الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 حاجة البشرية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم

حاجة البشرية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم

  رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين بسم الله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على خير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله؛ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير.
  وبعد.

فها هو شهر ربيع الأول يهلُّ علينا ليذكِّرَنا بميلاد النور الهادي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
  لقد جاء الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا وهي ممتلئة فسادًا وضلالاً، فجاء برسالة الإصلاح والهدى.

  جاء صلى الله عليه وسلم والناس فريقان: ظالم عاتٍ متجبِّر، يملك كل شيء، ويملأ الأرض عُلُوًّا وفسادًا، ومظلوم مقهور محروم، لا يستطيع حتى أن يُطالب بحقه، واستمرأ الظالمُ ظلمَه، واستكان المظلوم لما يقع عليه، وشاع في الناس مقولة عجيبة، قالوا: نحن عبيد من ملك!.
  على مستوى الدولتين الكبريين فارس والروم، كانتا تتقاسمان الاستعمار لكثير من أمم الأرض، وتحتكران النفوذ على الدنيا، وتمتصَّان ثروات الشعوب المقهورة والأمم المستعبدة، وتصنعان من أبناء الأمم المستضعفة وقودًا لصراعهما الدامي، وينظران إلى الشعوب الأخرى نظرةً عنصريةً استعلائيةً.
  أما على مستوى الأمة العربية فقد كان القادر على الظلم يرى أن قدرته عليه مبعثُ فخره، فيتفاخر بأنه قادرٌ على أن يَظلم ولا يُظلم، وعلى أن يُفسد ولا يناله عقاب!، وأما المظلوم فكان يُتَمَلَّك ولا يَمْلِك، وعاش هذا الحال ساكنًا ومستكينًا، فما رقَّ قلبُ الظالم وما لان، وما سَمَتْ همةُ المظلوم ليستعيدَ إنسانيَّتَه ويبحث عن حقه!.
  ولم يكن أحدٌ يخطر بباله أن يُصلِح هذا الفساد، أو أن يقوم ليهزَّ هؤلاء الناسَ ويُعيد إليهم رشدهم، أو يعيدهم إلى رشدهم، ولم يجرؤ أحد أن يقوم فيقول للناس: ما أنتم فيه ضلالٌ يجب أن تخرجوا منه!! ما أنتم فيه فساد يجب أن يُصْلَح!.
  ورغم ذلك كله لم تعدم البيئة العربية آنذاك شيئًا من مروءة وشهامة ورجولة.

كما أنها لم تكن خاليةً تمامًا ممن يتطلعون إلى نصرة المظلومين أو إجارة الذين انقطعت بهم السبل دون الوصول إلى حقهم، كإجارة المطعم بن عدي للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف، وما حلف الفضول إلا صورة من تلك الصور النادرة!.
  هكذا كانت الحياة قبل أن يُطِلَّ محمد صلى الله عليه وسلم على الدنيا برسالة الخير والحق والعدل، فلما أذن الله لهذه الظلمات أن تنكشف، ولهذا الفساد أن ينقشع ابتعث محمدًا صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليه أعظم رسالة ختم بها الرسالات.
  جاء الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى البشرية، فبدأ مشروعًا إصلاحيًّا جديدًا، أراد أن يُصلح به الناس، ويصلح لهم دينهم ودنياهم، آخرتهم وأولاهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا يدعو ربه فيقول: "اللهمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي" (أخرجه مسلم)، وهو بهذا يختصر رسالته، فرسالته جاءت لإصلاح الدين والدنيا والآخرة، ليسعد الناس في دنياهم وفي آخرتهم.
  رسالة المساواة الإنسانية كانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحةً في المساواة بين الخلق ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)(الحجرات)، وقائمةً على أساس واضح "أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى" (أخرجه أحمد بسند صحيح).
  رسالة الوحدة الإنسانية كانت دعوته صلى الله عليه وسلم صريحةً واضحةً في أن هذا الإسلام هو دين الأنبياء والرسل، وليس دين محمد صلى الله عليه وسلم وحده، ولهذا فحين يؤمن الإنسان بالإسلام فإنه يؤمن بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وسائر أنبياء الله أجمعين ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ (الشورى: من الآية 13).
  رسالة الحرية والوحدة وترك العصبية كانت دعوته صلى الله عليه وسلم حربًا على كل صور العدوان والاستبداد السياسي والفكري والعقلي والاجتماعي.

حربًا على كل صور الظلم التي تقع في المجتمعات، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)(الإسراء).

