سوريا.. ملحمة الصمود والتضحية
رسالة من: أ.د.
محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد.
فقد كانت سوريا على مدار التاريخ شريكة لمصر في الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وقد تزامن الفتح الإسلامي لبلاد الشام مع فتح مصر في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم؛ ليكون الطرفان درع الحماية للمقدسات الإسلامية في مكة والمدينة وبيت المقدس، ثم صارت (دمشق) بعد ذلك عاصمة الخلافة الأموية فترة طويلة من الزمان امتدت فيها الفتوحات الإسلامية في شتى بقاع الأرض، وكانت سوريا مع مصر الدرع الحامي للأمة الإسلامية في صراعها مع الصليبيين والتتار، وفي العصر الحديث كانت مصر والشام محور المواجهة مع عصابات اليهود في حروب 48، 67، 73، ولولا الخيانات والعمالة للطغمة الحاكمة في كلا البلدين ما كان للصهاينة وجود في الأرض المقدسة.
وإذا كانت مصر الآن قد تحررت من النظام الفاسد المستبد الخانع- الذي وصفه العدو الصهيوني نفسه بأنه كان (كنزًا إستراتيجيًّا) للعصابة الصهيونية- وما زال النظام السوري الإجرامي القاتل لشعبه يجثم على أنفاس شعبنا السوري الأصيل، ولا شك أنه يمثل- كمثيله المصري السابق- الكنز الباقي للكيان الصهيوني لحماية أمنها ودعم احتلالها لأرضنا العربية المقدسة!.
إن التاريخ لن ينسى لهذا النظام خياناته وجرائمه التي ترتبت على تسليم (الجولان) لقمة سائغة للصهاينة في 1967، بل إعلان سقوطها قبل أن تطأها أقدام اليهود وانسحاب الجيش السوري منها، وامتناعه عن تقديم العون للجيش الأردني مما أوقع الضفة الغربية والقدس الشرقية في أيدي اليهود، وكانت هذه الهزيمة المصطنعة هي الثمن للدفع بحافظ الأسد (وزير الدفاع السوري المهزوم) كي يكون رئيسًا لسوريا لمدة ثلاثين عامًا، يجثم هو وزمرته الطائفية على أنفاس الشعب السوري الصامد، ويرتكب فيها أفظع المذابح؛ حيث قتل 18 ألفًا في حماة عام 1982، ثم ينتقل الحكم لابنه (بشار) ليسير على نفس المنهج في تكبيل شعبه وإذلاله وإخضاعه للنفوذ الصهيوني، ومطاردة كل الأحرار في داخل سوريا وخارجها، رغم سماحه للفلسطينيين ببعض الحركة في سوريا ذرًّا للرماد في العيون.
حتى كانت انتفاضة الشعب السوري البطل– في أحداث الربيع العربي– لتشهد سوريا من جديد أفظع الجرائم والمجازر يرتكبها النظام الخائن ضد المعارضين السلميين، والذين يمثلون الآن كل الشعب السوري الحر.
شبابًا وشيوخًا وأطفالاً.
رجالاً ونساءً ومدنيين، وشرفاء العسكريين؛ حيث كان الجيش في معظمه حكرًا على طائفته المنبوذة والملعونة على مدار التاريخ.
إننا نرى الآن كيف تُستخدم أسلحة الجيش الثقيلة، من طائرات ودبابات ومدافع وصواريخ في تدمير المدن الثائرة على رءوس ساكنيها، في حلب وحمص وحماة ودمشق.
أسلحة الجيش التي لم تطلق رصاصة واحدة منذ هزيمة 1967 (45 عامًا كاملة).
تستخدم الآن وبكل ضراوة في قمع الشعب الحر الأعزل.
وفي نفس الوقت.
يُستخدم جيش آخر من الشبيحة (مثل بلطجية مصر وبلاطجة ليبيا) في ذبح المعارضين وانتهاك أعراضهم ونهب ممتلكاتهم وتدمير بيوتهم.
أطفال يذبحون بدماء باردة، بشرٌ يدفنون أحياءً أو بعد حرقهم.
تعذيب وانتهاك لعشرات الألوف من المعتقلين.
