شعب لا يضيعه الله.. (رسالة الأسبوع)
رسالة من: أ.د.
محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
كلمة واحدة: إن أول كلمة نطقت بها سيدة نساء العالمين خديجة رضي الله عنها، لرسول الله صلى الله عليه وسلم "كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا" (البخاري)، وهي نفس الكلمة التي نطق بها قلب أم المصريين هاجر، حينما سألت زوجها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام "آلله أمرك بهذا"، فلما تلقت تأكيد ذلك، بقوله عليه السلام: "نعم"، نطق كيانها، استجابةً وثقةً وتوكلاً ويقينًا بالله تعالي "إذن لا يضيعنا" (البخاري).
الثورة المعجزة: إن الثورة المصرية التي خالفت كل توقعات المحللين والسياسيين والمتخصصين في هذا الشأن، فنجحت بأقل دماء وتضحيات وجراحات، حتى اتفق العالم على تسميتها "بالمعجزة"؛ لأن الشعب أراد، فكان حتمًا أن ينجلي الليل، وأن يبزغ نور الفجر، وكان الشعب المصري بحق أصدق من كل أخبار المحللين والقنوات الفضائية والتقارير الخفية، بل إنَّ الشعبَ المصري استطاع أن يعلن عن قدرته في قلب كل التكهنات والتوقعات والتنبؤات، بعزيمةٍ سلميةٍ لا تتزعزع، وبقوة الحشود المتزايدة، التي أظهرت الشرعية الشعبية والثورية.
إلى الاستقرار والأمان والرقي: أمام هذا الإصرار العظيم، صنع الشعب المصري ثورته، التي غيرت النظام البائد، واختارت رئيسًا منها يقود دفة الجمهورية الثانية، ليكون رئيسًا لكل المصريين، ويخرج بها إن شاء الله بهذا التوافق الوطني، والاصطفاف الشعبي، وينقلها إلى بر الأمان والاستقرار والنهضة والتقدم.
ورغم كل المحاولات المنظمة للتأثير على اتجاهات الشعب المصري، إلا أنها كانت تصبُّ رغم الأنوف في الدفع الثوري، ورفض إنتاج النظام البائد، وسبق لقدر الله اللطيف بهذا الشعب الذي أراه من نفسه صدقًا وإخلاصًا وتجردًا، وقدَّم بين يدي ربه تضحيات وشهداء ومصابين، فاستحقَّ أن يُكتب اسم مصر بحروفٍ من نور، وتعود إليها مكانتها الطبيعية، وسط شعوب ودول العالم.
وبدأت نهضة الأمة: أما على مستوى عالمنا الإسلامي فإن نهضة الأمة قد أعلنت بداية انطلاقها، وأن مخاض التغيير قد بدت قوة ملامحه في الأفق، وأن مولودًا جديدًا قد أشرقت أنواره في أرجاء الكون، بإرادة الشعوب الحرة، التي تثبت يومًا بعد يوم، أن غرس هذه الإرادة سيثمر الكثير والكثير، من استعادةِ الكرامة والعزة والحرية، واسترداد الحقوق التي أهدرتها الأنظمة المستبدة، وهو الأمر الذي صرَّحت به شعوب العالم، ففي استطلاعات الرأي لمنظمات أمريكية تقول الإحصائيات: إن 70% من الأمريكيين ينظرون بإيجابية للشعب المصري خاصةً، و56% للشعوب العربية بوجه عام.
وجاء زمن جني الثمرات: شعبٌ استجاب لنداء الحقِّ فنال ثمرة الفوز المبين، شعب واثق في نصر ربه فنال ثمرة الكرامة والعزة، شعب اتجه يناصر العدل فنال ثمرة الاستقلال في إدارة أمره، شعب استطاع فعل ذلك هو شعب لن يضيعه الله أبدًا، ولا يخزيه الله أبدًا، وهذه هي الحقيقة الواضحة التي لم يرها الكائدون، ورضخ لها الغافلون، واستيقظ لها العقلاء، لنخطو جميعًا في اصطفافٍ متين نحو بناء مصر الحبيبة، التي ترنو إلى سواعد كل أبنائها.
على عتبات نهضة مصر: شعب لن يضيعه الله ولا يخزيه أبدًا، وهو قادم على عتبات نهضةٍ حقيقية، تحتاج إلى السعي الحثيث والعمل المتواصل، ومواجهة التحديات، وعبور الثغرات، حتى تتحول الأحلام إلى واقع ملموس، بعيدًا عن الشعارات أو القضايا غير القابلة للتحقيق، فالفوز بداية، والنصر ليس نهاية، وسيظل يوم الخلاص قريبًا، وسيبقى الفجر متجددًا في بعث خيوطه، يقول الشهيد سيد قطب: "ولن ينام العالم الإسلامي بعد صحوته، ولن يموت هذا العالم الإسلامي بعد بعثه، ولو كان مقدرًا له أن يموت لمات، ولن تموت العقيدة الحية التي قادته في كفاحه؛ لأنها من روح الله، والله حي لا يموت".
وصلِّ الله على القائد محمد صلى الله عليه وسلِّم، والله أكبر ولله الحمد، وتحيا مصر، ويحيا شعبها.
القاهرة في: 8 من شعبان 1433هـ الموافق 28 من يونيو 2012م