الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 ويبقى الإسلام خلاصًا للعالم

ويبقى الإسلام خلاصًا للعالم

  رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله ربّ العالمين، ونُصلِّي ونُسلِّم على أشرفِ المرسلين؛ سيدنا محمدٍ النَّبي الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد.
  فإن العالم اليوم تسوده مجموعةٌ من القِيَمِ المدمرة، مثل العنصريَّة والتَّعصُّب والديكتاتوريَّة والقمع وانتهاك حقوق الإنسان، ونشأ عن ذلك قيام بعض القوى الغاشمة بارتكاب جرائمَ، إمَّا لتحقيق أجنداتٍ ومصالحَ خاصةٍ ضيِّقةٍ، أو لتنفيذ بنودِ أجندةٍ استعماريَّةٍ عنصريةٍ توسعيةٍ.
ونتيجةً لذلك تُراق الدماء البشريَّةِ، كما يجري في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها من بقاع العالم.
  ونتيجةً لذلك يُلقَى بالشُّرفاء في السُّجون والمعتقلات، وتشوَّه- بالباطل- صحائفهم النَّاصعة؛ لا لشيء إلا لمواقفهم ومطالبهم المشروعة، ومحاولاتهم تحرير شعوبهم ورفع المعاناة عنها حتى تستطيع أن تتبوأ المكانة اللائقة بها في العالم.
  ونتيجةً لذلك يموت الملايين من الجوع والفقر والكوارث التي تسبب فيها جبابرةُ العالم، فيموت أطفالُ الصُّومال والسُّودان وفلسطين والعراق بسببِ نقصِ الحليبِ والقمحِ، بينما حكومات دولٍ مثل الدنمارك والولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وغيرها من بلدان التَّحالُف الأوروبي- الأمريكي تُلقي بفائض طعامها ومُنتجاتها من الحليب والجُبن والزُّبد والحبوب في مياه المحيطِ للمُحافظة على فارقِ وثباتِ أسعار المنتجاتِ والسِّلعِ الأساسيَّة في الأسواق العالمية!!   ونتيجةً لذلك نرى الدُّموع في عيون الأرامل والثَّكالى واليتامى والمُعاقين في مختلفِ أنحاءِ العالمِ، ونرى الأطفال وقد مزَّقت أجسادهم الرقيقة الواهنة طلقاتُ الرَّشَّاشات الثَّقيلة وشظايا القنابل الضَّخمة التي تُطلقها القاذفات والمدافع التي أنتجتها شركات السلاح في الغرب "الرَّاقي المتقدِّم"!!   ونتيجةً لذلك- أيضًا- انتشرت الجريمة المُنظَّمة، التي تهدد أمن العالم واستقراره.
من منَّا ينسى- نتيجة ما تفعله "الحضارة" الغربيَّة!!- وجه تلك اللاجئة الفلسطينيَّة العجوز المُعاقة التي خلا فمها من الأسنان، والتي لا تعرف من الكلام سوى الإشارة عندما وقفت تشكو همَّها للصَّحفيين في جنوبِ لبنان، وعندما أدركت أنَّ عمقَ إعاقتها يمنعها من شرح مأساتها ومآسي مئات الآلاف من أمثالها ضحكت غير مُستبشرة، وأدارت ظهرها لآلات التَّصوير، ولسان حالها يقول إنَّ حلَّ مُشكلتها لا يملكه أحد سوى الله سبحانه وتعالى.
  لماذا الإسلام هو الحل؟ قد نُتَّهم نحن- الإخوان المسلمين- بالتَّحيُّزِ للشِّعار الذي نرفعه، ولكن وبعيدًا عن هذا الشِّعار- الرَّمز الذي يُمثِّل قناعاتِنا- فإنَّنا نقول إنَّ الصُّورة السَّوداء التي تعكس مأساة البشرية لن تجدَ لها مخرجًا إلا من خلالِ الإسلام.
  إنَّ القواعدَ التي وضعها اللهُ عز وجلَّ في رسالته الخاتمة لعلاج الصراعات وحل المشكلات؛ هي الأجدر من جانب البشريَّة في التَّدبُّر فيها ومحاولة إعمالها.
  إنَّ المُتتبِّع للأزمات التي تمر بها الإنسانيَّة في الوقت الراهن يجد أنَّ سبَبَها الرَّئيسي منحصرٌ- على اتساع رقعة الأزمات جغرافيًّا- في أسباب ثلاثة: العُنصريَّة والتَّعصُّب، والاستبداد والقمع، وانهيار منظومة القِيَمِ الإنسانيَّة.