كانت هذه الدعوة الكريمة حربًا على التعصب للجنس أو القبيلة أو العائلة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ (أي كبر) الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ (الخنافس) الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ" (أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن)، فلا فرق بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وعجمي، ولا بين قرشي وحبشي، وهذا أمر يقبله العقل السليم، وترضاه الفطرة المستقيمة، فالإنسان هو الإنسان، له كل الحرية، له كامل الكرامة.
  وحتى حين ضاعت البشرية في متاهات الانحراف، وأضاع الناس حقائق الحرية واستعبد بعضهم بعضًا وصار الرقُّ نظامًا شائعًا في مجتمعات الدنيا جاء الإسلام يفتح كل آفاق الحرية، ويقنِّن التحرير لكل من أراد أن يتحرر، فأوجب تحرير من يطلب حريته ويريد شراء نفسه، وسمي هذا مكاتبة ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ ، بل أمر بمساعدته على ذلك ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: من الآية 33).
  جاء ليرفع الكرامة الإنسانية إلى أعلى مستوى، وليقف ضد كل أسباب الظلم التي حصلت في هذا العالم من تعدي فئة على فئة أو طائفة على طائفة، وليمنع كل أسباب التميز الخاصة التي ادعاها بعض الناس، وليساوي حتى بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين غيرهم من الناس.
  رسالة العدالة المطلقة كانت دعوته صلى الله عليه وسلم دعوة إلى العدالة المطلقة حتى مع المخالفين في الدين والملة والمنهج، ودعوة صريحة إلى تقديم الحق على أهواء النفوس وعلى العواطف والعصبيات، فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)(المائدة)؛ أي لا يحملنكم بُغْضُكم لبعض الناس على أن تحيفوا عليهم أو تظلموهم؛ بل يجب على المسلم أن يعدلَ حتى مع هؤلاء المخالفين في العقيدة أو المذهب أو الجنس.
  وحتى حين صدتهم قريش ظلمًا وعدوانًا عن الاعتمار والطواف بالمسجد الحرام نهاهم الله عن رد الظلم بظلم آخر فقال ﴿فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ (المائدة: من الآية 2).
  رسالة الصبر حتى على أذى المخالفين بل تجاوز الأمر ذلك إلى الصبر على أذى أهل الكتاب الذين يعيشون بين المسلمين ما دام هذا الأذى منحصرًا في الأذى النفسي أو في بعض الكلمات المؤذية، ولم يصل إلى حد الخروج على نظام الأمة أو مظاهرة العدو عليها، فقال تعالى ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)(آل عمران).
  بل كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يخوف الذين يتصورون أن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ناقصو الحقوق، فيقول: "مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا وَانْتَقَصَهُ وَكَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (أخرجه أبو داود بسند صحيح) أي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو الذي سيقف مع الذمي ويدافع عنه ضد المسلم.
  رسالة الحماية للحق والدفاع عنه أما حين يخرج هؤلاء على نظام الأمة أو يعتدون عليها أو يظاهرون الأعداء عليها فلا مجال للتهاون ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)(الممتحنة).
  ما أشبه الليلة بالبارحة! حين نقلب النظر في عالم اليوم نرى ردة جاهلية إلى قيم الظلم والإفساد، فمنذ أن تأخرت الأمة التي حملت قيم الرسالة المحمدية وجاهدت بها العالمين وأرست دعائمها في الخافقين، وتقدمت أمم الغرب تقدمًا ماديًّا، ومالت كفة ميزان القوة لصالحها، انطلقت تستعمر أمم الشرق، وتنهب ثرواتها، وتعمل على محو هوياتها، وتجتهد في طمس ثقافاتها، وترتكب في سبيل ذلك مجازر وحشية، وهو استعمار عانت منه سائر أمم آسيا وإفريقيا، حتى أعلنت البشرية عن رغبتها في التواصل والعيش المسالم، وأعلنت عن قيام كيانات دولية لرعاية الحقوق عقب حروب كونية دامية حصدت أرواح عشرات الملايين، فأعلن عن قيام الأمم المتحدة، وعن إنشاء مجلس الأمن، وغير ذلك من المؤسسات التي تدعو في ظاهرها إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة الإنسانية، لكن ذلك ظل شعارات فارغة بلا مضمون، وبقيت القوة العسكرية الهائلة التي تمتلكها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا هي التي تتخذ القرارات التي تتحكم بمصير العالم، بصورة عنصرية منحازة، وشواهد هذا الانحياز كثيرة لا تخطئها عين مراقب.
  قضية فلسطين والانحياز الظالم إن أوضح صورة لهذا الانحياز الظالم تتمثل في إقامة الكيان الصهيوني المسمى دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين.

