إتقان العمل وآدابه.. وحقوق العامل
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد.إن قواعد الإسلام وسلوك الأنبياء ومنهج الصالحين من المؤمنين يحثُّ على وجوب العمل واكتساب المال من وجوه الحلال؛ للإنفاق منه والارتقاء به؛ فبالمال يقتات الإنسان ويكتسي، ويربي عياله، ويصل رحمه، ويحفظ عرضه، ويصون دينه، ويذود عن وطنه، ويصطنع الرجال، ويستغني عن السؤال، ويحيا عزيزًا كريمًا، ويموت جليلاً حميدًا.
ولهذا نجد أن الإسلام يحض على العمل، ويحثُّ على السعي والكسب، ويأمر بالانتشار في الأرض للنيل من فضل الله والأكل من رزقه قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ (الملك: من الآية 15)، وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أمسى كالاًّ من عمل يديه أمسى مغفورًا له ".
وعن المقداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ".
ولقد ضرب الأنبياء عليهم السلام المثل في السعي والعمل، وكانت لهم حرف يرتزقون منها، ومن أمثلة ذلك: - كان آدم عليه السلام حراثًا.
- وكان داود عليه السلام صانعًا للسَّرد والدروع.
- وعمل موسى عليه السلام أجيرًا عند الرجل الصالح في الرعي.
- وعمل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في الرعي والتجارة.
واجبات العامل المسلم 1- أن يكون قويًّا أمينًا.
والقوة تتحقق بأن يكون عالمًا بالعمل الذي يسند إليه، وقادرًا على القيام به، وأن يكون أمينًا على ما تحت يده، قال الله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: من الآية 26)، والبلاء الذي ينزل بالأمة ينجم عن فقد هذه الصفات؛ فالأعمال وخاصةً التي تتحكَّم في مصائر الشعب تُسند لذوي القربى والمحسوبيات، ولو كانوا لا يعرفون شيئًا عن العمل، أو انعدمت عندهم الأمانة فيشقى الناس بهم.
2- إتقان العمل.
فالإسلام يحضُّ المسلمين على الإتقان في كل جوانب حياتهم وسائر أعمالهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ".
فالعامل المخلص المتقن هو ذلك الإنسان الحاذق لصنعته وحرفته، والذي يقوم بما يُسنَد إليه من أعمال ووظائف بإحكام وإجادة تامة، مع المراقبة الدائمة لله في عمله، وحرصه الكامل على نيل مرضاة الله من وراء عمله، وهذا النوع من العمال والموظفين لا يحتاج إلى الرقابة البشرية؛ والبَون شاسع بين من يعمل خوفًا من إنسان، يغيب عنه أكثر مما يوجد، وخداعه ما أيسره، وبين آخر يعمل تحت رقابة من لا يغيب عنه لحظة، ومن لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء!!.
والمجتمعات الإسلامية، ومصر منها، في تعطُّش وظمأ لهذا النوع من العمال والموظفين المخلصين المتقنين لأعمالهم؛ لكي تنهض من كبوتها وتتقدَّم من تخلُّفها، وتصير كما كانت في سالف عهدها خير أمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.
.
) (آل عمران: من الآية 110).
3- التوكل على الله.
فالمسلم في سعيه يجب عليه أن يحسن التوكل على الله، ثم يأخذ بالأسباب؛ فقد مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوم فقال: من أنتم؟ قالوا: المتوكلون، فقال: "أنتم المتأكلون، إنما المتوكل رجل ألقى حبة في بطن الأرض وتوكل على ربه".
4- التجمل في طلب الرزق.
والمسلم يمارس العمل في حكمة وأناة وتعفُّف وتجمُّل، ويوقن أن رزقه لن يفوته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".
لا يستبطئن أحد منكم رزقه، فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدًا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه؛ فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب؛ فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله لا يُنال فضلُه بمعصيته ".
من حقوق العامل في الإسلام وإذا كان الإسلام قد أوجب على العامل إتقان العمل والنصح فيه؛فإنه أعطى للعامل حقوقًا تجعله يعيش حياةً كريمةً عزيزةً، ومن هذه الحقوق: - احترام العامل وحسن معاملته؛ تنفيذًا لأوامر الإسلام في الإحسان للناس.
قال الله تعالى: ﴿وَقُوْلُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: من الآية 83).
- إعطاء العامل أجره كاملاً غير منقوص.
وفق ما تم الاتفاق عليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: منهم رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
- الإسراع في دفع أجر العامل .
وعدم تأجيله مهما كانت الأسباب؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".
- أن يكون أجر العامل عادلاً.
بحيث يوفر له الحياة الكريمة من الطعام والشراب والملبس والمسكن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس".
