ألم يئِنِ الأوان لرفع الظلم عن المظلومين؟!!
رسالة من: د.محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا" .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" .
بعد مضيِّ أكثر من ثلاث سنوات حبسًا في القضية العسكرية الأخيرة (2 لسنة 2007 جنايات عسكرية عليا) ألم يئِنِ الأوان لرفع الظلم البيِّن الواضح الذي لحق بالمهندس خيرت الشاطر وإخوانه الكرام حسن مالك وأحمد شوشة وأحمد أشرف وصادق الشرقاوي؛ الذين لا يزالون رهن السجن، ويعانون من أمراض خطيرة تهدِّد حياتهم جميعًا، ويعانون قسوة الظلم والسجن والمرض؟! لقد صاحبت تلك القضية بالذات عدة ظواهر مقلقة ومزعجة ضاعفت شعور الإخوان جميعًا بالظلم، وخاصةً الذين تمَّت محاكمتهم وأسرهم والعاملين معهم والقريبين منهم، بما يؤكد ضرورة المسارعة برفع الظلم ورد الحقوق: أولاً: الإصرار على استمرار المحاكم العسكرية والاستثنائية للمواطنين العاديين؛ ما يمثِّل خرقًا للدستور والقانون، فهذه هي المحاكمة السابعة لعدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين، لم يمارسوا أي أعمال عنف أو تهديدًا بالعنف، ولم يرتكبوا أية جريمة في حق مصر وأمنها، وبذلك يكون مجموع من تمَّت محاكمتهم عسكريًّا (178) أخًا صدر ضد (118) أحكام من محاكم استثنائية وغير مختصة، وبكل المعايير الدستورية والدولية، فهذه أحكامٌ باطلةٌ ساقطةٌ مهدرةٌ من محاكم سياسية على اتهامات سياسية.
ونحن إذْ ندعو إلى وقف تلك الممارسة المشينة لمصر وإلغاء جميع أحكام المحاكم العسكرية في حق المدنيين، فإننا نؤكد ضرورة إلغاء المادة 179 من التعديلات الدستورية الأخيرة التي تقنّن دستوريًّا إنشاء محاكم استثنائية خارج الإطار القانوني الطبيعي؛ ما يهدِّد دولة القانون.
ثانيًا: إهدار أحكام القضاء الطبيعي أكثر من مرة فقد صدرت 3 أحكام ملزمة بإخلاء سبيل هؤلاء الإخوان الكرام، ومع ذلك أصرَّت أجهزة الأمن على احتجازهم باعتقالات إدارية، ثمَّ إحالتهم إلى محاكم عسكرية غير مختصة بمحاكمة المدنيين، وقد استمرت تلك الممارسات في قضايا أخرى؛ ما يهدِر أحكام القضاء ويفقد المواطنين الثقة في القضاء العادل ويهدِّد استقلال القضاء.
ثالثًا: القسوة البالغة في الأحكام والتي وصلت للمرة الأولى إلى أحكام بالسجن لعشر سنوات على متهمين غائبين؛ بهدف منعهم من دخول البلاد، ثم أحكام بسبع سنوات على المهندس خيرت الشاطر والأستاذ حسن مالك، والإصرار على تأكيد تلك الأحكام مع مرحلة النقض العسكري، والتي كان الجميع ينتظر منها أن تعيد الأمور إلى نصابها المعقول؛ بما يخفف الظلم الفادح الواقع على هؤلاء الإخوان، وبما يوضح أن مرحلة النقض ليست بأفضل من المرحلة الأولى، وأنه لا يتمَّ إطلاقًا تطبيع القضاء العسكري وإحالته إلى قضاء طبيعي، بل ظلَّ محتفظًا بطابعه الاستثنائي الخاص الذي يجب أن يظلَّ في إطار محاكمة العسكريين فقط، ويجب ألا يتدخَّل في محاكمة المواطنين الطبيعيين أبدًا بحال من الأحوال.
رابعًا: العقاب الجماعي والاقتصادي لكل العاملين في الشركات الخاصة برجال الأعمال الذين زخرت بهم هذه القضية بالذات، والتي أدَّت إلى خسائر فادحة لتلك الشركات، وهؤلاء جميعًا- حتى الذين حصلوا على البراءة- ما زالوا يعانون من غلق شركاتهم، وتجميد أموالهم وأرصدتهم في البنوك، وتعليق أعمالهم السابقة ومطاردتهم في أرزاقهم، رغم صدور عدة تقارير رسمية بتبرئة شركات هؤلاء الإخوة ومؤسساتهم من تهم غسيل الأموال الظالمة، وكانت سببًا في تشويه متعمَّد لكفاح هؤلاء الإخوة وعصاميَّتهم.
هذا ظلمٌ لمئات الأسر التي تسعى بجد وتكدُّ بدأب في سبيل الرزق الحلال وتعمل من أجل تنمية مجتمعهم ورفعة شأنه.
ونحن نناشد أصحاب الفكر جميعًا التصدي إلى تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدِّد التنمية والاستثمار في مصر وتطرد المستثمرين خارج البلاد؛ حيث تُدمّر مؤسساتٍ اقتصاديةً رائدةً لخصومة سياسية ظالمة، كما نطالب بإعادة الأموال المغتصبة وفتح الشركات المغلقة إلى أصحابها.