فهي دولة لا أصل لها، ليست شعبًا عاش على أرض وارتبط بها فكان له كيان طبيعي، بل هو مجموعات من العصابات المجرمة من عناصر شتى من دول مختلفة، لا يربطها إلا الفكرة الصهيونية، تركت بلادها الأصلية لتقيم كيانًا مخترعًا على أرض فلسطين، على حساب شعب فلسطين، أنشئ بقرار دولي ظالم عام 1947م، بمباركة من الدول الكبرى الاستعمارية وفي مقدمتها أمريكا.
  وبدأت تلك العصابات إنشاء كيانها بمجازر وحشية، وعمليات إبادة وتهجير قسري لشعب فلسطين، تحت سمع العالم وبصره، ولم تكتف بما جاء في قرار التقسيم الظالم أصلاً، بل أمدتها أمريكا ودول الاستكبار العالمي بالأسلحة الهائلة والمتقدمة لتغتال بقية أرض فلسطين وتتجاوزها إلى أراضٍ عربيةٍ أخرى، في حروب متتالية ومجازر متتابعة في سائر الدول العربية المحيطة بفلسطين، متحدية كل القرارات الشكلية التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين، وأعلنت بوقاحة عجيبة رفضها لعودة اللاجئين أو حتى العودة إلى حدود الرابع من يونيه 1967م، دون أن تفكر تلك الأمم المتحدة في اتخاذ خطوات عملية لإجبارها على احترام القرارات التي أصدرتها، مع كونها قرارات ظالمة تعطي من لا حق له ما لا حق لها في إعطائه.
  ظلم عجيب! في كل يوم يكشف العالم الغربي عن نفاق من لون جديد، فبينما يعلن عن الدعوة للديمقراطية والحرية، ويعلن عن حق الشعوب في الدفاع عن نفسها ومقاومة المستعمر لأراضيها؛ فإنه ينكر هذا الحق على الشعوب العربية والإسلامية، وعلى الأخص شعب فلسطين.
  وبينما يتصدى الفيتو الأمريكي لكل قرار يدين الاعتداءات والمجازر الصهيونية التي تطال البشر والشجر والحجر، فإنه لا يجد غضاضةً في وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وبينما لا تتحرك الزعامات الغربية ولا يستفزها منظر الدماء والأشلاء لأطفال فلسطين تحت نار الأسلحة الفسفورية المحرمة؛ فإنها تبادر للاجتماع على عجل لمحاصرة المجاهدين ومنع إيصال السلاح الخفيف إلى أيديهم، ولا تتأخر في إرسال بوارجها وطائراتها واستخباراتها وتقديم تقنياتها العلمية لإحكام الحصار على الشعب المظلوم الأعزل المقاوم.
  وبينما يجاهد مدعي محكمة الجنايات الدولية لاستصدار قرار دولي لإدانة الرئيس السوداني بجرائم إبادة جماعية مختلقة ومفتراة؛ لا تكاد تسمع له ولا لغيره صوتًا عن تقديم القادة الصهاينة لمحكمة الجنايات الدولية وهم الذين ارتكبوا جرائمهم على مرأى ومسمع من القاصي والداني ورآها العالم كله لحظة بلحظة على شاشات التلفزة وسمعها ساعة بساعة على موجات الأثير!   وفي الوقت الذي تجتهد فيه جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات حقوق الحيوان المرتبطة بالمنظمات الدولية في إدانة أي عملية يسقط فيها قتيل غربي أو يهودي؛ فإنها تصمت صمت القبور عما نقلت شاشات التلفزة من جرائم صهيونية وحشية راح ضحيتها آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وراح بعضها يقلب الحقائق، ويبرر العدوان ويزعم أنه دفاع عن النفس، وفي نفس الوقت يدين المقاومة لهذا العدوان ويعتبرها اعتداء غير مبرر! وحتى الذين لم يملكوا أن ينكروا جرائم الصهاينة الوحشية وراحوا- على استحياء- يدينونها لم ينسوا أن يدينوا معها المقاومة الشريفة، فيساوون بين الضحية والجلاد، وهو ما فعلته منظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير.
  الظلم سبب الاضطراب الكوني إن الإخوان المسلمين إذ يتابعون كل ذلك الظلم الذي تمتلئ به ساحات الدنيا ليؤكدون لكل العقلاء في الكون أن هذا الظلم وهذه المعايير الظالمة وهذا الانحياز السافر للظالم هو أهم أسباب الاضطراب العالمي، وهو سبب كل تلك الحروب التي تدور رحاها على امتداد الكرة الأرضية، ولا استقرار في منطقتنا العربية في ظل هذا الكيان الغاصب، وفي ظل هذا الظلم الدولي الذي يمالئ الظالم على ظلمه، ويرفض رد الحقوق لأصحابها، ويقرن شعارات العدالة الإنسانية بالتطبيقات العملية على الأرض.
  العدل وحده سبب الاستقرار الإنساني إن البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى رسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- وإلى القيم التي جاء بها؛ لإسعاد الدنيا وتصحيح مسار البشرية، وإنه لا سبيل لاستقرار الكون إلا بالرجوع إلى القيم التي جاء بها محمد- صلى الله عليه وسلم- من المساواة والحرية والعدالة والإقرار بالحقوق لأصحابها.
فهل يتلقف العقلاء في هذا العالم من السياسيين والمفكرين والحقوقيين هذه الدعوة الكريمة دعوة الحق التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم؟   على عقلاء الدنيا أن يفتحوا لها عقولهم وقلوبهم ليخرجوا من هذا الاضطراب والفساد العالمي الممسك بخناق العباد، فلا تزال دعوته الكريمة معلنة سبيل النجاة ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)(آل عمران: 64).
والله أكبر ولله الحمد.