- عدم تكليف العامل ما لا يطيق .
وعدم إرهاقه بالأعمال الشاقة التي لا يقدر على إنفاذها؛ فإن فعلنا شيئًا من ذلك أعناه بأنفسنا أو بغيرنا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم".
- الضمان الاجتماعي .
فمن الحق لكل مواطن تأمين راحته ومعيشته، كائنًا من كان، ما دام مؤديًا واجبه، أو عاجزًا عن هذا الأداء بسبب قهري لا يستطيع أن يتغلب عليه، ولقد مر عمر على يهودي يتكفَّف الناس، فزجره واستفسر عما حمله على السؤال، فلما تحقق من عجزه رجع على نفسه باللائمة وقال له: "ما أنصفناك يا هذا، أخذنا منك الجزية قويًّا وأهملناك ضعيفًا، افرضوا له من بيت المال ما يكفيه"، وهذا مع إشاعة روح الحب والتعاطف بين الناس جميعًا.
أيها المسلمون.
أيها الناس أجمعون.
هذا هو الإسلام العظيم الرحيم العادل.
ما أعظم هذا الدين؛ الذي يجعل حق العامل على صاحب العمل أن يمنحه من الأجر ما يمكنه من أن يكفي نفسه ومن يعول من الطعام والشراب والكساء، وأن يمكنه من العلاج، وتعليم أبنائه، ولا يكون ذلك إلا بمراعاة العدل في توزيع عائد العمل!!.
الشركات بين التمصير والخصخصة من قبل كانت الدعوة إلى تمصير الشركات، وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محلَّ رؤوس الأموال الأجنبية كلما أمكن ذلك، وتخليص المرافق العامة، وهي أهم شيء للأمة، من يد الشركات الأجنبية التي تنعم بأرباحها، ولا يصيب الجمهور الوطني ولا العامل الوطني منها إلا البؤس والشقاء والحرمان.
والآن الدعوة إلى خصخصة الشركات العامة وتيسير السبل وتذليل الصعاب للأجنبي ليتملك ما يشاء، مع منحه كل التسهيلات، في الوقت الذي توضع فيه كل العقبات لرأس المال الوطني أن ينافس، فنجم عن ذلك: - طرد للعمالة الوطنية.
- استجلاب عمالة أجنبية.
- هروب رأس المال الوطني لفقده الأمن والأمان.
وإذا استمسك شخص حر شريف بوطنه، وآثر أن يسعى لرفعته، واستطاع أن يشيِّد شركةً بعرقه يستوعب فيها مئات العمال، أو يقيم مصنعًا بكدِّه يشغل فيه آلاف العاطلين؛ فإنه لا يعدم أن يجد من يصادر ماله ويغلق شركاته، ويزجُّ به في السجن، بتُهَم من نسج خياله؛ في حين نرى من يتاجرون بحياة المرضى بالدم الفاسد، ويبيعون المصانع الحكومية وشركات القطاع العام بالتواطؤ مع الأجانب بأبخس الأسعار.
تخبُّط وضياع أيها الراغبون في الخير لأوطانكم.
إننا لم نَسِرْ على نظام اقتصادي معروف، لا نظريًّا ولا عمليًّا، وإن هذا الغموض والارتجال قد أدَّيا بنا إلى ضائقة أخذت بمخانق الناس جميعًا.
وليس الشأن أن نرتجل الحلول، ونواجه الظروف بالمخدِّرات والمسكِّنات؛ التي يكون لها من رد الفعل ما يُنذر بأخطر العواقب، ولكن المهم أن ننظر إلى الأمور نظرةً شاملةً محيطةً، وأن نردَّها إلى أصل ثابت تستند إليه، وترتكز عليه، وليس ذلك الأمر إلا "النظام الإسلامي" الشامل الدقيق، وفيه خير السداد.
لقد صبر الشعب المصري صبرًا طويلاً على هذه الحياة الجافية القاسية، وهذا الحرمان العجيب الذي لا يصبر عليه آدميٌّ إلا بمعجزة من معجزات الإيمان، ومن نظر إلى العامل المصري والفلاح المصري والموظف المصري ومن يليهم من عامة الشعب المصري، أخذه العجب مما يشاهد من فاقة وصبر!!.
أيها الحكام.
تعالوا إلى الإصلاح الشامل إن بين أيدينا النظام الكامل الذي يؤدي إلى الإصلاح الشامل؛ في توجيهات الإسلام الحنيف، وما وضع من قواعد كلية أساسية، لو علمناها وطبَّقناها تطبيقًا سليمًا؛ لانحلت مشكلاتنا، وعرفنا كيف يرتفع مستوى المعيشة، وتستريح كل الطبقات، ووجدنا أقرب الطرق إلى الحياة الطيبة.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.