لبيك فلسطين
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ* أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ (الحج:38- 40).
تشير الآيات الكريمة إلى أن الله يدفع عن عباده المؤمنين شرورَ الكفار؛ بأن يبيحَ لهم القتال وينصرهم فيه، وهو عز وجل قديرٌ على نصرهم؛ ذلك أنهم أصحاب حق واضح، وأنهم قد وقع عليهم الظلم؛ إذْ قد أُخرجوا من ديارهم بغير حق، والحرب إنما فُرِضت عليهم ولم يسعَوْا إليها، ولم يكن لهم من ذنبٍ إلا أنهم أَبَوْا أن يكونوا عبيدًا إلا لله رب العالمين.
هذه الآيات تؤسس قانونًا إلهيًّا لا يتبدَّل، وسنةً ربانيةً لا تتغير، وهي أن الحقَّ المظلومَ منتصرٌ بلا شك، وأن الباطلَ الظالمَ مهزومٌ بلا شك ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81)؛ فميزان النصر الرباني في المعركة ليس قائمًا على القوة والعُدَّة، وإنما هو قائم على الإيمان بالحق وطلب الإنصاف والعدل.
وإذًا فلا أمل بعد الله تعالى في إزالة الغمة التي أصابت الأمة، وفي كشف الكربة إلا بالجهاد والمقاومة بكل أشكالها؛ مهما تكن القوة غير متكافئة مع العدو، طالما.
﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 249).
حصل هذا في غزوة بدر مع المشركين، وفي موقعة حطين مع الصليبيين، وفي معركة عين جالوت مع التتار، وقريبًا في معركة تموز 2006م في جنوب لبنان؛ ففي كل هذه المعارك اندحر الباطل المدجَّج بالسلاح أمام الحق المؤيد من السماء.
وبهذا الجهاد يعلو الحق، ولا تعطي الأمةُ الدنِيَّةَ في دينها، ولا يستهينُ بها أعداؤها، وبذلك تجمع عزَّ الدنيا ونعيمَ الآخرة بإذن الله، وهذا هو ما نستبشر به اليوم ونحن نرى بشائر النصر للأبطال المجاهدين في غزة هاشم؛ الذين استمسكوا بحقهم وبأرضهم وبدينهم وبمشروعهم الجهادي الرافض للذلة، واعتُدي عليهم، ولم يسعوا إلى الاعتداء على أحد.
الروح المعنوية العالية يدرك المجاهدون الأبطال أن ألفَ معركة خاسرةٍ في ميدان الحرب مع الأعداء أهونُ من معركة واحدةٍ خاسرةٍ مع النفس، ولذلك فقد بدأوا بكسب معركة النفس، ونجحوا في تربية جيل من المؤمنين على معاني الإيمان والعزة والشجاعة والثقة بنصر الله للمؤمنين، ولم تؤثر فيهم خطابات التخذيل ودعوات الرضوخ والاستسلام، وادعاءات القوة القاهرة لعدوِّهم؛ فهم يرون أن الله أكبر من خلقه جميعًا، وأنه مصدر القوة التي لا تُقهر ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)، ولهذا عقدوا مع الله الصفقةَ الرابحةَ التي ندب الله إليها خيارَ عباده أولي العزم من المؤمنين؛ فقال عز وجل ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111).
إن هذه الروحَ المعنويةَ العاليةَ وهذا الإيمانَ القويَّ المتدفقَ في النفس لهو أعظم أسباب النصر جميعًا، ولا تزال الجيوش النظامية تقدِّر هذا العاملَ الرُّوحيَّ وتعدُّ القوةَ الروحيةَ والنفسيةَ القسمَ الأعظم من القوة؛ حتى إن أقل خبراء الإستراتيجيات العسكرية تقديرًا للقوة المعنوية يجعلها لا تقل عن خمسين في المائة من قوة الجيش؛ في حين يرى آخرون أنه مع تعاظم إنتاج الوسائط القاذفة التي قلَّلت من المواجهات الحربية بين الجنود؛ فإن القوة المعنوية لا تقل عن ثلاثة أرباع القوة.
