الموقع الرسمي للإخوان المسلمون

رسالة الأسبوع

رسالة أسبوعية تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين

 المسئولية أمانة وتكليف (رسالة الأسبوع)

المسئولية أمانة وتكليف (رسالة الأسبوع)

رسالة من: أ.
د.
محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه، ومَن سار على هديهم وسلك طريقهم إلى يوم الدين، أما بعد.

  ما من شخصٍ إلا وقد أُسند إليه أمر يدبّره ويرعاه، ويحفظه ويقوم عليه، وكلنا مطالبون بالإحسان فيما أُوكل إلينا، والله سائلٌ كلَّ إنسان عما تحت يده، حفظ أم ضيع، فإن قام بالواجب عليه كان أثر ذلك في الأمة عظيمًا، وحسابه عند الله يسيرًا، وأجره كبيرًا، وإن قصَّر في أمر رعيته، وخان الأمانة التي أنيطت برقبته، أضرَّ بالأمة وشدد على نفسه الحساب، وأوجب لها المقت والعذاب، وإن فرّ في الدنيا من العقاب، فإن حساب الله آت، وعقابه أليم شديد، و( كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ) (الطور)، ( وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) ) (البقرة).
  عن عَبْد َاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:   "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَن ْرَعِيَّتِهِ، الإِمَام ُرَاعٍ وَمَسْئولٌ عَن ْرَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَة ُرَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئولةٌ عَن ْرَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" قَالَ: - وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيه ِوَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" .

فهذا الحديث دعامة كبيرة في القيام بالواجبات، والإحسان في الأعمال، والرعاية لما تحت اليد؛ وإنه ليقرر مسئولية كل فرد فيما وُكِّل إليه من نفوسٍ وأموالٍ ومصالح وأعمال.
  المسئولية أمانة.

  إن الذي يتولى شئون المسلمين، رئيسًا كان أو ملكًا أو أميرًا أو وزيرًا أو عاملاً، حافظ أمين ومسئول عن مصالح من يتولى أمرهم، فعليه إقامة العدالة فيهم، وتمكينهم من إقامة شعائر دينهم، وردّ الحقوق لأربابها، واحترام حرياتهم في دائرة الحق والعدل، واستشارتهم في الأمور، والاستماع لنصائحهم، والذود عن كرامتهم، والحرص على مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، وفتح الأبواب لمعايشهم، وتذليل السبل لتنمية ثرواتهم، والضرب على أيدي المفسدين، والتنكيل بالمجرمين الخائنين، والعمل على محاربة الفساد في الأرض، ومنع الجرائم منها- إلى غير ذلك مما ترقى به الأمة، وتسلم من الأضرار.
  وسوف يُسأل كل حاكم وكل عامل أمام الله عن أمته وجماعته، يُسأل عن كل فرد فيها، وعن كل عمل من أعمالها، يُسأل عن ثرواتها- مواردها ومصارفها- وعما عمل لمصلحتها وراحتها، بل يُسأل عن حيوانها: ماذا صنع لراحته، وتخفيف مشقته، وقديمًا قال الإمام العادل عمر بن الخطاب: "لو عثرت بغلة بالعراق لرأيتني مسئولاً عنها بين يدي الله تبارك وتعالى: لِم لَم أسوّ لها الطريق؟".

هذا في حقِّ الدابة فما بالك بشئون الناس ومصالحهم.
  الإمارة تسعى لأصحابها:   إن كلَّ مَن يتولى أمرًا من أمور المسلمين أجير عند الأمة؛ فيجب عليه أن يسهر على راحتها، ويجد في خدمتها، وأن يستشعر أنه يقوم بهذا العمل دينًا وقربة يتقرَّب بها إلى الله، فإن التقرُّب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات".
  ولما كان الناس يتطلعون للإمارة والرئاسة من أجل الحظ الدنيوي، من عز وجاه ومال، وتسلط على رقاب الناس.

فقد ورد النهي عن طلب الإمارة، عَنْ أَبِي مُوسَى صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلاَن ِمِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: "إِنَّا لاَ نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلاَ مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ" ، ولمَّا سأله أبو ذر، فقال: ألا تستعملني يا رسول الله؟ قال له صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا مَن أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها".
  أما إذا كان المسئول مطلوبًا لا طالبًا؛ فإن الله لن يتركه لنفسه، وسوف يؤيده بقوةٍ من عنده، ويمنحه التوفيق والسداد فيما ينظر من أمور البلاد والعباد، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَن ِبْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا" .
  إن الحقيقة التي يجب أن نحييها في قلوب الحكام والمحكومين، أن الحاكم أجير عند الأمة، يتقاضى راتبه من جهد وعرق الشعب ليسهر على أمرها، ويحقق مطالبها ورغباتها.
  ومن هنا فإن من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يتحمل مسئولية الشعب:   التمسك بالدين:   إن استقامة الحاكم على الدين، وإقامته لشعائره، وتحليه بأخلاقه وآدابه، لهو الأساس المتين للحكم؛ لأن الدّين أقوى قاعدة في صلاح الدّنيا واستقامتها، وأجدى الأمور نفعًا في انتظامها وسلامتها؛ لأن الدين كما يقول الإمام البنا- رحمه الله- هو الذي يحيى الضمير، ويُوقظ الشعور، وينبه القلوب، ويترك مع كل نفس رقيبًا لا يغفل، وحارسًا لا يسهو، وشاهدًا لا يُجامل ولا يُحابى، ولا يضل ولا ينسى، يصاحبها في الغدوة والروحة والمجتمع والخلوة، ويراقبها في كل زمان ويلاحظها في كل مكان، ويدفعها إلى الخيرات دفاعًا، ويدعها عن المآثم دعًا، ويجنبها طريق الذلل، ويبصرها سبيل الخير والشر.

