تعالوا نتعاون في إصلاح ما أفسدته أمريكا والكيان الصهيوني
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.وبعد!! فقد قضى الإسلام على كل مظاهر التفرقة التي اخترعها الإنسان، وجعل بها من نفسه طبقات: السادة والأراذل، الأغنياء والفقراء، الألوان والعنصرية، الغربية والشرقية، ومجموعة الدول الكبار والصغار، والخمسة الأعضاء الدائمين في كفة وبقية العالم يذوق الويلات ويتجرَّع الآلام مترنِّحًا في الكفة الأخرى.
كما نطق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بجملة لو أدرك المسلمون وغير المسلمين حقيقتَها لخُطَّت بمداد من ذهب، ووُضعت في صحائف من نور، وكانت غرةً في جبين هيئة الأمم المتحدة وإليها يحتكمون، يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: " إن الله قد أذهب عنكم نخوةَ الجاهلية وتعظُّمَها بالآباء، الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ".
وإذا انجلت هذه الحقيقة السامية فلقد أعلن الرسول- صلى الله عليه وسلم- منذ الوهلة الأولى عموم رسالته، وأنها رحمةٌ موجَّهةٌ للناس أجمعين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء).
والناس أمام الإسلام قسمان: - قسم اعتقد ما اعتقده المسلمون، من دين الله وكتابه، وآمن ببعثة رسوله وما جاء به، وهؤلاء تربطنا بهم أقدس الروابط، رابطة العقيدة، فهؤلاء هم قومنا الأقربون الذين نحنُّ إليهم، ونعمل في سبيلهم، ونذود عن حماهم، ونفتديهم بالنفس والمال، في أي أرض كانوا، ومن أية سلالة انحدروا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية10).
- والقسم الآخر قوم ليسوا كذلك، فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا، ونحبُّ لهم الخير ما كفُّوا عدوانَهم عنَّا، ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطةً هي رابطة الدعوة، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه؛ لأنه خير الإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدَّد له الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددْنا عدوانه بأفضل ما يُردُّ به عدوان المعتدين.
قال الله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ.
﴾ (الممتحنة: 8- 9).
لقد أوصى الإسلام بالبر والإحسان بين المواطنين، وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم، كما أوصى بإنصاف أهل الكتاب وحسن معاملتهم، فقال تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8)، وماذا بعد هذه الحقيقة: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا".
وفي ظلال من سماحة هذا الدين، كانت البلاد الإسلامية حرَمًا آمنًا لليهود وغيرهم ممن اضطهدتهم أممُهم، فعاشوا في المدن الإسلامية، في سلامٍ وأمنٍ، وربحت تجارتُهم، وراجت بضاعتُهم، وتقلَّدوا المناصبَ العالية في حماية المسلمين ورعايتهم.
والمسلمون الذين يُحسنون إلى الحيوان عند ذبحه لا يسيئون لمن يشاركهم الإنسانية، ووجود غير المسلمين ومعابدهم في بلادنا خيرُ شاهد على حسن صنيعنا وكمال أخلاقنا، وفي إباحة زواج المسلم من نساء أهل الكتاب، مع منحها الحق الكامل في أن تتعبَّد لربها وفق دينها، لأعظمُ دليل على روعة الإسلام وسماحته مع أصحاب الديانات الأخرى.
أيها العالم الحائر.
أيها الناس كافةً.
أيها الحكماء العقلاء.
لقد مهَّد الله لنا الدينَ، وأحكم التشريعَ، وسهَّل الأحكامَ، وجعلها من الصلاحيةِ لكل زمانٍ ومكانٍ بحيث يتقبَّلها العالمُ، وترى فيها الإنسانية أمنيتَها المرجوَّة وأملَها المنتظَر، وإن مبادئَ الإسلام وتعاليمَه ظلت قويةً في ذاتها، فيَّاضةً بالخصب والحياة، جذابةً أخَّاذةً بروعتها وجمالها، وستظل كذلك لأنها الحق، ولن تقوم الحياة الإنسانية كاملةً فاضلةً بغيرها، ولأنها من العليم الخبير.
﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾ (الملك).
لقد آمنَّا إيمانًا لا جدال فيه ولا شك معه، واعتقدنا عقيدةً أثبت من الرواسي، بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذَّبة وترشد الإنسانية الحائرة، وتهدي الناس سواء السبيل، ألا وهي الإسلام الحنيف الذي أكمله الله وأتمَّه، ورَضِيَه للناس أجمعين: ﴿وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).
إننا ننتهز هذه الفرصة، فنتقدم مخلصين إلى الحكماء والعقلاء من الساسة الغربيين، بنصيحة إن وُفِّقوا إلى الانتفاع بها، فهو الخير لهم وللعالم أجمع، ألا وهي: إن الفكرة الاستعمارية إن كانت قد أفلست في الماضي مرةً ومرةً، ومع دول شتى، فهي في المستقبل أشدُّ فشلاً لا محالة، وقد تنبَّهت المشاعر وتيقَّظت حواسّ الشعوب، وإن سياسة القهر والضغط والجبروت لم تأتِ في الماضي إلا بعكس المقصود منه، وقد عجزت عن قيادة القلوب والشعوب، وهي في المستقبل أشدُّ عجزًا، فاعتبِروا بالتاريخ يا أولي الأبصار.
وإن سياسة الخداع والدهاء والمرونة السياسية، إن هدأ بها الجوُّ حينًا، فلا تلبث أن تهبَّ العاصفةُ قويةً عنيفةً، وقد تكشَّفت هذه السياسة عن كثير من الأخطاء والمشكلات والمنازعات، وهي في المستقبل أضعف من أن توصِّل إلى المقصود.