ويكاد واقع الجهاد اليوم في فلسطين ينطق بأن تلك القوة الروحية تتجاوز التسعين في المائة، ويدرك المجاهدون أن ذلك لا يُغني عن حسن الاستعداد والإعداد وحسن التدريب بقدر طاقتهم؛ استجابةً لأمر الله عز وجل ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، وهم يدركون أنهم بهذه الروح المعنوية العالية، وبهذا الإيمان العظيم، وبهذه الثقة التامة في الله، وبهذا التدريب الجيد والاستعداد المناسب في حدود طاقتهم.
سيدركون النصر بإذن الله، وها نحن نرى بشائره بفضل الله.
ولئن كان العدو متفوقًا في استخدام الطائرات والمدرَّعات وفي عدد الجنود، ولئن كان حريصًا على إصابة المجاهدين بالصدمة والرعب من خلال إلقاء مئات الأطنان من المتفجرات على رؤوس الشعب الأعزل واستخدام كافة الأسلحة البرية والبحرية والجوية.
فإن المجاهدين لم يكونوا ليهتزوا لهذا العمل الغاشم أو ليضعفوا أو يهنوا أمام هذه القوة الضخمة، وها هم يُطلقون الصواريخ في الوقت الذي تحلِّق فيه الطائرات وتدخل فيه القوات البرية دون أن يتمكَّن العدو الصهيوني من إسكات هذه الصواريخ أو منع إطلاقها، وها هي تصيب بالرعب عشرات ومئات الألوف من سكان المغتصبات، بعد أن قتلت ولا تزال تقتل عددًا منهم وأصابت عددًا آخر بجروح، ودمَّرت عددًا من المنشآت، وها هم المجاهدون يقنصون ويأسرون من جنود العدو بصورة تذهل كل المتابعين.
ولئن كان العدو الصهيوني قد بدأ هذه الحملة الشرسة؛ فإن من سيَكتب نهايتها إن شاء الله هم المجاهدون؛ الذين يقاومون هذا العدو بكل قوة وثبات ويذيقونه الويلات، والنصر إن شاء الله للمؤمنين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وهنا لا بد من توجيه التحية للشعب الفلسطيني البطل: أيها الشعب البطل الكريم شعب فلسطين.
لا يملك أي منصف إلا أن يقدم لكم تحية الإجلال والتقدير على ما تقدمونه من صمودكم وثباتكم وصبركم وموقفكم المشرف في احتضان الجهاد والمقاومة؛ ففي كل الحروب في أنحاء الدنيا نرى أفواج اللاجئين الذين يغادرون بلادهم هربًا من نار الحرب، ولأول مرة في تاريخ الحروب يحرص الشعب المعتدَى عليه على التشبُّث بأرضه، ويمتنع من الخروج منها أو اللجوء لغيرها، وإن الإنسان ليُدهَش وهو يرى النساء والرجال الصغار والكبار يعودون إلى غزة في ظل القصف، مؤكدين أنهم يفضِّلون أن يُستَشهَدوا في وطنهم على أن ينعموا بالعيش في غيره، وهم بذلك يقدِّمون ردًّا واقعيًّا عمليًّا قويًّا على أولئك الذين احترفوا الافتراء على المجاهدين، وزعموا أنهم يريدون أن يخرجوا من غزة ليعيشوا في ملاجئ في سيناء، ويرسموا واقعًا جغرافيًّا جديدًا.
إن هذا الشعب الكريم الذي يقدم هذا النموذج الاستثنائي لجديرٌ بدعمه بكل أصناف الدعم المادية والمعنوية؛ ليبقى على هذا الصمود والثبات والاحتضان للمقاومة، وهذا واجب كل الشعوب العربية والإسلامية وكل الشعوب الحرة في هذا العالم أن تقول: لبيك فلسطين، لبيك غزة.