خامسًا: العقاب على النجاح.
كانت هذه القضية بالذات عقابًا للإخوان المسلمين على نجاحهم الكبير في انتخابات مجلس الشعب 2005م؛ أي قبل سنة واحدة من تفجير تلك القضية الظالمة، عقابًا لكل من أسهم في نجاح المرشحين أو من تظن به أجهزة الأمن أنه أسهم في دعم مرشحي الإخوان بأية طريقة، والله تعالى يقول: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾ (الرحمن: 60)، بينما يقول النظام في بلدنا إن جزاء النجاح هو العقاب للأبرياء ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل: من الآية 56).
وفي هذا- لو يعلمون- إنهاءٌ للحياة السياسية تمامًا، ورسالةٌ لكل الفاعلين السياسيين؛ مفادُها أنه لا أملَ في إصلاح دستوري وسياسي؛ ما يفقد الشعب والقوى السياسية الثقة في كل شعارات الإصلاح.
سادسًا: خلق عداوة بين الأزهر وبين الإخوان، حاولت أجهزة الأمن بكل دأب زرع عداوة بين الأزهر الشريف كمؤسسة تعليمية دينية وقياداتها، وبين الإخوان المسلمين كهيئة شعبية إسلامية وشباب الأزهر من أساتذته من المقتنعين بفكر الإخوان المسلمين الوسطي المعتدل؛ الذي شهدت له الدراسات الموثقة في جامعة الأزهر الشريف والتقارير الرسمية الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية، ولا يمكن للإخوان أن يُستدرَجوا إلى عداوة مصطنعة مع أية هيئة إسلامية أو جماعة إسلامية، وإن اختلفت معها في بعض الفروع الفقهية أو الآراء السياسية، فنحن يجمعنا مع كل من يعمل من أجل رفعة الإسلام وإعلاء شأنه حب وإخاء وتعاون وولاء.
سابعًا: الدور المشبوه الذي لعبه بعض المنتسبين للإعلام في هذه القضية، والذي أسهم في خلق صورة ذهنية سلبية ومشوهة للشباب البريء الذي بدأت القضية باستعراضه الرياضي لفنون الدفاع عن النفس، كالكاراتيه والكونغ فو، والذي تسبَّبت الأقنعة السوداء في التلبيس على الرأي العام، بينما كان الظن بالإعلام الحر أن يجلي وجه الحقيقة بحوارات مع الشباب وإظهار نيتهم الصادقة واهتمامهم بقضايا وطنهم المصري العربي والإسلامي وباستثناء عدد محدود من الإعلاميين، فقد سارع أغلبيتهم في استثمار مناخ الإثارة والتهييج تليفزيونيًّا وصحفيًّا؛ ما أدَّى إلى مشاركتهم الفعلية في الظلم الواقع على الشباب الذين برَّأتهم في النهاية أجهزة التحقيق فلم يتمَّ تقديمهم إلى المحاكمة، وبقي الظلم الفادح البين الذي وقع على قيادات الإخوان القابعين الآن خلف الأسوار من أساتذة جامعات ورجال أعمال شرفاء وقادة شعبيين، والسؤال الآن وبعد مضيِّ تلك السنوات ألا يشعر هؤلاء الذين أسهموا في ذلك الظلم بفداحة ما أقدموا عليه، وضرورة مراجعة النفس، والاعتذار الفعلي لهؤلاء جميعًا ولأسرهم التي ما زالت تعاني من آثار الظلم، وستبقى علاقتنا برجال الإعلام جميعهم ووسائل الإعلام كافةً تقوم على الصدق والمصارحة والإنصاف.
أما الذين تولَّوا كبْرَ هذا الظلم فنقول لهم بادروا برفع الظلم ورد الاعتبار للمظلومين؛ عسى أن يخفف ذلك عنكم بين يدي الحكَم العدل الذي يحاسب الناس بمثقال الذرِّ.
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) (الزلزلة: 7-8)، فأحبُّ إلينا أن يقبل الله توبتكم من أن يُنزل بكم عقوبته؛ فنحن صابرون بحول الله وقوته، ماضون إلى ما يحقِّق رفعة ديننا وأوطاننا، لا نسألكم إلا المودة في القربى.
أما أنتم أيها الإخوة المبتلون.
فهنيئًا لكم صبركم الجميل، والله المستعان على هداية كل من أسهم في ظلمكم بردِّ بعض حقكم إليكم، ولن يوفِّي جزاءكم إلا الله الغفور الشكور.
وأنتم أيها الإخوان المسلمون.
لقد علمتم أن طريقكم هو طريق الابتلاء والتضحية في سبيل الله تعالى، لا تبغون إلا وجهه الكريم، ولا تقصدون إلا رضاه.
ويا شعب مصر العظيم.
لا نمنُّ على أحد بتضحياتنا، ولا نطلب الجزاء إلا من ربنا، ولكننا نقول لكم إن المطالبة بالإصلاح والتغيير تقتضي دفع ثمن ذلك من التعب والجهد والعناء، والوقوف مع الحق وفي وجه كل صور الظلم والفساد والاستبداد، فهيَّا إلى العمل والبذل والتضحية، فلا يضيع حق وراءه مطالب.
والله أكبر ولله الحمد.