أمة الأهداف السامية والتضحيات الغالية
رسالة من أ.د.
محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
هذه الأمة التي شرفها الله عز وجل بحمل خاتم الرسالات السماوية وكمالات مكارم الأخلاق لكل البشرية بنموذج بشري لم يسبق له مثيل هو محمد خاتم المرسلين وإمام الأنبياء أجمعين صلى الله عليه وسلم.
وقد حمّلنا رب العزة هذا التكليف وأكد على ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بكل ما فيه خيرنا وخير البشرية وحذرنا من كل ما فيه شرنا وشر البشرية، وكانت النصوص واضحة جلية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، الصفة الأولى التي تجعلنا أهلا لهذه الخيرية ، ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) وهذا الموقف الإيجابي هو الذي يميز هذه الأمة عن كل الأمم السابقة والتي عندما لم تقم بهذا الواجب استحقت اللعنة والطرد من رحمة الله ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ولهذه الإيجابية تبعات، سنتعرض للأذى والتكذيب والإيذاء والاعتداء والافتراء والاعتقال والسجن بل القتل والحرق من أعداء الحق وأهل الشر ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنكَرِ واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )، وسيجري الله قدره علينا على يد هؤلاء المجرمين القتلة السفاحين ليتم اختبار الأمة ليعلم الله منّا من المجاهدون ومن الصابرون ومن المنافقون ومن المترددون ومن الرجاعون للحق وهم خير الخطائين لذلك قال لنا رب العزة ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )، ( ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ).
(ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ) وسيكون قمة الابتلاء اختيار الله عز وجل لشهداء ولا بد لكي يقتل هؤلاء الشهداء أن يكون هناك سفاحين قتلة مجرمين يقتلونهم ليس إلا أن يقولوا ربنا الله أو يقفوا في وجه ظالم طاغية خائن ليقولوا له كلمة حق يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر فيقتلهم "ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" فقط أمره ونهاه فمن الإرهابي هنا ومن المجرم ومن سيد الشهداء (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) .
أ قول لكل أ هل الشهداء هنيئًا لكم اختيار شهدائكم وشهيداتكم في معركة مصر من أ جل الحري ة والحق والكرامة رزقنا الله و إ ياكم بيوت الحمد في الجنة رضاء لقضاء الله وقدره عندما نقول الحمد لله ( إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ) نستحق هذ ه الجائزة الكبر ى لأن الذي أ مر الملائكة قبض أ رواح أ عزائنا هو الذي قال عندما سألهم: "قبضتم ابن عبدي المؤمن قبضتم روح ابن عبدي المؤمن وهو أعلم سبحانه وتعالى، قبضتم ثمرة فؤاده قالوا نعم قال فماذا قال، قالوا حمدك واسترجع قال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون قال الله ابنوا له بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد".
فلك يا رب مزيد وجزيل الحمد والشكر فنحن كلنا عبي د ك أ بناء عبيد ك أ بناء إ مائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك عدل فينا قضاؤك عدل فينا قضاؤك وقد علمنا رسول الله صل ى الله عليه وسلم قدوتنا أ ن نقول كما قال عندما اختار له قبض روح وحيده إ ب ر اهيم "إ ن الع ي ن لتدمع و إ ن القلب ليحزن و إ نا لفراقك يا إ براهيم لمحزونون ولا نقول إ لا ما يرضي ربنا " " اللهم أ جرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرًا منه " آ مين ، وهنا حقيق ة إ سلامي ة هامة أ رساها الفاروق عمر رضي الله عنه في مثل هذا الموقف عندما قيل له إ ن هناك شهداء آ خرين لا تعرفهم ولا تعرف آ بائهم و أ يضًا لم ير الناس مشاهد جنازاتهم قال الخليفة المتواضع " وما يفعلون بمعرفة عمر بن أم عمر الذي أ كرمهم بالشهادة يعرف وجوههم ".
أ ما القتلة والسفاحون ف إ نا نسأل الله عز وجل أ ن يجعل هذ ه الدماء الزكية الطاهرة من الشهداء والجرح ى والمصابين والمحروقين لعنة عليهم وعل ى كل من شاركهم وساعدهم ولو بشطر كلمة إ ل ى يوم القيام ة حت ى يكتب بين عين ي هم " آيس من رحمة الله " كما نسأل ه تبارك وتعالى أ ن يجعل كل التضحيات والمواقف والطاعات والقربات والدعوات من كل المسلمين والمسلمات هي ضريبة تحرر الأمة من كل عبودي ة إ لا لله وحصولها عل ى كل حقوقها المشروع ة وهي رئيسها المنتخب ودستورها المستفت ى علي ه ب أ عل ى نسبة موافقة من العالم ومجلسها التشريعي المنتخب من الشعب المصري صاحب القرار ومصدر السلطة وهو بحق القائد ال أ عل ى لمجلس قيادة ثورته.