.
هذه الأسباب الثلاثة عالجها الإسلام بأجلى وأوضح ما يكون.
  فالعنصرية والتعصُّب حاربهما الإسلام وحذَّر من عواقبهما، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها منتنة" (رواه البخاري)، ويقول أيضًا: "إنَّ الله أذهبَ نخوةَ الجاهليَّةِ وتكبُّرها بآبائها، كلُّكم لآدم وحواء، وإنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم" (أخرجه البيهقي).
  وبذلك أكَّد الإسلامُ الحنيف أنَّ الناسَ كلَّهم عائلةٌ واحدة، مهما تعدَّدت أجناسهم وتلوَّنت بشرتهم؛ فأصلهم واحد، وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، وما ينبغي أن يكون عليه المجتمع الإنساني كله.
  فالناس سواسيةٌ كأسنانِ المشط، والرسول- صلى الله عليه وسلم- يؤكِّد أنَّه "يا أيُّها النَّاس ألا ‏‏إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكُم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ ولا ‏لعجميٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسودَ ولا أسودَ على أحمرَ إلا بالتَّقوى.

أبلغت؟ .

قالوا بلَّغ رسول الله ‏(‏صلى الله عليه وسلم)" (رواه الإمام أحمد بن حنبل في باقي مسند الأنصار).
  أمَّا الاستبداد والقمع وانتهاك الحريَّات؛ فقد عالجها الإسلام بشكلٍ لم تبرزه أيَّة نظريَّةٍ إنسانيَّةٍ، فالنَّاس بالنَّصِّ القرآني ﴿أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشُّورى: من الآية 38)، والحوار هو أساسُ العلاقات الإنسانيَّة وأساسُ الدعوة إلى الله تعالى، ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)(آل عمران)، وقال تعالى أيضًا: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)(النَّحلِ).
  حتى في العقيدة أرجع اللهُ جلَّ وعلا الأمر فيها إلى الإنسان نفسه.

﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾ (البقرة: من الآية 256).
  بل إنَّ الإسلام نادى بالدِّيمقراطيَّة من قِبل الغرب بمئاتِ السِّنين، نادى بها عندما قال أبو بكر الصديق للرَّعيَّة: "أطيعوني ما أطعتُ اللهَ ورسولَه، فإنْ عصيت اللهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم"، وعمر بن الخطاب يقبل جدال الإعرابي له في طول ثوبه الذي زاد عن باقي ما حصل عليه المسلمون من الفيء، ويوضح له سبب الزِّيادة، دون أنْ يتعرَّض للأعرابي بأذى أو يُحاسبه حتى على غلظةِ أسلوبه!!   ومن قبل ذلك محمدٌ- صلى الله عليه وسلم- وقف يتقبَّل بسعة صدرٍ اتهام أعرابي له بعدم العدلِ في توزيع الغنائم.
  بينما المسلمون كذلك، كانت الكنيسة الرُّومانيَّة ومحاكم التَّفتيش في أوروبا تذبح النَّاس وتنفيهم لمجرد الخلاف في المذهبِ أو في الرَّأي الدِّينيِّ أو السِّياسيِّ!!   أمَّا حِرْص الإسلام على منظومةِ القِيَمِ الإنسانيَّة والأخلاقيَّة فواضحٌ كلَّ الوضوحِ في كلِّ ما جاء به محكم الآيات والأحاديث النبويَّة، بل إنَّ علَّة البعثة المُحمديَّة الأساسيَّة كانت الإصلاح الأخلاقي؛ "إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مكارم الأخلاق" ، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) "خُلُقَه القرآن"، وكما وصفته السَّيدة عائشة- رضي الله عنها-: كان "قرآنًا يمشي على قدمَيْن".
  حتى الحرب وضع الإسلام قواعدها الأخلاقيَّة؛ فمن وصايا الرسول- صلى الله عليه وسلم- لقوَّاده وقوَّاته ألا يقطعوا شجرة، ولا يقتلوا رجلَ دينٍ أو شيخًا أو طفلاً أو امرأةً أو رجلاً لم يرفع عليهم السِّلاح، وأمرهم بعدمِ هدمِ البيعِ والصوامع.
  لقد جاء الإسلام كدينٍ وحضارةٍ شاملَيْن لمحاربة الفساد والاستبداد وإصلاحِ الأخلاق وبناء الإنسانِ والدَّولةِ والمجتمعِ على قواعد أخلاقيَّة سليمة تتطوَّر بها الإنسانيَّة بأسرها؛ بدعوته للقراءة وطلب العلم والتَّحصيل، وعدم العنصريَّة والتَّعصُّب، وبدعوته للابتكار والإبداع، ومواجهة الظُّلمِ أيًّا كان شكله.
  واجباتنا في ظلِّ الصُّورة السَّوداء التي تُطالعنا في كلِّ مكانٍ في أرجاءِ العالم الفسيح، وفي ظلِّ امتلاك المسلمين لمختلفِ أدوات الرُّقيِّ والتَّقدُّم؛ فإنَّ الأمَّة اليوم مُطالبة بأكثرِ من أيِّ وقتٍ مضى بتحمُّلِ مسئولياتها في هذه المرحلة التَّاريخيَّة الفارقة من مراحل التاريخ الإنساني؛ سواءً لإنقاذِ الأمَّة الإسلاميَّة أو لإنقاذِ البشريَّةِ وأهلها.
  وعندما نقول الأمَّة؛ فإنَّنا نعني بذلك الأمَّة بمختلفِ مستوياتها؛ الفرد والأسرةِ والمجتمعِ والحكومة؛ الجميع مأمورٌ بأن يُقدِّم الإسلام للغير قدوةً وخُلقًا وسلوكًا وحضارةً.

إننا مطالبون بـ: نشرِ قيمة الحرية والعدل والمساواة في مواجهة العنصرية والتعصب.
نشرِ قيمة الشورى في مواجهة الاستبداد.
نشرِ قيمة الوحدة والتَّضامُن الإسلامي والإنساني في مواجهةِ الفُرقةِ والتشرذم.
نشرِ ثقافةِ المقاومة في مواجهةِ الاحتلال.
نشرِ قيمة البناء في مواجهة الهدم والتخريب.
هذه هي واجباتنا في مواجهة الاستبداد خاصةً في هذه المرحلة، وهي واجباتٌ تواجهها عقبات كثيرة، بسبب تصدِّي أعداءِ الدِّين والغزاة ومُنتفعي الفساد والاستبداد وتُجَّارِ الحربِ والدَّمارِ من الوضعِ القائم، ولكن مَن يملك البداية يملك الطريق، ومَن يسعى لحقيقة الغاية تهون عليه العقبات قانعًا بأن وعد الله حق، وطامعًا بأن يكون ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم مَن قضى نحبه، ومنهم مَن ينتظر، وما بدلوا تبديلاً.
  وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.

والحمد لله رب العالمين.
القاهرة في: 12 من رجب 1428هـ الموافق 26 من يوليو 2007م