتشر في الأمة الفساد، وظهر الخَوَر، ودبَّ فيها السوس من الظلم والتواكل، وترك أبناؤها الجهاد، وتقطَّعوا شِيَعًا، فغزاهم أعداؤهم، واستعمروهم وأرهبوهم، وعمقوا فيهم البعد عن دينهم وعن منهجهم، ثم ظهرت حركات وثورات قومية وإقليمية، وتحرَّكت في الشعوب بعضُ نخوةٍ وبقايا ماضٍ تليدٍ مجيد، فقرَّر المستعمرون الانسحاب بالجيوش، ولكنهم تركوا خلفهم أذنابَهم والموالين لهم وأمدّوهم بالمكر والتدبير والتأييد؛ حتى يمكِّنوا لهم؛ ليعتلوا ظهور الأمة، ويُحكِموا قبضةَ الأعداء عليها ويلفُّوا حبال التخلف والعجز حول رقاب شعوبها، فظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فكانت مأساة فلسطين، وتدمير أفغانستان، وتقتيل أبناء كشمير والشيشان، وتقطيع أوصال العراق وجنوب وغرب السودان، والآن الصومال، وزعزعة الاستقرار في لبنان وتهديد سوريا.
الصحوة وظهور النهضة وتحرَّك المخلصون من أبناء الأمة خلال المئوية الماضية فرَفَعوا راية الأمة ومنهجها (الإسلام)، ونادوا في الناس هلمُّوا إلى الخلاص وهيَّا إلى التمسك بقرآن ربنا والاقتداء بسنة نبينا- صلى الله عليه وسلم- وبدأت الأمة في الاستيقاظ وأدركت ووعَت الكثير مما يُحاك لها وما يقترفه أعداؤها- ومَن يواليهم- في حقِّها، وظهرت مسيرةٌ يعلوها الولاء لله، ويلفُّها الشوق إلى سنة رسوله، بوسطية سمحة، وفهم صحيح، واستعداد للعطاء؛ رغبةً فيما عند الله، وحسبةً له سبحانه، فكانت الحركة الإسلامية الرشيدة، وانطلاقُ شبابها، وتنامي مَدِّها، فاستقرَّت وتجذرّ