وال إ خوان المسلمون وكل فصائل هذا الشعب الوطنية المخلصة جنودًا لهذا الشعب لا يتصدقون عليه ولا يتأخرون عنه ولا يقصرون بالتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل حريته وكرامته والحق الذي بايعوا علي ه طيلة طريقهم الطويل في مواجهة الصهاينة والمحتل الغاصب والوقوف في وجه الظالمين ، كل الظالمين لم يعرفوا إرهابًا ولم يردوا على الإساءة إل ا بالإحسان وتاريخنا يشهد وأمتنا الشاهدة على الأمم تشهد والله خير الشاهدين ماذا فعلنا فيمن حاكمونا محاكمات عسكرية بلغت أحكامها أكثر من خمسة عشر ألف سنة سجن بل علقونا على أعواد المشانق وقتلونا تحت التعذيب في السجون والمعتقلات وقتلونا في المظاهرات وال ا عتصام ا ت السلمية وحرقونا مع كل المصريين الشرفاء السلميين وحرقوا ممتلكاتنا ومن قبلها من قتلونا بأيد ي بلطجيتهم أثناء تزوير الانتخابات ومن زوروا ال ا نتخابات بالكلية وحصلنا على ستة آلاف حكم قضائي لصالحنا لم ينفذ منها حكم واحد (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فمن الذي يحترم القضاء ومن الذي يهين القضاء ومن الذي يحترم القانون ومن الذي يدوس على الدستور والقانون وإرادة الشعب المصري كله ال آ ن بحذائه ورغبته النازية الفاشية الفرعونية ، ولكن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة والله عز وجل الذي أقسم بعزته وجلاله لدعوة كل المظلومين " لأنصرنك ولو بعد حين " سيأتي هذا الحين يقينًا وسريعًا ب إ ذن الله ل أ ن الله هو الحق وهو الذي يقذف بالحق قذائف ربانية لا طاقة لقذائف مدافعكم وطائرتكم وبنادقكم ورشاشاتكم بها ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) أي تكذبون ، أما أنتم يا أحرار العالم أفراد أو حكومات أو مؤسسات: نطالبهم بوقفة قوية مع الحق والحرية لكل شعوب العالم فقد مضى زمن الانقلابات العسكرية إلى غير رجعة ولقد وقفتم ضدها في كل مكان وفاء لقيم الحرية والعدل وحقوق الإنسان.
أما من اختار لنفسه أن يقف مع الظلم مع القهر مع القتل مع سفك الدماء مع حرق الأبرياء، أقول لهم سواء كانوا أفرادا أو جبهات أو مؤسسات محلية أو دولية أو حكومات عربية أو غير عربية فقريبًا وقريبًا جدًّا بإذن الله ستندمون على هذه المواقف لأن الله ناصر الحق وهو الذي قال وقوله الحق (عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ) (وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الكَذَّابُ الأَشِرُ) .
وأعتقد أن من أراد أن يعتبر من مواقف الثبات وصبر وبطولة فلينظر إلى أهل فلسطين ولا نزكيهم على الله لم ترهبهم آلة الحرب الصهيونية التي تنتهك كل الحرمات كل يوم ولم تنل من عزيمتهم وإصرارهم ورفضهم التام كل يوم الاعتراف بالأمر الواقع للص السفاح ولذلك بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم منص و رون لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم وتخلى عنهم (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
نحن أمة الثبات ل أ ن ما كان لله دام و ا تصل نحن أمة الست من شوال بعد رمضان نحن أمة ال إ ثنين والخميس ول أ ن للكون رب بيده الأمر كله (فَاعْبُدْهُ وتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
وللحق رب يحميه وللباطل الخزي والندامة ولأهله الخسران في الدنيا والآخرة (ويَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا)، (واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) .
والله أكبر ولله الحمد صدق وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم القاهرة في: 13 من شوال 1434هـ، الموافق 20 من أغسطس 2013م ------------------- آخر رسالة كتبها فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين قبل الاعتقال أمس