تحيةً لصمود غزة
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين دماء الشهداء لم تذهب سدى فهي التي سرت في شرايين الأمة فأحيتها وأنارت لها الطريق فعرفت العدو من الصديق والمُعتدِي من المُعتدَى عليه.وهي التي بعثت الروحَ في جسد الأمة، وأنعشت فيها روح الجهاد، فتنادت بصيحات "هُبِّي يا ريح الجنة" ويا "خيل الله اركبي".
وهي التي حرَّكت الشعوبَ والجماهيرَ في شتى أركان المعمورة لتعيد قضية فلسطين إلى الواجهة والصدارة بعد أن كاد يلفها النسيان.
وهي التي أعادت الثقةَ إلى الشعوب بنفسها وبقدرتها على مقاومة الظلم والطغيان.
وهي التي أعطت دروسًا للأمة في أن نهج المقاومة هو الوحيد القادر على وقف العدوان واسترداد الحقوق.
حماس حققت انتصارًا فعليًّا الآن، وبعد أن انجلى غبار المعركة في غزة ماذا تحقق من أهداف العدو الصهيوني؟ لقد كان يهدف من وراء تلك الحرب إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وتخضيد شوكة المقاومة، وإسقاط حماس، وإيقاف ضرب الصواريخ على المدن والمغتصبات، ووقف وصول الأسلحة إلى المقاومة.
فهل نجح في ذلك؟ لقد واجه الشعبُ الفلسطيني في القطاع العدوانَ الشرسَ بصمود الأبطال وثبات الجبال، ورغم التضحيات الهائلة التي قدَّمها في البشر والشجر والحجر إلا أن إرادته لم تهن وعزمه لم يلنْ، ولم تسقط حماس بل ازدادت قوةً ورسوخًا في ضمير الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي بل والعالم أجمع, أما صواريخ حماس فلم تتوقف حتى أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده "أولمرت" لوقف إطلاق النار, كما فشل العدو الصهيوني في الوصول إلى مواقع الصواريخ وعاد أدراجه يجر أذيال الخيبة والفشل، كما فشل في عدوانه على لبنان في يوليو- أغسطس 2006م.
أما بالنسبة لحماس فقد وقفت بكل جلال الإيمان وعظمة الصمود والشموخ فيما يشبه الأسطورة أمام أقوى رابع جيشٍ في العالم وبعد حصارٍ دام لسنوات دون سندٍ أو ظهير، بل إن الظهيرَ نفسه لم يصمت ولم يكن- حتى- محايدًا، بل ساهم في إحكام الحصار.
ومن هنا ووفقًا لموازين عدم التكافؤ الإستراتيجي يُصبح مجرَّد الصمود والثبات أمام هذه الآلة العدوانية المتوحشة لأكثر من ثلاثة أسابيع انتصارًا فعليًّا.
إن حماس في معركة غزة كانت الطليعة ورأس الحربة التي أوقفت العدوان دفاعًا عن الأرض والمقدسات، ومن أجل حق الشعب الفلسطيني في حياة حرة كريمة، ليس هذا فقط، ولكن أيضًا دفاعًا عن كرامة الأمة وشرفها، وعلى الأمة العربية والإسلامية أن تعد العدة علميًّا وتقنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وحضاريًّا لمعركة قادمة مع هذا العدو، والذي سيحاول فيها أن يستعيد هيبته وثقته في المؤسسة العسكرية سواء أمام مواطنيه أو أمام العالم.
فجر ينبلج وجيل يتخلق إنني أطالب الأنظمة والحكومات العربية أن تعيد قراءةَ الأحداث، وأن تُراجع إستراتيجيتها من جديدٍ، وأن تراهن على المقاومة والصمود؛ حيث إنها هي وحدها القادرة على حسم المعارك ضد الطغيان والاستكبار, فرغم ضخامة أعداد الشهداء والجرحى فإن أداءهم في أي مواجهة قادمة إذا ما امتلكوا الحد الأدنى من الأسلحة الدفاعية سيكون مفاجئًا, فالجيل القادم من أبناء القطاع الذي سيتكون من أطفال شاهدوا مجازر آبائهم وأمهاتهم وأشقائهم وشقيقاتهم سيكون الأشرس والأكثر شجاعةً وإقدامًا واستيعابًا لطبيعة المرحلة، والأقدر على التعامل مع عدو لا يفهم سوى لغة القوة.
