الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 الحرية من دعائم النهضة

الحرية من دعائم النهضة

  رسالة من: أ.
د.
محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين   الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:   فلقد تناولنا في الرسائل السابقة أسس النهضة ومعوقاتها، وأكدنا أن الثروة البشرية هي الرصيد الأساس لجميع الدول النامية، ومن ثَمَّ فإن بناء الإنسان هو المحور الأول لبناء الأمة، وأساس بناء الإنسان الأخلاق والعلم، ومن دعائم النهضة: احترام إرادة الشعوب، وتحديد الهدف، وإصلاح الإعلام، وكل ذلك يتطلب أن تظلل الحرية المجتمع؛ ومع أننا قد أشرنا إليها فيما سبق لكننا نفردها في هذه الرسالة.
  الحرية هبة من الله وهي الحق الأول من حقوق الإنسان: إن الحرية من أهم قضايا الشعوب، ومن الأوراق التي يلعب عليها السياسيون، ويتناشد بها الشعراء حتى إن أحدهم ليقول:   أتمنى على الزمان محالاً  **  أن ترى مقلتاي طلعة حر   وعن هذا البيت يقول الإمام الجنيد: "لو صحت الصلاة بغير قرآن لصحت بقول الشاعر السابق"، فالكل يطمح لاستقلال بلاده، وأن يكون شعبه حرًّا في اتخاذ القرارات لمصلحة الشعب أو المجتمع أو الجماعة التي ينتمي إليها، وأن يلتفت من حوله فيرى الحرية وقد تسجَّى بها الجميع، ويرجع البصر من حوله فيرى أحرارًا أينما حل أو نزل، يعملون الخير ويقدمون المعروف لكل إنسان يعيش على أرض الوطن، ويمتد خيرهم لكل الشعوب التي تنزل بهم الشدائد، أو تحل بهم الكوارث، ويتعارفون ويتعاونون في إعمار الأرض، كما قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) (الحجرات)، وكذلك في توزيع خيراتها التي ادَّخرها الله لهم فيها، ( خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)) (فصلت)، هذه الأرض التي يعيشون عليها جميعًا، والتي استخلفهم الله فيها وأمرهم بإصلاحها ونهاهم عن الإفساد فيها ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ) (الأعراف: من الآية 56).
  والحرية في الإسلام حق من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، إنها إشعاع داخلي يملأ جنبات النفس الإنسانية بارتباطها بالله،  وإنَّ سَلْبَ الحرية من المجتمع سَلْبُ لأهم مقوماته.

وما أرسل الله الرسل إلا برسالةٍ واحدة، ألا وهي تحقيق العبودية والطاعة لله، والتحرر مما سواه، قال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) (الأنبياء)، فالحرية الكاملة في العبودية التامة لله وحده دون غيره من بشر أو كائنات أو قوى أو شهوات.
  ولا يُسْتَذلُ الإنسانُ ولا تلحقه التعاسة والشقاء والنكد إلا إذا عبَّدَ نفسه لغير الله من شهوات الدنيا وملاذها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم قَالَ: " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ ".
  أثر الحرية في حياة الناس إن المجتمع الذي تنقشع منه ظلمات الاستبداد، وتنكسر قيود الظلم في حياته، وتشرق عليه شمس الحرية والعدالة والمساواة والتراحم.

هذا المجتمع تتحقق له كل وسائل العزة والكرامة، وتنطلق طاقات أفراده وإبداعاتهم جميعًا، ويظهر أثر ذلك على الأفراد والمجتمع في: * أن الحرية تحقق لكل شخص إنسانيته، وتجعله يشعر بكرامته وعزته، ويتمتع بما فضله به على سائر من خلق: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)) (الإسراء).
  * الحرية تمنح الإنسان القوةَ التي تجعله يقاوم كل طاغٍ مستبد.