وهنا لا بد أن نقدم التحية لكل الشعوب الحية عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا؛ فقد خرجت المظاهرات الداعمة لجهاد الشعب الفلسطيني في أنحاء الدنيا.
أيها المجاهدون الأبطال.
أحييكم يا من رفعتم رأس الأمة، وأبشِّركم بالنصر القريب، وأذكِّركم بقول الله تعالى ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ* وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 146- 148).
كما أذكِّركم يا من تتاجرون مع الله بأنفسكم بما وعد الله المجاهدين من الربح والنصر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الصف: 10- 13).
وأبشِّركم بأنكم أنتم المؤمنون على الحقيقة ﴿والَّ ذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال: 74).
وأنتم أعظم الناس درجة، وقد وعدكم بالفوز ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ (التوبة: 20- 21)، وقد وعدكم الله بأن يهديكم سبيل الحق والهدى ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69).
وهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري يؤكد أنكم أفضل الناس حين سئل: أيُّ الناس أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله "، ويعلن ضمان الله للمجاهدين فيقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: " انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ- لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي- أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّة َ"، ويبين لكم عظيم مقامكم عند الله فيقول رسول الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: " إنَّ في الجنة مائةَ درجةٍ أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ".
فامضوا في طريق العزة والجهاد ونحن من ورائكم، ونحن فئتكم، وثِقُوا تمامًا بنصر الله إياكم، وبأن عمقكم العربي والإسلامي كله يحتضنكم بقلبه، ويعتبر نفسه فئتكم التي تنحازون لها، وتطمئنون إلى دعمها، وقد رأيتم تلك المظاهرات المليونية التي خرجت في تركيا والمغرب، ومئات الألوف التي خرجت في الأردن ومصر وكل البلاد العربية والإسلامية، بل وفي بريطانيا وأمريكا وأوربا، ولو أُتيح لكل شعوب العالم العربي والإسلامي أن يعبِّروا عن رأيهم لخرج مئات الملايين يؤكدون دعمهم لكم، بل لو أُتيح لهم أن يصلوا إليكم ويجاهدوا معكم لما تأخر عشرات الألوف الذين يتحرَّقون شوقًا للجهاد معكم، وصدّ العدوان عنكم.
وهنا أقول لأمتنا العربية والإسلامية: لقد أثبت أبناء الأمة بتحركاتهم الرائعة أن جذوة العروبة والإسلام لا تزال مشتعلةً في النفوس، وأن إحساس المسلم بأخوَّة الإسلام وما تستتبعه من حقوق وواجبات إحساس حي يقظ، وأنه قد أدرك حقيقة المعركة في غزة وفلسطين، وأنها ليست حربًا بين حماس والكيان الصهيوني، ولكنها معركة بين الإسلام ومشروعه الجهادي من جهة، وبين الباطل ومشاريعه الاستعمارية من جهة أخرى، وقد أَبَتْ أمريكا كعادتها إلا أن تنحاز انحيازًا سافرًا وأعمى للباطل الذي يردده الصهاينة، كما أبت رئاسة الاتحاد الأوروبي إلا أن تخرج عن نفاقها المعتاد وتعلن انحيازها للصهاينة، وتبرِّر العدوان البري وتصفه بأنه دفاع عن النفس!.
وهكذا ينكشف المشروع العالمي المتآمر على الإسلام والمسلمين، وبهذه المناسبة فإننا نقدِّر مواقف الشعوب الأوروبية المندِّدة بالعدوان الصهيوني، كما نقدِّر مواقف بعض الساسة الأوروبيين؛ الذين استجابوا للحق وندَّدوا بالعدوان ودعوا إلى معاقبة الكيان الصهيوني على جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني.
أقول: يا شعوبنا العربية والإسلامية.
لقد ظهر الصبح لكل ذي عينين، وتميَّزت المواقف بوضوح، وصار واضحًا من يقف مع الحق ومن يدعم الباطل، وعلى كل صاحب رأي وعلى كل صاحب موقع أن يحدد موقفه، وعلى كل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية أن تبرهن على إيمانها بما تدَّعي من حماية حقوق الإنسان، وليعلم الجميع أنه: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: من الآية 179).