".
  القوة والأمانة: إن القوة والأمانة صفات لازمة للحاكم المسلم، قال الله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) .
(القصص: من الآية 26)، أو بعبارة أخرى الحفظ والعلم؛ حيث إن الحفظ بمعنى الأمين، والعلم تخصيص لمعنى القوة لأهمية العلم في إدارة أمور الدولة، وقد جاء ذلك على لسان سيدنا يوسف عليه السلام بعد أن مكَّن له حاكم مصر وشهد له بالأمانة: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف).
  وقد تأكَّد أن المراد بالقوة ليست قوة البدن فقط أو قوة التدين، ولكن لا بد أن تكون مقرونةً بقوة العلم والقوة على إدارة العمل والخبرة في معاملة الناس والمرونة وسعة الصدر والحلم مما يكون له أكبر الأثر على تصريف الأمور.
  الصدق والعدل:   من الأوليات التي يجب أن يتصف بها مَن يتولى المسئولية، أن يكون محبًّا للصدق وأهله، مبغضًا للكذب وأهله، وأن يكون بالطبع محبًّا للعدل وأهله، ومبغضًا للجور والظلم وأهلهما، يُعطي النصف من أهله ومن غيره ويحث عليه، وإذا دُعي إلى العدل يكون سهل القياد، وإذا دعي إلى الجور وإلى القبيح يكون صعب القياد.

عَن ِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَحَبَّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ إِلَيْهِ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ" .
ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "إمام عادل".
  الرحمة والشفقة.

  إن الحاكم المتمسك بأهداب الدين، يكون حريصًا على أن يحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله، كما أنه يكون على خوف وخشية من الله، فيعدل بين الشعب، ويكون رحيمًا شفوقًا عليهم.

يُلين لهم جانبه، ويُخفض لهم جناحه، ولا يحملهم على ما يشق عليهم، ويرتاد لهم كل ما ينفع، ويحرص على نصح الرعية وعدم غشها خوفا من عقاب الله، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: "اللهم مَن ولي من أمر أمتي شيئًا، فشقَّ عليهم، فاشقق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به" .
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" .
  اختيار البطانة الصالحة.

  إن صلاح الحاكم وحده لا يكفي؛ فهو بمفرده لا يقدر على أن يقدم الخير لكل مواطن، ومن ثَمَّ وجب أن يكون القائمون على المؤسسات والهيئات والوزارات، ممن يُعرفون بالصلاح والتقوى والخشية من لله؛ حتى يسهروا على خدمة المجتمع، ويبذلوا من وقتهم وجهدهم من أجل أن ييسروا على الناس قضاء أعمالهم، وهؤلاء المساعدون له في حكمه، يعينونه على الطاعة وعمل الخير، وهذه البطانة تحجزه عن الشر، وتكبح جماحه إذا تمردت عليه نفسه، ومال إلى هواه، وتأخذ بحجزه إلى مرضاة الله ومصالح العباد وخير البلاد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِن ْوَالٍ إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَن ِالْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ، وَهُوَ مِنَ الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا" .
  اختيار الأكفاء:   إن من أعظم الآفات التي سرَت في جسد الهيئات والمصالح والوزارات في ظلِّ النظام البائد أن الاختيار للمناصب العليا لم يكن على أساس الكفاءة والخبرة والاستقامة، وإنما على أساس المحاباة والمجاملة والرشوة؛ مما أدَّى إلى انتشار الفساد في كل الهيئات، ولم يعد أحد قادرًا على قضاء شأن من شئونه إلا بواسطة من بشر أو مال؛ لذا نجد أن الإسلام قد جعل توليةَ من لا يحرصون على مرضاة ربهم من الخيانة لله ورسوله والمؤمنين.

عَنِ ابْن ِعَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "مَن ِاسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ" .
  أيها الحكام.

  إن الله وكل إليكم أمر هذه الأمة، وجعل مصالحها وشئونها وحاضرها ومستقبلها أمانة لديكم ووديعة عندكم، وأنتم مسئولون عن ذلك كله بين يدي الله تبارك وتعالى، ولئن كان الجيل الحاضر عدتكم، فإن الجيل الآتي من غرسكم، وما أعظمها من أمانة، وأكبرها من تبعة أن يُسأل الرجل عن أمة، فاتقوا الله في وطنكم وشعبكم وقدموا مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، وكونوا خادمين للشعب ومصالحه.
  وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد   القاهرة: في 3 من رجب 1433هـ الموافق 24 من مايو 2012م