دون خوفٍ على رزقٍ أو خشيةٍ على أجل؛ وذلك لإدراكه أن ذلك بيد الله ولا سلطانَ للبشر على نفع أو ضر، أو عطاء أو منع، أو رفع أو خفض، أو حياة أو موت إلا بإذن الله: ( قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)) (آل عمران)، وقال جل شأنه: ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)) (الذاريات)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب "، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعن أحدكم مهابة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو علمه، فإنه لا يقدم من أجل ولا يؤخر من رزق أن يقول الحق أو يذكر به "، وقال الإمام علي كرَّم الله وجهه: أي يوم من الموت أفر؟          يوم لا يُقدَّر أو يوم قُدر؟ يوم لا يُقدَّر لا أرهبه             ومن المقدور لا ينجو الحذر   ورحم الله الشافعي القائل: أنا إن عشتُ لستُ أعدمُ قوتًا *** وإذا متُ لستُ أعدمُ قبرًا همتي همَّة الملوك ونفسي  *** نفس حر ترى المذلة كفرًا   * في ظلِّ الحرية تُثَبَّتُ فضائل الصدق والشجاعة والتضحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتتلاقح الأفكار وتورق أفنان العلوم والآداب والاختراعات والابتكارات وتترعرع المواهب.
  * الحرية تحقق السعادة والأمن؛ لأن إدراك كل إنسانٍ بما يلقى على كاهله من واجبات، وما له من حقوق، يجعله يؤدي الذي عليه من الواجبات.
  ضوابط الحرية إن الحرية لا تسمو بالإنسان إلا إذا حفظت للآخرين حرياتهم، ولم تسبب ضررًا لإنسان، والإسلام لا يضع قيودًا على الحرية، إلا إذا كان من ورائها أذى أو فساد في الأرض، أو انتقاص من حرية الآخرين، أو اعتداء على حرماتهم، ومن هذه الضوابط:   - أن يتمتع طلاب الحرية بالأخلاق والقيم الفاضلة، فهي أعظم سياج للمحافظة على حريات الآخرين.
  - ألا يترتب عليها إخلال بأمن المجتمع وسلامته واستقراره وحفظ مؤسساته.
  - ألا تفوت حقوقًا أعظم منها.
  والالتزام بهذه الأسس يوازن بين حقوق الأفراد؛ لكيلا يتجاوز بعضهم على بعض، كما أنه يوازن بين حق الفرد وحق المجتمع، أو المصلحة الخاصة، والمصلحة العامة، ولا يجعل إحداهما تطغى على الأخرى.

إنه العدل الذي يكبح جماح سلطات الدولة من أن تنال من حريات الأفراد.

كما يضرب على يد الأفراد الذين يعتدون على حق الدولة، وحرمات الآخرين.
  وليأذن لي الإخوة والأخوات الأعزاء أن أُفصِّل بعض الشيء في المثال الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الواجبَ علينا أمام الأمثلة القرآنية والأمثلة النبوية الشريفة أن نبحث فيها عما يتطابق مع حالنا في كل زمانٍ ومكانٍ، ونأخذ منها العبرة، فمثلاً؛ مثال السفينة يشرح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ركاب السفينة ركبوا في أماكنهم بالقرعة، فهو اختيارٌ من الله عزَّ وجلَّ لحكمٍ يعلمها ولا نعلمها، فاقترح الذين هم في الطابق الأسفل من السفينة اقتراحًا حاولوا تنفيذه لا يخلو من سلامة النيات، ولكنه يخلو من عدم تدبرِ العاقبة والمآلات؛ لأنهم كانوا يأخذون الماء من فوق السفينة من الطابق الأعلى وظنوا أن هذا يؤذي ركاب الطابق الأعلى، فاقترحوا أن يخرقوا في نصيبهم خرقًا في الطابق الأسفل ليحصلوا على الماء، وهنا يجب على الجميع أن يمنع هذا الخطأ الذي يضرُّ بالجميع، ومن هنا كان العصيان المدني في هذه الظروف تعطيلاً لجميع مصالح الأمة ويضرُّ بالجميع، وكان هدف الناصحين هو أن يكون الجميع من في الطابق الأول والطابق الثاني من الناجين من غضب الله وكوارث الدنيا.
  مسئولية الإنسان المسلم أمام الله تعالى والإسلام حين يمنح الإنسان الحرية المطلقة في أن يفعل ما يريد، فإنه يضع له كوابح لضبط حركته، وتوجيه مسارها إلى ما ينفع، وحجزها عما يضر، وذلك بأن بيَّن له:   - أنه مسئول عن عمله ومرهون به، قال الله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)) (المدثر).
  - وأنه لن يفلت من المجازاة عليه إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه (8)) (الزلزلة)، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ.

وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزِّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ ".
  - وأن هذا الجزاء ليس في الآخرة فقط بل في الدنيا أيضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " الْبِرُّ لَا يَبْلَى وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ, فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ "، وفي الأثر أنه مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: "كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَبِالْكَأْسِ الَّذِي تَسْقِي بِهِ تَشْرَبُ وَزِيَادَةً؛ لِأَنَّ الْبَادِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، بل أكثر من هذا مَن تؤذي جيرانها- أيَّ جيران- بلسانها تدخل النار ولو كانت تقوم الليل وتصوم النهار.
  الإمام البنا جعل الحرية فريضة وليعلم المسلمون في كل مكان، والعالم أجمع، أن جماعة الإخوان المسلمين بفهمها الصحيح للإسلام تعلن أن الحرية ركن وفريضة في الإسلام، وقد عبَّر عن ذلك الإمام البنا- ونحن نعيش ذكرى استشهاده- بقوله: "إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد  والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام".
  وعن الدستور والحرية الشخصية يقول رحمه الله: "إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب، ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات.

هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم".
  وعن الحرية السياسية يقول رحمه الله: "وأما إننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام، تدخل في نطاقه وتندرج تحت أحكامه، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه وفريضة من فرائضه، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية فنحن كذلك، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشيء جديد، فهذا المعروف عن كل مسلم درس الإسلام دراسةً صحيحةً، ونحن لا نعلم دعوتنا ولا نتصور معنى لوجودنا إلا بتحقيق هذه الأهداف".
  من سنة الله نصر الحرية على الاستبداد أيها المسلمون.

أيها الأحرار في كل مكان.

اعلموا أن الحرية هبة من الله وليست منحة من البشر، ولكنها تولد مع كل إنسان.

وهذا ما أسمعه سيدنا عمر للزمان يوم أن قال لسيدنا عمرو بن العاص أميره على مصر؛ احتجاجًا على ظلم ابن قبطي مصري: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!".
  واعلموا أيها المسلمون أنه لن تتمتع أمة بحريتها بالتمني، ولن يقدمها الطغاة المستبدون لشعوبهم طوعًا، ولكنها تُنتزع منهم انتزاعًا على جسرٍ من البذل والتضحية والشهادة:   وَما نَــــيلُ المَـــــطالـــِبِ بِالتــَمَنــّي ** وَلَكِـن تُؤخَـذُ الـدُنيـا غِـلابـًا وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ ** إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابًا   وإنَّ ما نشاهده في محيطنا العربي الإسلامي ليؤكد ذلك، فما نالت الشعوب التي تحررت من نير الظالمين المستبدين حريتها إلا بالتضحية والشهادة، ليس في عام، ولكن سبقتها عقود سالت فيها دماء وتناثرت أشلاء وسط سجون التعذيب لحملة الحق في الدول التي نالت حريتها، ولا تزال تنزف في غيرها.
  أيها الأحرار.

لا تيأسوا من صولة المستبدين، وتسلُّط الظالمين، وما يُحيط به من محاولات قهر، واعلموا علم اليقين أن الصراعَ بين الحق والباطل من سنة الحياة، وأن العاقبة للمتقين، وأن أمد الظالمين- وإن طال- لكنه إلى انحسار، ونحن على يقين أنه لا ينتصر الباطل أبدًا في معركة ينهض فيها حق، وإذا التقى الخصمان "الحق والباطل" دارت بينهما جولات وأشواط، يصول الباطل فيها أول الأمر وينتصر، ثم تنتهي المعركة في نتيجتها الأخيرة بانتصار الحق، فذلك سر قوله تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) ) (القصص)، وقوله تعالى: ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)) (الأعراف)، وقوله تعالى: ( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقً ا ) (الإسراء: من الآية 81)، والواقع شاهد وناطق وفيه عبرة لأولي الأبصار.
  الحرية أعظم ثمار الثورات المباركة إن ثوب الحرية التي اكتست به الشعوب التي تخلَّصت من الطغاة والظالمين، لهو أعظم الثمار، ومن خلالها يُعاد تنظيم مؤسسات الدولة بحريةٍ وشفافيةٍ لم تشهدها من قبل، ولنحذر من الذين يعملون على تشويه الثورات، وإلقاء اليأس في النفوس لتأخُّر تلبية بعض المطالب الفئوية، أو لبقاء بعض المفسدين في أماكنهم، أو بإلقاء الرعب والإخلال بالأمن في بعض نواحي البلاد.
  ويجب أن نُحصِّن أنفسنا بالثقة في الله وفي أنفسنا وقدراتنا، والثقة في غيرنا، وعدم التخوين للآخرين، والمبادرة بالعمل الواجب علينا نحو المجتمع، والتوجه نحو البناء لا الهدم، والتعمير لا التخريب، والاستمرار في العمل لا العصيان المدني ووقف الإنتاج، ولنتدرَّع بالصبر، فقد ورثنا بلدًا عملت فيه معاول الهدم لعقودٍ طويلة، وورثنا نظامًا بث الفساد في البلاد والعباد، وركام هدمه وأنقاضه بعد أن حطمناه يحتاج التخلص منه إلى وقتٍ طويل، فإنه كما قالوا إن الفساد وصل إلى الركب، فالعلاج لا يتم إلا بتشخيصٍ للمرض، ووصفٍ للدواء، وزمن للعلاج يتناسب مع نوع المرض وطبيعته، ومدى تغلغله في خلايا الجسم.
  لكننا على ثقةٍ تامةٍ من تعافي الأمة والنهوض بها، فشعبها عظيم، ومقدراتها هائلة، ومناخها معتدل، وموقعها الوسط ييسر لها الصلة بكل أنحاء العالم، كل هذه المعطيات جعلت الجميع يتنبأ بأنه لن يمضي هذا العقد بإذن الله إلا وقد صارت أمتنا في مقدمة ركب الأمم، هيا نعمل جميعًا وندعو جميعًا، ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61)) (الصافات)،  والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.