واجب الشعوب نحو فلسطين يبقى أن أقول لشعوبنا وأمتنا: إنكم بمواقفكم الرائعة هذه، وبصحوتكم وهبَّتكم المباركة، قد بدأتم طريق النصر والعزة، فاثبتوا على هتافكم الحر: (لبيك فلسطين)، واستكملوا مع المجاهدين في الميدان مشوار النصر؛ من خلال نصر الله تعالى في أنفسنا؛ بالتزامنا بمنهج الله، ومعايشة أحوال المجاهدين، والقنوت والدعاء في الصلوات، وبخاصةٍ في صلاة الليل، وفي النصف الأخير منه على وجه الخصوص، والجهاد بالمال، ونشر القضية والتعريف بها في كل مكان؛ باعتبارها قضيةً إسلامية، وتعريف الأجيال الناشئة من أبنائنا وبناتنا بأصل القضية، وأنها قضية احتلال صهيوني لأرض الإسلام، واغتصاب ظالم للديار والأموال، وأن تحرير هذه الأرض المباركة أمانةٌ في عنق كل مسلم، وواجبٌ شرعيٌّ يسأل عنه كل مسلم، وبالمقاطعة للسلع والبضائع الصهيوأمريكية، وباستمرار المشاركة الإيجابية في الفعاليات والأنشطة المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وإعلاء روح الجهاد في النفس، بقراءة آيات وأحاديث الجهاد وتفسيرها ومعرفة فضل الشهادة والشهداء ونشر قصص الاستشهاد والتذكير بها باستمرار.
إلى الدعاة وعلماء الأمة.
نقدر هذا الجهد العظيم الذي يقوم به وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ الذي يضع قادة الأمة أمام مسئولياتهم في حماية شعب فلسطين، وندعو سائر علماء الأمة ودعاتها إلى مواجهة الإحباط واليأس الذي قد يتسرَّب إلى قلوب الجماهير، وبثّ الأمل في النفوس، والتأكيد على الثقة بالله سبحانه وتعالى، وإعادة الثقة بالنفس فرديًّا وجماعيًّا، وبقدرتها على المواجهة الإيجابية، وإشاعة روح الجهاد في الأمة، والدعوة إلى تحويل المشاعر والعواطف تجاه ما يحدث في فلسطين وغزة هاشم إلى أفعال إيجابية ومؤثرة؛ تتمثل في تقديم الدعم المادي للفلسطينيين.
إلى قادة الأمة من الحكام والمسئولين.
نقدِّر كثيرًا موقف أمير دولة قطر الذي دعا إلى العودة لقمة عربية توحد الموقف العربي، وتجعله داعمًا للشعب الفلسطيني البطل، وخيرٌ لكم أيها السادة أن تنحازوا لشعوبكم وأمتكم؛ فهذه فرصتكم في كسب ثقة الأمة والخروج بها من حالة السلبية والانهزامية، وسيُكتَب هذا في تاريخكم بحروف من نور، أما إذا بقيتم على ترددكم وتخاذلكم ومفاصلة شعوبكم؛ فاعلموا أن الشعوب لن تنسى، وأنه سيأتي يوم قريب تعاقب فيه الأمة أعداءها من الصهاينة ومن واطأها على عدوانها وظلمها، فنرجو ألا تكونوا في المكان الخطأ، وقد أثبت المجاهدون صمودًا وثباتًا أسطوريًّا، جديرًا بدعمكم حتى يتحقق النصر القريب إن شاء الله.
وأخيرًا نقول: لبيك فلسطين، لبيك غزة، نحن على عهدنا مع المجاهدين، وصبرًا وثباتًا أيها المجاهدون الأبطال؛ فإنما النصر صبر ساعة، ويقيننا لا حدود له بوعد الله تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ* سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (القمر: ٤4- ٤5).
وندعو مع النبي صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم ْ" ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227).
والله أكبر ولله الحمد.