وتتهاوى دولة الطغيان..!
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على محمد بن عبد الله، النبيِّ الأميِّ الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.إن المتتبِّع للواقع العالمي يجد بما لا يدع مجالاً للشك أن إرادة الاستكبار العالمي تسير صوبَ نهايتها؛ بتنامي طموحها في السيطرة والهيمنة، وبسط النفوذ على إرادة الشعوب ومقدَّراتها في العالم كله؛ سعيًا لفرض إستراتيجياتٍ أمريكيةٍ صهيونيةٍ بكافة أشكال القوة وتحت شعارات عدة؛ من (التحرير)، و(الديمقراطية) ومرورًا بـ(حقوق الإنسان)، وانتهاءً بـ(حرية الاعتقاد)، و(حقوق الأقليات)، وغيرها من شعارات لا تخدم مسمياتِها قدرَ دفعها لعجلة مشروع أمريكي وصهيوني استعماري ﴿هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (المنافقون: من الآية 4).
وهكذا استحال العالم تحت وطأة أقدام هذا المشروع إلى ساحات خراب وتمزُّق وتشتُّت واقتتال بين أبناء الوطن الواحد والجنس الواحد، وربما الدين الواحد، لا لشيء إلا لأن غفلةً عن حقيقة هذا المشروع تدفع صوبَ هاويةٍ لا أعماقَ لها، راياتها "صليبية جديدة"، كما أعلن فرعون العالم الجديد بوش الابن في بداية حرب تحرير العراق المزعومة، وراح يؤكد دعواه في كل المحافل الدولية هاتفًا: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)﴾ (غافر: من الآية 29).
وفي ظل هذا المبدأ الهدَّام انطلق الفرعون وأذنابه يعيثون في الأرض الفساد، فغَدَت أفغانستان مرتعًا لكل الضباع الجائعة، وتمزَّق بدنُها بين أنياب قطيع لا يرحم، وعاد العراق بتاريخه العريق إلى عصور الغاب بفعل قوانين التحرير الجديدة!!، وارتفعت رايات الفتن فوق كل ساحاته بدعوى العِرقية تارةً، والعصبية تارةً، والطائفية تارةً ثالثةً، والشرعية الدولية تارةً أخرى، ومثله حال فلسطين والسودان والصومال، الذين أدار لهم أشقاؤهم ظهورَهم، وتركوهم نهبًا لأيادي الغدر، تعبَث بمقدَّراتهم وبشعوبهم وبوحدتهم ومقدساتهم، وليس حال لبنان وسوريا بأفضل من الواقع السابق، وعلى ذات الطريق تسير بلدان العروبة والإسلام.
ويكتفي ولاةُ الأمر من الحكَّام بالسعي للاستمساك والتشبُّث بكراسي الحكم، ومحاولة استرضاء القطب الأمريكي، رافعين شعارات البقاء، حتى وإن كان الشعب هو الثمن، متصوِّرين خلود الفرعون، ومتوهِّمين بقاءه أبد الآبدين، دونما أن يطرح أحدهم على نفسه السؤال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)﴾ ؟ (محمد).
وأما أمريكا وإمبراطورها بوش الابن، ومِن خلفه أنظمة الغرب التابعة، فإنهم يخطِّطون ويدبِّرون ويتآمرون، معتبرين العالم قد أمسى كلأً مباحًا لهم، مرتكزين على دفاعهم المستميت عن ربيبتهم، دولة بني صهيون، وتقنينهم وجودَها، متربِّصين بكل مناهِضٍ لبقائها، وباذلين كلَّ جهودهم ومساعيهم لتجميل صورتها القبيحة ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾ (المائدة)!!.
فيا ولاة الأمر .
ليس ما يطالبكم به الإخوان المسلمون بجديد؛ فقد أوصى به ربُّ العزة جلَّ في علاه رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)﴾ (النساء).
