الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 واجبات الأمة أمام الجرائم الصهيونية

واجبات الأمة أمام الجرائم الصهيونية

  رسالة أ.
د.
محمد بديع- المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه، وبعد.

يقول تعالى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107), فكانت بعثته لإنقاذ البشرية جمعاء, من كل مظاهر الفساد والاستبداد، وكبت الحريات، وقهر الإنسان, وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم- ومعه المؤمنون- ثمن هذه الدعوة من تضحياتهم؛ بأنفسهم وراحتهم وأوقاتهم وأسرهم وأموالهم؛ لتسعد البشرية بدين الله, فاستحقوا النصر من الله؛ لأن نصر الله يأتي طواعيةً لمن ينصره, فهو القائل تعالى: ﴿إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7).
  جرائم اليوم محاكاةٌ لجرائم الأمس ومن هنا تأتي حقيقة الإسراء والمعراج في أنها بدايةٌ جديدةٌ من حلقات التضحيات, فما سبقها من محن هو إعلانٌ لهذه الحقيقة, في مواجهة خطة كان يقودها الشيطان وينفِّذها زعماء الكفر وأتباعهم, والتي تمثلت في هذا الحصار الاقتصادي الذي دام لمدة ثلاثة أعوام, ففي الصحيح أنهم "جُهِدوا حتى أكلوا الخبط وورق الشجر", وفي هذا التدمير الموجَّه للأسرة بالإرهاب والتعذيب, فممَّا ورد في السيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صبرًا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة" ، وفي هذا التخريب للمجتمع كله بنشر الرذائل والموبقات, لفتنة المسلمين عن دينهم.
  وما يفعله الصهاينة اليوم والظالمون وأهل الباطل ومن يدورون في فلكهم؛ ما هو إلا محاكاة للأمس, من جرائم عالمية وعبث بحريات الشعوب, ممثلةً في حصار واحتلال لأوطاننا لنهب ثرواتنا, ونشر للإرهاب والعداء والانقسام بين أبناء الوطن الواحد؛ لإضعاف شوكتهم, وتخريب منظَّم دقيق بالتزوير والتعذيب والنهب, وقتل إرادة الشعوب في أية بادرة نحو صحوتها, أو رغبتها في التغيير, أو مطالبتها بالإصلاح, لإحكام الاستبداد والفساد.
  تأتي هذه الجرائم لتعمِّق حقيقة الإسراء والمعراج, في أن الجهاد هو الذي يحطِّم خطة الشيطان وحزبه، وأن المقاومة هي الطريق لاسترداد الحقوق المسلوبة, وأن العمل المتواصل هو البناء الحقيقي لأنفسنا وأسرنا ومجتمعنا وأوطاننا.
  فما أشبه الليلة بالبارحة!! في التصدي لخطة الأمس التي كانت ترمي إلى إبادة الأمة, فأحرار الأمس الذين فكُّوا الحصار هم أحرار اليوم من شعوب الأرض، شرقًا وغربًا, الناشطين لكسر الحصار, من مفكرين وعلماء وأشراف وعقلاء, رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً, فتحيةً لكل من يساهم في كسر الحصار عن غزة, وإنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين أرض العروبة والإسلام.
  وما أشبه الليلة بالبارحة!! فالمحاصرون الأوائل استلهموا من المحن طريقًا للعزة والكرامة, وازدادوا تمسكًا وصمودًا وثباتًا بإيمانهم وعقيدتهم ومقاومتهم, فتحيةً للمقاومة ضد الحصار والاحتلال, وللأحرار الساعين للتغيير وبناء حياة إسلامية سليمة لأوطانهم.
  وما أشبه الليلة بالبارحة!! فالجسد الواحد كان واقعًا حيًّا في إنفاق بيت النبوة, فقد أنفقت أم المؤمنين خديجة كلَّ ثروتها وأموالها على المحاصرين, رغم ما أصابها من مرض كان سببًا في وفاتها.

