الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 في ذكرى 5 يونيو 67

في ذكرى 5 يونيو 67

رسالة من: أ.
د.
محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛ فقد مرت علينا الذكرى الرابعة والأربعون لنكبة 5 يونيو 1967م، ذلك الحدث الذي غيّر مجرى الحياة العربية، وأحدث صدمة هائلة للأمة التي لم تصدق ما حدث، وحاول سياسيو «النكبة» أن يصوروها على أنها «نكسة»، وأنها خسارة لمعركة وليست خسارة لحرب وغيرها من التبريرات التي لم يهضمها العقل العربي، فقد كانت حربًا مخزية مخجلة بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ حطت من كرامة العرب على مدار الأجيال، وبصورة يصعب محوها من صفحات التاريخ.
  وأما ما هو أشد ألمًا من وقع الهزيمة فهو خروج أبطال الهزيمة من ساسة وإعلاميين ودجالين ومنافقين بقولهم إنها (نصر وليست هزيمة)؛ لأن الهدف من عدوان "إسرائيل" كان القضاء على الأنظمة الثورية التقدمية العربية؛ وحيث إنها فشلت في ذلك وبقيت الأنظمة فإن ما حدث في الخامس من يونيو هو نصـر وليس هزيمـة، فهل هناك دجل ونفاق أكبر من هذا؟.
  هناك مؤشرات ومقدمات أدَّت إلى نكبة 5 يونيو 67، وتكاد تكون هي نفس المقدمات التي تسبق النكبات عادة،  فالطغيان والديكتاتورية والاستبداد وحكم الفرد وضياع الحريات وامتهان كرامة الإنسان أصل كل فساد وسبب كل تخلف ووراء كل مصيبة وكارثة تحل بالأوطان، وكل هذه المعاني أو بعضها يزرع في الشعوب الخوف والنفاق والسلبية وتؤدي إلى ظهور حملة المباخر وسدنة المعابد- وما أكثرهم- الذين يأكلون على كل الموائد ويتلونون بكل ألوان الطيف.
  ولا يفكر الحكام الطغاة إلا في المحافظة على سلطانهم والاستمرار في حكم الشعوب أبد الدهر- إن استطاعوا- حتى ولو أدى ذلك إلى استباحة الأعراض والأنفس والأموال، ولا يتبينون- عادة- غيهم وضلالهم إلا بعد وقوع البلاد في قبضة الاحتلال، أو خرابها وضياعها بغير احتلال.
  عندما قام انقلاب يوليو عام 1952م رفع شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة، ثم قام بسحق الحرية وذبح الديمقراطية، أما العدالة فقد ألحقها بخبر كان؛ فباسم الثورة سيطر حكم الفرد واستبيح الإنسان المصري في نفسه وشرفه وعرضه، وأصبحت البلاد فى قبضة أمنية مباحثية دمرت ثقة الإنسان بأخيه وأمه وأبيه وعاثت في الأرض فسادًا يزري بكل فساد وسمعنا مقولة: "ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الطغيان"، وعندما رفع البعض رءوسهم ظانين في من أطلقها الخير أطاح بتلك الرءوس وكمم الأفواه وحوّل مصر إلى سجن كبير.
  لقد كان الإخوان المسلمون أول من اكتووا بنيران الظلم والاستبداد؛ فغيبوا في السجون والمعتقلات، وتعرَّضوا للتعذيب والتنكيل؛ ولكن الله كان للظالم بالمرصاد، فبعد كل تنكيل بالإخوان كان الانتقام الإلهي شاملاً وعامًّا، فعقب اعتقالات الإخوان في 54 كانت هزيمة 56، وعقب اعتقالات 65 للإخوان كانت الهزيمة الساحقة في 67، وفي مصر مبارك تعرَّض الإخوان للاعتقالات والسجن والمحاكمات العسكرية الظالمة؛ فكان سقوط النظام بأكمله عقب ثورة مصر المباركة في 25 يناير 2011م، وتشاء إرادة الله أن يعود الإخوان ويفتتحوا مقرهم الجديد فوق جبل المقطم تلك القمة السامقة التي دفن فيها رفات  شهدائهم الذين قضوا في السجن الحربي فأبى الله إلا أن يرتفع مكانهم في نفس المكان، وصدق الله العظيم القائل: ﴿أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)(المرسلات).
  ها هو الفجر يبزغ أخيرًا وينجلي عن انتفاضات الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا و .

.

.

وها هو الفساد والطغيان ينهار في مواجهة الجماهير الزاحفة نحو الحرية والعدالة، وها هم الفراعين والطغاة يتساقطون كالدمى أمام زحف الجماهير التي أفاقت من غفوتها، وها نحن نرى ثمارها في الثورة المصرية المباركة؛ فنجد المصالحة الفلسطينية بين الفرقاء وعودة الصف الفلسطيني إلى التوحد بعد أن حال دونه الطغاة، وها هو معبر رفح يتم فتحه أمام إخواننا في فلسطين.
  إن سياسات جديدة تبنى على أساس مصالح الوطن والشعوب وليست ضدها، ولن تستطيع أمريكا ولا "إسرائيل" ولا غيرهما أن تتحكم في قرارنا بعد اليوم.
  إن النصر قادم- بإذن الله- لا محالة ولا شك في ذلك واسترجاع فلسطين والقدس والجولان وكل الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" لم يعد خيالاً جامحا بل أملاً قريب المنال، بعد أن هبت الشعوب وعرفت طريقها، لقد انتهى زمن العلو "الإسرائيلي"، وباتت "إسرائيل" تشك في استمرارها وبقائها، وشهر رجب الحالي في زمن الثورات يحمل معه بشريات سورة الإسراء، لقد انتهى زمن الهزائم بانتهاء زمن الطغيان والفساد والطغاة والمفسدين وأمسكت الشعوب بزمام الأمور، ولن ترجع إلى الوراء بعد اليوم والنصر قادم بإذن الله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾  (الإسراء: من الآية 52) ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)﴾  (المجادلة).