فضعوا نصب أعينكم مسئوليةَ الحكم وأمانتَه، واعملوا على وحدة الأمة وتماسكِها، واحترامِ إرادتها، فهذا هو طريق النهضة والتقدم والرقيّ؛ فإما أن تفقهوا هذه الحقيقة وتقدِّروها، مبادرين إلى إجراء التغيير، مستلهمين رأي شعوبكم وعلى أيديهم، وصولاً إلى السلامة والاستقرار، أو تنصرفوا إلى وهْمِ خلودِكم وأمانيِّ بقائكم، فتسبقكم الحوادث، ويفلت من يدكم الزمام، ولا يدري عاقبة ذلك إلا الله.
وإلى الشعوب كلمة.
إن الحرية والعزة ركنٌ من أركان الإسلام وفريضةٌ من فرائضه، وكلاهما لا يهبه مستبدٌّ ولا يمنحه غاصبٌ، بل هي ركائز النهضة التي يجب أن تتمسَّك بها الشعوب وتذود عنها، فاعملوا جاهدين على انتزاع الحرية، وإصلاح أحوال أمتكم، فلا كمالَ لصحيح الإسلام ولا تمامَ لعزته إلا بتحقيق هذه الأهداف ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: من الآية 8).
والإسلام لا يكتفي من المسلم بالوعظ والإرشاد، ولكنه يحدوه دائمًا إلى الكفاح والإصلاح ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ (العنكبوت)، ولا يحسبن أحدٌ أن الحرية والإصلاح السياسي ترفٌ أو بِدْعٌ ليس من الإسلام في شيء؛ لأن السياسة والحرية والعزة من أوامر القرآن، وحبُّ الأوطان من الإيمان، وخيرُ الجهاد كلمةُ حقٍّ تقال في وجه سلطان جائر.
وإلى السائرين على درب دعوتنا.
إن الإخوان يشعرون بأن خيارهم وواجب وقتهم هو إيقاظُ النفوس، وترشيدُ المشاعر؛ لتسيرَ على درب الإصلاح المنشود، رافعين راياتِ العزِّ الربانيةَ، موقنين أن سبيل الإصلاح محفوفٌ بالمشاقِّ والمتاعب والآلام، لكن تهون الحياة وكلٌّ يهون في سبيل حرية أوطاننا، في توقيتٍ صار التدخُّلُ الأجنبي والتحكُّم والتبعيةُ.
أهمُّ عواملِ تَرَاجُعِ الأوطان وصرْفِ طاقاتها عن غير وجهتنا.
ولئن ارتَضَت أنظمتُنا أن تكون أداةً طيِّعةً في يد النظام العالمي الجديد، يتحكَّم بها في رقاب الناس كما يشاء وينفِّذ بها مطالبه وخطَطَه كما يريد، سافرًا أو مستترًا، فإن الإخوان- في هذه الساعات المهمة الفاصلة- يرون العملَ للإصلاح بكل وسائله السلمية فرضًا عينيًّا على كل الأفراد والهيئات، معتمدين على أن هذا هو حقُّنا الطبيعي، الذي لا ينكره علينا إلا جاحدٌ أو مكابرٌ، فلسنا أمةً بدائيةً تحتاج إلى الرعاية والوصاية والتوجيه، ولكننا أمةٌ ورثت أمجدَ الحضارات، وأعرقَ المدنيات، وأنارت الدنيا بالعلم والمعرفة، حين لم تكن هذه الأمم الحديثة تدري مِن أمرِ الوجود شيئًا؛ فليكن زادكم من عقيدتكم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾ ( يوسف).
وهذا الدربُ ليس بالهيِّن ولا اليسير، ولا ينال ثماره إلا الصابرون المحتسبون؛ فلا يغرنَّكم استكبارُ الباطل، ولا قوتُه ولا سطوتُه، ولا سجونه وجبروته، ولكن ليكن زادكم فيه غايتكم الربانية، وثبات قدوتكم المحمدية "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه "، واعلموا أن وعد الله حق ﴿أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ (آل عمران: من الآية 195)، والله أكبر ولله الحمد.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.