وإذًا فلا بد من سياسة جديدة، وهي سياسة التعاون والتحالف الصادق البريء، المبني على التآخي والتقدير، وتبادل المنافع والمصالح المادية والأدبية بين أفراد الأسرة الإنسانية في الشرق والغرب، لا بين دول الغرب فقط، وبهذه السياسة وحدها يستقرُّ النظام الجديد وينتشر في ظله الأمن والسلام.
إن حكم الجبروت والقهر قد فات، ولن يستطيع الغرب ولا أمريكا بعد اليوم أن يحكم الشرق بالحديد والنار، ولن يثبت لها قدم، ولن يستقرَّ لها قرارٌ على أرضنا، والتاريخ القريب والبعيد شاهدُ عدلٍ على صحة ما نقول، فما أبقى لغاصبٍ محتلٍّ باقيةً، وكل أرض محتلة لفظت غاصبيها، وما خبر إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والبرتغال في الدول التي احتلوها بغائب، ولا آثاره حيةً شاهدةً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولسنا وحدنا الذين نقول هذا، بل إن الساسة الغربيين أنفسهم يقولون ذلك، ونحن نتقدم بهذه النصيحة لساسة الدول الاستعمارية العقلاء وللحكماء من جميع دول العالم، على أنها نصائح تنفعهم أكثر مما هي مطالب تنفعنا، فليأخذوا أو ليدَعوا، وقد وطَّنَّا أنفسنا على أن نعيش أحرارًا عظماء، أو نموت أطهارًا كرماء، ونحن لا نطمع في حق سوانا، ولا يستطيع أحد أن ينكر علينا حقنا.
وإن خيرًا لكل أمة أن تعيش متعاونةً مع غيرها، من أن تعيش متنافسةً مع سواها حينًا من الدهر، يندلع بعده لهيب الثورة في البلاد المغصوبة، وجحيم الحرب بين الدول المتنافسة.
بهذا فقط يظفر العالم بتعاون شريف وسلام طويل.
دماء المسلمين تسيل في شتى أنحاء العالم!! أما العنصرية والطغيان والديكتاتورية، فقد كلفت- وستظل تكلِّف- العالم ثمنًا غاليًا.
أرواح تُزهَق، ودماء تُرَاق، وأعراض تُنتَهَك، وحرمات تُستَباح، وأموال تُنفَق، كل هذا من الدول المعتدية والمعتدَى عليها، وإن كان من الأخيرة أكثر، مع احتلال أرضها، وتشريد أهلها، واستلاب خيراتها، وتدنيس مقدساتها، ويكفي في ذلك أن ترجع البصر كرتين في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير والبوسنة والهرسك وكوسوفو، وما السودان ولبنان ودول أخرى على قائمة الانتظار عن ذلك ببعيد!!.
أيها الحكماء العقلاء.
مع هذه الخسائر في الأنفس والأعراض والأموال والأرض نسألكم: هل رددتم أرضًا لأصحابها؟ هل أرجعتم لاجئين ومشردين إلى أوطانهم وديارهم؟ هل جلبتم الأمن والأمان لشعوبكم؟ أم نَعِمَ بالسلم والسلام الدول التي غزوتموها، هل استقرَّ الغاصبون في فلسطين والعراق وأفغانستان؟! لا شيء من هذا أيها الناس تحقَّق، ولن يتحقَّق، بل لقد أضحى العالم كله يرسف تحت وطأة ظلم الطغاة المستبدين من الصهاينة والأمريكان، وبات مكسوًّا بثياب الخوف والرعب، وغَدَا لا يأمن على نفسه أينما تحرَّك، وبات مشرَّدًا طريدًا لاجئًا في العراء، لا مأوى ولا طعام ولا ماء.
لقد أصبحت أمريكا والصهاينة يبحثون عن الأمن والأمان، بنشر الخوف والرعب، وعن العدالة بمعيارهم المنتكس بمزيد من الظلم، وعن الرحمة بضربات استباقية وحصار للشعوب يقتل الطفل والمرأة والشيخ، وسوف يرجعون بعد طول التجربة وعظيم التضحيات بمرارة الفشل وخيبة الأمل وألم الحرمان.
لقد ضلَّ قادة النظام العالمي الجديد الطريقَ الذي يوفِّر الأمنَ ويحقِّق العدالةَ ويبسط الرحمة ويقيم المساواة بين بني آدم، دون نظر إلى عنصره أو جنسه أو لونه أو عقيدته.
ونحن الإخوان المسلمين.
نتقدم إلى العالم بقارورة الدواء التي تخلِّص العالم من كل أوجاعه وتبرِّئه من كل أسقامه.
إننا ندعو حكماء العالم وأحراره، بأن تعالوا لنضع أيديَنا في يد بعض؛ لنوقف نهر الدماء الدافق، ونحفظ مليارات الدولارات التي تُنفَق في كل دقيقةٍ على الحروب، ونعيد المشردينَ واللاجئينَ إلى ديارهم، وننقذ الإنسانية جمعاء من الشرور والأشرار، والفساد والمفسدين، والظلم والظالمين، وكل ذلك يتمثل فيما تصنعه أمريكا والصهاينة، المشعِلِين للحروب في كل مكان وكل زمان ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة: من الآية 64).
إننا دعاة سلم وسلام، يتحقَّق بعودة الحقوق لأصحابها، وجلاء الغاصبين المحتلين عن كل أرض اغتصبوها، والتعاون بين الناس أجمعين لتحقيق الخير وإقامة العدل ونشر الأمن والأمان على ربوع المعمورة ولخلق الله أجمعين.
فهل من مجيب؟! والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلِّم، والحمد لله رب العالمين