ومن وسطِ النار والدم والعنف والركام والضحايا فإن فجرًا جديدًا ينبلج وجيلاً جديدًا يتخلق في مواجهة الهيمنة الصهيونية ومع كل طفلٍ فلسطيني قُتل قي غزة سيُولد بالمقابل عشرات المقاومين والاستشهاديين، وليزرع الصهاينة ما شاءوا فلن يحصدوا سوى الموت والدمار.
المؤامرة على سلاح غزة إن المؤامرةَ تجري الآن على قدمٍ وساقٍ لمنع السلاح عن أبطال المقاومة في غزة وحرمانهم من وسائل الدفاع عن أنفسهم ومحاولة تحويل انتصار غزة إلى هزيمة؛ حيث اجتمعت وزيرة خارجية الصهاينة مع نظيرتها الأمريكية وأصدرتا وثيقة تفاهم لمنع السلاح عن غزة, ثم أعقبتها قمة "شرم الشيخ" المصرية الأوربية؛ حيث عرضت بعض الدول المشاركة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا إرسال سفن حربية للشرق الأوسط للمساعدة في منع حماس من تلقي شحنات الأسلحة.
وإنني لأعجب كيف تجتمع الدول لمنع السلاح عن الضحية المعتََدَي عليها ولا تجتمع لمنعه عن المعتدِي الذي يمتلك أسلحة الدمار الشامل، فضلاً عن جميع الأسلحة المحرمة دوليًّا؛ ذلك لأننا نعيش في عالم الغاب الذي انعدمت فيه القيم والأخلاق ونعيش عصر الانحطاط والسقوط الذي تمثله مدنية الغرب التي تُشنِف آذاننا ليلَ نهارَ بميثاق حقوق الإنسان، وهي أول من تَخرقه وتمزقه.
على الشعوب أن تظلَّ مستيقظة إنني أتوجه إلى شعوبنا العربية والإسلامية، وأقول لها إن المعركةَ بدأت ولم تنتهِ، وأُناشدها أن تظلَّ مستيقظةً وساهرةً، فحجم المؤامرات كبير ومحاولة إجهاض هذا النصر العظيم الذي تحقق تجري على قدمٍ وساقٍ، ومحاولة النيل من حماس وقدرتها وتشويه صورتها لا زالت تجري عبر الأبواق الإعلامية لما يُسمَّى بمحور الاعتدال العربي، والذي خرج بخسارةٍ كبيرةٍ أنهت مصداقيته بسبب انحيازه المبطن للعدوان الصهيوني على غزة.
إن القضيةَ لم تنتهِ وسيظل أهل الحق مرابطين ومستعدين لدحر الباطل ودمغه حتى يزهق مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)﴾ (الأنبياء).
ما زال الحصار قائمًا ولم تُفتح المعابر بعد، وبخاصة معبر رفح؛ حيث يعتبر الأخير هو الرئة والنافذة التي يطل منها أهل القطاع على الحياة وعلى العالم، وبالتالي لا بد أن تتوالى الضغوط السياسية والإعلامية والجماهيرية في كل مكانٍ حتى يفك الحصار وتفتح المعابر وترفع المعاناة عن غزة بإذن الله، ولا بد أن تكون هناك ملاحقة شعبية لمجرمي الحرب الصهاينة وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية.
نحن مقبلون على معركة إعمار ربما لا تقل شراسةً- من الناحية السياسية- عن معركة العدوان، وغني عن البيان أن توفر الدعم المادي والعيني للإعمار لا يعني أن المشكلةَ أصبحت سهلةً، ولكن لا بد من العمل على توفر أفق سياسي يرتقي إلى مستوى المسئولية الأخلاقية والإنسانية والشرعية والوطنية، والتي تصطف مع المقاومة في خندقٍ واحد، ولا تنتقص من رصيدها الذي تحقق على الأرض، وساعتها يمكن القول إننا بدأنا نمتلك مفتاح إدارة الصراع مع العدو على النحو الصحيح، والله المستعان وعليه التكلان.
وإن غدًا لناظره قريب.