الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 إسقاط قيود كامب ديفيد واستعادة السيادة الحقيقية

إسقاط قيود كامب ديفيد واستعادة السيادة الحقيقية

رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسوله ومن والاه، أما بعد.

تحتفل مصر الآن بعيد تحرير سيناء؛ وسط أجواء إقليمية تخيِّم على الوطن العربي، تُنذِر بتفجُّر الأوضاع في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران والسودان والصومال.

فهل مصر اليوم قادرة على القيام بدورها العربي والإسلامي؟ وهل مصر اليوم هي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة كما كانت طوال تاريخها؟ وهل مصر اليوم تمتلك قرارها الحر المستقل؟ وهل مصر اليوم تتمتع بسيادة حقيقية على سيناء؛ تستطيع أن تمنع بها اجتياحَ الجنودِ الصهاينةِ حدودَها كما حدث من قبل عدة مرات؟ الجواب الواضح الصريح الذي يفجعنا هو: لا.

وهذا الجواب هو الذي يجب أن نرفعه عاليًا مدويًا؛ حتى نستطيع أن نخرج من المأزق الراهن؛ الذي أوصلتنا إليه السياسات والإستراتيجيات المتبعة منذ ثلاثين سنةً وحتى اليوم.
  مصر اليوم عاجزةٌ عن قيادة الوطن العربي، بل عاجزةٌ عن حلِّ مشكلاتها الداخلية، وها هي تشهد اضطراباتٍ عديدةً وأزماتٍ خطيرةً، وصلت إلى العجزِ عن إدارة أزمة "رغيف الخبز"، والعجزِ عن توفير الحد الأدنى للأجور؛ الذي يكفل لموظفي الحكومة حياةً آدميةً كريمةً.
  ويكفي أن نتذكَّر جميعًا أن الشعار الذي رفعه الرئيس السادات عقب إبرامه إطار كامب ديفيد ثم اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني كان "الرخاء"!!.

إن نقطة التحوُّل التاريخية في السياسات المصرية الحديثة كانت هذه الاتفاقيات الخطيرة.
  لقد أسفرت كامب ديفيد عن العديد من النتائج الخطيرة، كان أبرزها: * إخراج مصر من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني، الذي انفرد بالمنطقة، وشنَّ عدة حروب وضربات على عدد من الدول العربية.
* فقدان مصر دورَها القيادي في المنطقة وتأثيرها في القضايا الرئيسية والملفات الهامة.
* انتقاص السيادة المصرية على سيناء؛ بحيث أصبحت الحدود المصرية الشرقية مهدَّدةً دائمًا وخاضعةً فقط لإرادة العدو الصهيوني.
* التزام مصر بتأمين العدو الصهيوني وسلامته وعدم تهديده من أي طرف آخر؛ (فقد وقَّعت مصر اتفاقًا أمنيًّا جديدًا مع العدو عام 2005 دون علم المصريين ودون رقابة مجلس الشعب)، وتم تعديله عام 2007م بعد نجاح حماس في الانتخابات.
* وقوع مصر في الفلك الأمريكي- الصهيوني إستراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وما اتفاقية "الكويز" واتفاقيات توريد الغاز الطبيعي للعدو بأسعار زهيدة عنا ببعيدة!.
* انفراد العدو الصهيوني بالفلسطينيين، وسعيه الحثيث لفرض أجندته الاستيطانية العنصرية لتحقيق حلمه الأصلي بـ"إسرائيل الكبرى"، والهيمنة والسيطرة على المنطقة كلها، وإلغاء كافة الحقوق الفلسطينية في الأرض والأمن والدولة المستقلة والسيادة، وإلهاء القيادة الفلسطينية بمفاوضات عبثية ومؤتمرات دولية.
  لقد تم انتهاك السيادة الوطنية المصرية في سيناء؛ بناءً على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (مع العدو الصهيوني) الموقَّعة عام 1979 كما يقول الباحث المتخصص م.
محمد سيف الدولة (باختصار وتصرُّف) على محورين: الأول: التدابير الأمنية الواردة في الاتفاقية.
الثاني: القوات الأجنبية الموجودة في سيناء.
  فقد تم فرض العديد من القيود على حجم وتوزيع القوات المصرية في سيناء، بما لا يتناسب مطلقًا مع ما تم فرضه على الجانب الآخر.
  وتم الفصل بين خط الحدود الدولي السياسي بين مصر وفلسطين وبين خط الحدود العسكري الأمني؛ الذي يقع على بُعد 58 كم شرق قناة السويس؛ حيث تم إبعاد كل القوات العسكرية المصرية المحدودة العدد خلف هذا الخط بعيدًا عن خط الدفاع الطبيعي؛ المتمثل في ممرات: الجدي ومتلا والخاتمية، التي تمثل خط الدفاع الرئيسي عن سيناء، وتم منع إقامة أي مطارات أو موانئ عسكرية في سيناء، وتم تحجيم عدد القوات المصرية العسكرية بما لا يكفي للدفاع عن سيناء ومصر أو التصدي لأي هجوم مباغت صهيوني.
  وكذلك تم فرض قيود على السيادة المصرية والقرار المصري فيما يتعلق بالقوات متعددة الجنسية؛ التي أصبحت بديلاً عن قوات الأمم المتحدة، وتتشكَّل من 11 دولة، وتقودها قيادة مدنية أمريكية، ولا بد من الموافقة الجماعية للأعضاء الدائمين بمجلس الأمن لسحب هذه القوات إذا طلبت مصر ذلك، وهذه القوات المراقبة للالتزام المصري فقط لا توجد على الطرف الآخر، بل اكتفت الاتفاقية بوجود مراقبين مدنيِّين عددهم 50 شخصًا على الجانب الصهيوني مقابل 2000 على الطرف المصري.
  اليوم.

