الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 أيها الإخوان.. هيا إلى العمل

أيها الإخوان.. هيا إلى العمل

  رسالة من أ.
د.
محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والاه بعد.

لقد تكفَّل الله تعالى بتأييده وجميل نصره للعاملين لدينه والمنتصرين لدعوته، والمخلصين في التوجه له سبحانه، ولا سبيلَ لهم في تحقيق هذا الفضل من الله إلا بالدأب على العمل ليل نهار، لا يبتغون من أحد جزاءً ولا شكورًا، ولا يعملون إلا لله وحده، ولا يعتمدون في خطواتهم إلا على هذا التأييد من ربهم ونصره: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 126)، وشعارهم: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: من الآية 88).
  إن منطلق العامل لوجه الله ينبغي أن يتجاوز حد نفسه إلى المصلحة العامة، وينتقل من الفائدة الضيقة إلى فائدة الوطن، وإن الساعي إلى العمل تدفعه الغاية النبيلة والوسيلة الطاهرة، وإن المتقدم في العمل ليس بمنعزلٍ عن مجتمعه بل هو واعٍ بمصالح وطنه، فالعمل هو عنوانه إن رأيته، وممارسته هي موطنه إن تعاملت معه، وطاقته هي روحه التي تلقي في روع الخاملين السعي، وتخفي في أنفسهم كل مظاهر التقصير والخور والأنانية والأثرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لأخرج الله عمله للناس كائنًا ما كان" ، وقال البخاري: قالت عائشة، رضي الله عنها: إذا أعجبك حسن عمل امرئ، فقل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: من الآية 105)، نعم فجماعة المؤمنين لا تزال شاهدةً على كلِّ مَن يستعمله الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعمله قبل موته" ، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله: قال: "يوفقه لعملٍ صالحٍ ثم يقبضه عليه" (رواه أحمد).
  نحن نتعبد الله بالعمل إننا حين نُقدم على أي عمل فإنما نقوم به طاعةً لله وقربى له سبحانه، لا نبتغي من أحدٍ جزاءً ولا شكورًا؛ لأننا نؤدي الواجب علينا شرعًا، وهو ما دعا له الإمام الشهيد حسن البنا حين قال: "ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تُزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا؛ فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيزٌ علينا جد عزيز أن نرى ما يُحيط بقومنا، ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان، أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يومٍ من الأيام".
  فيا مَن تحررتم من الاستبداد، وانطلقتم من قيود الفاسدين، اعلموا أن أمامكم جهود مضنية، ومشاركة حقيقية، وإخلاص تندفعون به، وبين أيديكم ميدان فسيح لنهضة وبناء أوطاننا الحبيبة، فأنتم بيقظة مشاعركم، المتقدمين في حلبة العاملين، والسابقين في صف المجدِّين، وهذا اختيار الله لكم فكونوا عند حسن ظننا بالله سبحانه وتعالى، فكونوا ممن يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، فهذا هو ديدنكم وتلك هي سجيتكم.
  فهل يعقل بعد ذلك أن ننصرف عن استعادة أمجادنا ونهضة بلادنا ورفعة أمتنا؟ وهل يجوز لنا أن نقعد عن تعبدنا لله بالعمل، وهو أمرٌ من الله لعباده المصلحين؟ وهل يليق بنا أن نكسل عن طاعتنا لله بالعمل، وهي الحياة الحقيقية في هذا الوجود، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية24)، بل ماذا بعد أن أوضح لنا الإسلام الطريق العملي، وبيَّن لنا منهج العمل المثمر غير العمل الجاد والمثمر؟.

فشمروا السواعد وأعملوا العقول وابذلوا الجهود ووحدوا الصفوف وقدموا مصالح وطنكم ومواطنيكم على مصالحكم الشخصية، وليجدوا فيكم المثل الصالح والقدوة الحسنة، وكونوا كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض.
  مصارحة أصارحكم القول بأن أمتنا في أمسِّ الحاجة، أن تجد في رجالها ونسائها كلَّ عاملٍ مُفكِّر، وكلَّ جريء منتج، وكل مبدع موهوب، فحرامٌ على كلِّ مَن أنس منكم من نفسه شيئًا من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقةً واحدة، يقول الإمام البنا: "قد قلنا حتى مللنا القول، وتكلمنا حتى سئمنا الكلام، ولم يبق إلا أن نعمل"، ورغم ما يقوله الظانون بنا وبعض الظن إثم، ورغم ما تلوكه ألسن المتحدثين بما ليس لهم بنا علم، فحسبنا أن يعلم الله أن كل ما نفعله هو بتوفيقه تعالى ومنته، والإخوان جد فخورة، بلذة التضحية ونشوة العمل، فالكرماء هم أسخياء النفوس بأموالهم وأوقاتهم وراحتهم، الذين يعطون، ويبذلون ويضحون في نزاهة وبراءة خالصة لوجه الله تعالى.
  كما أصارحكم القول بأن أمام أوطاننا اليوم نهضة جديدة، وهي تجتاز خطوة انتقالية، نحو بناء حياتنا المستقبلية على أساس متين، بعدما استعادت الأوطان حقها المسلوب، وعزها المغصوب، فكونوا في القلب من الجيل القادم الذي يصمد أمام التحديات، ويتغلب على الصعاب، وينقذ الأمة من الأخطار المحدقة بها؛ حيث لا مكانَ للأدعياء المزيفين، لأن الميدان الحقيقي هو للمخلصين الصادقين الجادين حيث لا راحةَ مع العمل وبذل الجهود، خاصةً أن الظروف التي نمر بها تدعونا إلى تجديد النفوس وبناء الأرواح بشكلٍ غير الذي مضى بنا من حوادث وأيام.
  كما أصارحكم القول بأنه لا ملاذَ لنا إلا الثبات على الإيمان والمبادئ والقيم فذلك هو الدافع في مسيرة العمل، ولا ملجأ لنا إلا التعلق بالله وحده: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ﴾ (النحل: من الآية 96)، ولا نافعَ لنا في نهضتنا إلا أن نتحد في توجهنا إلى الله: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: من الآية 13).
  أيها الإخوان.

من العمل: أن نواجه التحديات، ونُقدِّم الوقت والمال، وأن نتمسك بالدعوة إلى الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة.
  ومن العمل: أن نكون جنودًا لله فإذا دوَّى نفير النهضة كنا أول المجيبين، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111).
  ومن العمل: أن ندعو إلى الحرية والعدالة، لبناء مجتمع الأمن والإيمان، وأن نعمل مع المصلحين يدًا واحدةً، فهذا هو جهادنا الذي تعلمناه من هدي الرسول الكريم.
  ومن العمل: أن نجمع بين القول والعمل، بل نؤثر العمل على القول، ونتحرك بهمةٍ عالية، وعزيمةٍ شامخة، وإيمان راسخ، فنحسن التعامل مع الواقع الجديد، ونُقدِّم من أنفسنا القدوة الصالحة لمجتمعنا.
  ومن العمل: أن ننكر ذواتنا ونتخلى عن حظوظ النفس، ونعمل بكل التجرد والإخلاص، فعلى بركة الله وتوفيقه انطلقوا إلى العمل الجاد : ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، والله أكبر ولله الحمد.