شبابٌ يجبرون على النطق بكلمة الكفر والسجود لصورة (بشار) فإذا رفضوا ذبحوا ذبح الشياه.
لقد وصل عدد الشهداء إلى ثلاثين ألفًا (من شباب وشيوخ ونساء وأطفال) وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمصابين والمعاقين ومئات الألوف من النازحين المهجرين المشردين في بقاع الأرض تحت سمع وبصر العالم المتحضر، ولا زال هذا النظام العميل يزعم أنها أقلية مارقة، وهم يمثلون الشعب السوري الأصيل، بكل أطيافه وفصائله!! ويظهر التواطؤ الدولي المفضوح- في الشرق والغرب على سواء- فالكل يخشى من انتصار الشعب السوري البطل.
خشية على الكيان الصهيوني الدخيل، والذي يقع بأكمله تحت هضبة الجولان، والكل يخشى من نجاح الثورة في سوريا؛ لأنها في هذه الحالة– بالتعاون مع ثورة مصر الأبية- ستغير موازين القوى في المنطقة بأسرها وستأذن بشروق فجر جديد للعالم العربي والإسلامي.
ولئن كانت الظروف عصيبة، والمؤامرات رهيبة ومتشابكة، والتضحيات هائلة ومؤلمة، فإن سنن الله غلابة، وعقارب الساعة لن تعود للوراء أبدًا، والدماء الزكية لن تذهب هدرًا، بل هي الثمن الغالي للنصر القادم والذي تطل بشائره بعودة الشعب– كل الشعب السوري– إلى الله تعالى عودة خالصة مخلصة، وكلنا سمعنا ونسمع هتافه الصادق الصادر من أعماق المحنة (يا الله ما لنا غيرك يا الله)، وندرك أن هذه الاستغاثات الصادقة تستنزل رحمات الله وتأييده ونصره، وتشحذ قوى الأمة السورية وطاقاته، فلم تعد هناك مدينة ولا قرية في طول البلاد وعرضها إلا وتوحدت حول هذا الدعاء والنداء والاستعانة بعد أن مزقتها في الماضي القريب دعاوى البعث والقطرية وأكاذيب جبهات الصمود والتصدي! إن ما يحدث في سوريا- من مجازر يشيب لهولها الولدان- توقظ الشعوب العربية والإسلامية بأسرها، لتعلم حقيقة ما يُحاك لها من مؤامرات محلية وعالمية، وستدفع الجميع لدعم هذا الشعب الصامد البطل بكل ألوان الدعم المادي والمعنوي، مع اللجوء إلى الله تعالى.
رب الكون كله.
الجبار القهار المنتقم، وقد رأينا فعله وآياته ومعجزاته كيف نصرت المستضعفين وأبادت الجبابرة في كل بلدان الربيع العربي في أشهر قلائل؛ إنها إرادة من الله سبقت "كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِى إنَّ اللَّهَ قَوِى عَزِيزٌ" (المجادلة: 21).
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِى عَزِيزٌ * الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ في الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج: 39-41).
• مطلوب من كل الشعوب مدّ يد العون- بكل ألوانه- إلى الشعب السوري الصامد البطل.
• مطلوب من كل الحكومات الوطنية المختلفة التأييد الدولي والتكاتف، وإيصال العون إلى الشعب الصامد، ومقاطعة ومحاصرة النظام العميل لإسقاطه وتخليص الشعب السوري من ويلاته.
• مطلوب من كل العرب والمسلمين اللجوء إلى الله بصدق وإخبات؛ لأنه صاحب الأمر كله (إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (يس: 82).
• مطلوب من الشعب السوري البطل وحدة الصف ووحدة الهدف وصدق التوجه إلى الله، فإن نصر الله لا يتنزل إلا على صفٍّ مترابط متماسك (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4).
وليتنبه إلى المؤامرات التي تهدف إلى تمزيقه أو انتهاز الفرصة لإعادة احتلاله بتدخل أجنبي عسكري طامع، وليوقن هذا الشعب البطل أن النصر آتٍ لا ريب فيه، وأن دماء رجاله ونسائه الأطهار لن تذهب هدرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، وأن غدًا لناظره قريب.
(واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) القاهرة في: 26 من شوال 1433هـ= الموافق 13 من سبتمبر 2012م