ونحن نحتفل بعيد تحرير سيناء يصدمنا الواقع المرّ؛ الذي وصل إليه الدور المصري في المنطقة، وهو الأثر المباشر لاتفاقيات كامب ديفيد ومَلاَحِقها!!، ويصدمنا أكثر الواقع الداخلي الأكثر مرارةً؛ الذي وصلت إليه مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر.
  إن الانسداد السياسي وحصار القوى الشعبية وتجفيف المنابع السياسية في مصر؛ بل إلغاء السياسة تمامًا بتزوير الانتخابات المحلية الأخيرة، هو أثرٌ طبيعيٌّ ونتيجة متوقّعة للالتزامات المصرية بالدوران في الفلك الأمريكي الصهيوني.
  وإن السياسات الاقتصادية المتوحشة التي تنحاز إلى الأغنياء والأثرياء على حساب الفقراء ومحدودي الدخل والتي تربط رجال الأعمال المصريين بالصهاينة والأمريكان؛ هي تخطيطٌ واضحٌ لتنفيذ اتفاقيات الاستسلام للمطامع الصهيونية.
  وإن الفساد الرهيب الذي استشرى اليوم في كل المجالات، والتردِّي الواضح في كافة مرافق الدولة؛ من التعليم إلى الصحة إلى الصرف الصحي إلى كل المجالات، هو نتيجة متوقَّعة لاتفاقيات كان هدفها الواضح هو إخراج مصر من المعادلة الإقليمية، ولن يتم ذلك إلا بإضعافها وتركيعها وشغلها بمشاكلها الداخلية وإهانتها باستمرار.
  إن استعادة القرار لمصر الحرة والسيادة الوطنية الحقيقية على سيناء؛ يبدأ بمراجعة أمينة لهذه الاتفاقيات وتوابعها، والعمل على التخلص من القيود التي فرضتها على مصر، والخروج من الفلك الأمريكي- الصهيوني، والعمل على استعادة الدور المصري وقيادة الوطن العربي والأمة الإسلامية، والتصدي لمشاريع الصهاينة ومغامرات الأمريكان؛ التي أشعلت الحروب في المنطقة، وزرعت الفوضى في أرجائها.
  ومما يزيد الحسرة والألم في النفوس هو أن مصر اليوم تبدو غيرَ قادرة على التجاوب مع مطالب الشعب الفلسطيني تحت الحصار خاصةً في غزة؛ فقد تلخَّص دورُها في استجداء العدو الصهيوني لإمداد غزة بالوقود والمواد الأساسية، وتقديم بعض العون الإغاثي للمرضى والمصابين، بينما يستصرخ النساء والأطفال والأرامل والشيوخ النخوةَ المصريةَ العربيةَ لوقف المذابح اليومية وحرب التجويع والإبادة.

ولا مجيب!!.
  وحتى الدعم الشعبي المصري؛ الذي تدفَّق عبر الحدود لتقوية صمود الفلسطينيين ضد آلة الحرب الصهيونية؛ تم حصارُه بواسطة الحكومة المصرية وقوات الأمن، التي باتت تحرس حدود العدوِّ بدلاً من حراسة الحدود المصرية، وتحقِّق الأمن للعدو الصهيوني ولا تحقِّق الأمن للشعب المصري، وتمدّ المستوطنين الصهاينة بالغاز والوقود بينما يُحرَم الفلسطينيون من الوقود والمواد الأساسية.
  إن نقطة البداية الصحيحة هي إسقاط القيود التي فرضتها اتفاقيات كامب ديفيد على مصر، وليس معنى ذلك الدخول في حرب مفتوحة لم تستعد مصر لها؛ بل يعني بوضوح استعادة القرار الحرّ والسيادة الوطنية؛ لمواجهة كل الاحتمالات والمخاطر التي تهدِّد وطنَنا الحبيب.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.