هذا الجسد الواحد نراه اليوم يزداد, فتحيةً لهذه الصحوة في إغاثة المحاصرين, وإعمار غزة, ونداءً إلى الأغنياء بأنَّ أعظم ادِّخار لكم يكون في إعمار أوطانكم، خاصةً المحاصرة والمحتلة, وليس في بنوك توجِّه أموالكم لقتلكم وإبادتكم!, في وقت ضجَّت شعوب الأرض من الدول الغنية المجتمعة لإبادتها!!, يقول تعالى ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: 38).
  وتبقى الحقيقة الصادقة ولنتذكر جميعًا أن الله تعالى حينما حدثنا عن هذه الحقيقة, جاءت في أفصح وأوضح بيان: * فقال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: من الآية 1)، فعون الله ونصره لا يتنزَّلان إلا على عباده, الذين لا يخضعون إلا إليه, ولا يستسلمون لغيره, فهل حقَّق كلٌّ منا عبوديته لربه؟ يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات: 171- 173).
  * وقال تعالى ﴿لَيْلاً﴾ فماذا بعد الظلام إلا النور؟ فقد جعلها الله ليلاً لنتأكد يقينًا أن ذلك الليل حول الأمة وإن طال, فهو حتمًا إلى زوال, فهل استصحب كل منا هذا الأمل الجميل؟!   * وقال تعالى ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: من الآية 1), ففي بيت المقدس أمَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء, عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه؛ لتكون القيادة دائمًا موحدةً على الإسلام الذي جمعهم!، ومن بيت المقدس انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، يقول تعالى ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ (النجم: 10- 12), ويقول تعالى ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم: 18)؛ لتأتي لنا الآيات بحقيقة الرحلة المباركة, التي انطلق بها الإسلام في مرحلة جديدة لإنقاذ الأرض من الشر, فهذا قائد الأمة صلى الله عليه وسلم يقول لمن أثناه عن الانطلاق- بسبب أن الناس سيكذبونه في دعوته-: "وإن كذبوني"، فترك للدعاة رسالةً عميقةً راسخةً, فالتكذيب مهما كانت صوره فإنه إلى اختفاء, وتبقى الحقيقة الصادقة.
  * ومن أجل ذلك كان يجتمع علماء الأمة سنويًّا في بيت المقدس: كلما هلَّت ذكرى الإسراء والمعراج حتى كانت كارثة 67 فتوقف الاجتماع, وإلى الآن تحُول هذه الجرائم الصهيونية دون هذا الاجتماع السنوي, من جرائم الجدار العازل لحبس القدس, وتدمير بيوتها, وتخريب مزارعها, وطرد أهلها, والاستمرار في المحاولات اليومية لتدمير المسجد الأقصى, على مرأى ومسمع من العالم.
  ورغم كل ذلك ففي الغد نصلي بالأقصى, ويتحقق وعد الله تعالى: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الإسراء: من الآية 7), ومن هنا أرسل تحيةً ونداءً: تحيةً إلى اتحاد علماء المسلمين المجتمعين اليوم في تركيا, وكأنهم يستلهمون لأمتنا سالف مجدها, ووحدتها التي كانت ترفرف تحت راية الإسلام, يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً, وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 92), أما النداء فإني أهيب بعلماء المسلمين أن يذهبوا فور إنهاء اجتماعهم بتركيا إلى غزة؛ لمطالبة العالم بإنهاء هذا الحصار الغاشم لأربعة أعوام متتالية، وأن يعلنوا من هناك: "بأن اجتماعنا القادم- ومعنا شعوب الأمة- سيكون في القدس بإذن الله كما كان، وما ذلك على الله بعزيز".
  واجباتنا أمام حقيقة الإسراء والمعراج * من أوجب واجباتنا اليوم تقوية واستمرار طلب العون الإلهي بحسن الصلة به, بأداء معراجنا اليومي لنحقق تمام العبودية له, بالمحافظة على هديته تعالى لنا, ألا وهي الصلاة، خاصةً صلاة الفجر, فهذه الصلة هي الطريق لاسترداد القدس وإنقاذ الأقصى, فالصلة بدأت وثيقةً بين الصلاة والمسجد الأقصى, أولى القبلتين التي توجَّه المسلمون بالصلاة إليها، سواءٌ بمكة أو ما يقرب من ستة عشر شهرًا بالمدينة.
  * ومن واجباتنا اليوم ألا نرضى بالاستسلام والتنازل والهوان, ونحن في طريق التغيير والإصلاح, يقول الإمام البنا وهو يعدِّد عبر ودروس الإسراء والمعراج: "كأن الله تعالى يقول لهذه الأمة: يا أيتها الأمة التي لم يرضَ لنبيها إلا مطالعة هذه العوالم تشريفًا للقدرة، لا تكوني في ذيل الأمم، ولا ترضي بالدون، ولكن إلى العلا دائمًا، ولا تظني أن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في شيء، بل في كل شيء.

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: من الآية 21).
  ومن واجباتنا اليوم إحياء الجهاد والذَّود عن أقصانا, ومساندة المقاومة بكل ما نملك؛ حتى نحظى بشرف هذه الطائفة التي تقهر الصهاينة, فقد روى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرُّهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا : يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" .
  وبذلك نحوِّل الذكرى كما أراد الله أن تكون, يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق: 37), وهذا هو نهج الإخوان المسلمين.

يقول الإمام البنا عن موضوع هذه الحقيقة: "وهو موضوع لا يُعالجه الإخوان كقصة، وإنما يُعالجونه كعبرة وعظة من جانب, وكدافع للعمل من جانب آخر".
والله أكبر ولله الحمد