رسالة الإخوان المسلمين .. تحية للأفارقة ويا أسفا لحكومات الغرب
ينظر الغربيون إلى القارة الإفريقية على أنها غارقة في الجهل والظلام والتخلف ، وعلى أن الغربيين هم أرباب الحضارة والتقدم ، لكن المواقف هي التي تكشف الحقيقة وتفضح الزيف ، فالتحضر لا يتمثل في ارتفاع مستوى المعيشة بقدر ما يتمثل في التمسك بالمبادئ واحترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.في مصر ثار الشعب على نظام ديكتاتوري بعد ستين عاما من القهر والقمع والفساد ونهب الثروات وتخلف البلاد ، وسار في طريق الديمقراطية والحرية والكرامة والإصلاح ، وإذا بمجموعة من العسكريين ينقلبون على النظام الجديد بعد سنة من توليه الحكم ، ويختطفون الرئيس الشرعي المدني المنتخب لأول مرة منذ ستين عاما ويعطلون الدستور ويحلون البرلمان ، ويلغون نتائج خمسة انتخابات واستفتاءات حرة نزيهة شهد لها بذلك الجميع في الداخل والخارج .
قام الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية مصر فيه على الفور ، ووصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري ، وظل الانقلابيون يحاولون إلغاء قرار تعليق العضوية ويلتمسون إلى ذلك وسطاء، حتى كان اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي منذ أيام ، وحاول نائب وزير الخارجية المصري الانقلابي إقناع المسؤولين الأفارقة بالسماح لمصر بالمشاركة فيه، إلا أنهم اعتذروا اتساقا مع مبادئهم ومع ميثاقهم.
أما حكومات الغرب وعلى رأسها أمريكا فقد ادعت أنها لا تعلم ما إذا كان ما حدث في مصر انقلابا عسكريا أم لا ، رغم أن الأمر أوضح من الشمس ، وأنها تملك أكبر الخبراء القانونيين والسياسيين، وأكثر المراكز البحثية المتخصصة ، كل ذلك حتى تتهرب من مبادئها – التي تشدق بها أوباما في خطابه بجامعة القاهرة الشهير- وتتهرب كذلك من استحقاقات قوانينها التي تحظر عليها دعم الانقلابات العسكرية ، وهذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الحكومات كانت وراء هذا الانقلاب العسكري المشؤوم ، لأنها لا تريد لشمس الحرية والديمقراطية أن تشرق على مصر ، فتستقل عن سياستهم وتتقدم فتستغني عن معونتهم.
يؤيد ذلك الضغوط التي مارستها هذه الحكومات على الدكتور محمد مرسي للتنازل عن كثير من صلاحياته لرئيس وزراء يختارونه هم ، فلما رفض تم تحريض الانقلابيين على القيام بانقلابهم ، كما يؤكد ذلك الضغوط التي مارسها سفراء هذه الحكومات ومبعوثوهم على أنصار التمسك بالشرعية من أجل الإذعان للأمر الواقع وفض الاعتصامات وإيقاف التظاهرات ، ثم التغاضي عن المجازر والاعتقالات والتعذيب ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه التي قام ويقوم بها الانقلابيون الدمويون تجاه الشعب الأعزل ، ولو حدث معشار ذلك من حكومة لا يرضون عنها لأقاموا عليها الدنيا وما أقعدوها.
ورغم أن كثيرين من الأمريكيين من الصحفيين وغيرهم أدانوا الانقلاب العسكري في مصر ، وطالبت المجموعة المسماة (The working group on Egypt) الرئيس أوباما بتبني سياسات «واقعية وأخلاقية» تجاه الشأن المصري ، وهذه المجموعة تضم خبراء وباحثين في الشأن المصري ، وأعضاء سابقين في الإدارة الأمريكية ولا تنتمي لأي حزب سياسي ، وأوضح إيليوت إبرامز أحد أبرز الباحثين وعضو المجموعة أن من الخطإ المفاضلة بين الديمقراطية والاستقرار في مصر ، فالتقييم الواقعي لما يحدث يؤكد استمرار الدولة البوليسية ، ولن يحقق استقرارا على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد ، وقال أيضا: إن حظر كافة أشكال المعارضة السلمية سوف يؤدي لمزيد من القمع وعدم الاستقرار والدمار الاقتصادي الكبير .
ووصفت المجموعة الاستفتاء الأخير على الدستور بالعملية الفارغة من محتواها بسبب عدم احترام السلطات المصرية للحقوق والحريات التي تدعي أن الدستور يكفلها.
وختمت المجموعة رسالتها لأوباما بمطالبتها الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ سياسات متسقة مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان .
رغم ذلك كله وغيره كثير فإن الإدارة الأمريكية لا تزال تبيع للشعب المصري تصريحات فارغة في الوقت الذي تؤكد على الشراكة الكاملة مع النظام الانقلابي ، ولا يزال الخط الساخن بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره المصري قائد الانقلاب مستمرا ، يمده بالنصائح، ويتدخل في مسار ما يسمى بخارطة المستقبل ، إضافة إلى الدعم المادي والمعنوي .
هذا بدلا من دعوة الدول لتطبيق عقوبات على الأنظمة المستبدة التي تقوم على انقلابات عسكرية تصادر إرادة الشعوب وحريتها وتهدم دعائم الديمقراطية وتنتهك حقوق الإنسان.
إن هذه الحكومات تعول على ما يسمى بخارطة المستقبل لاستعادة الشرعية ، وقد قال وزير الخارجية الأمريكي : «إن مسودة الدستور في مصر تم إقرارها باستفتاء عام » ، وهم في أمريكا يعلمون تمام العلم أن الشعب المصري قد قاطع هذا الاستفتاء وهم يعلمون أيضا عدد من صوتوا في هذا الاستفتاء بالفرد ، وأن هذا الاستفتاء لم يمنح الانقلاب أي شرعية ، وكيف يذهب الشعب إلى صناديق الاستفتاء وقد أهدر هذا الانقلاب خمسة انتخابات واستفتاءات نزيهة وحرة من قبل ؟ ولو ذهب الشعب لأقر بحق كل جنرال أن ينقلب على النظام القائم ما دام قادرا بعد ذلك على كتابة دستور وتزوير الاستفتاء عليه وإجراء انتخابات رئاسية يخلع فيها بزته العسكرية ويرتدي زيا مدنيا ويزور النتائج في جو قاتم من الإرهاب والقتل .
إن كانت هذه الحكومات تدعي (ببلاهة) بأنها لا تعلم ما إذا كان ما حدث في مصر انقلابا عسكريا أم لا ، فإن لعبة استعادة كرسي الرئاسة لقائد الانقلاب من الرئيس الذي عينه هو بنفسه يزيل كل لبس يدعيه المتغافلون.
إن موقف هذه الحكومات يزيد الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية كرها ومقتا وبغضا لهذه الحكومات ويدمغها بالنفاق ويجر عليها لعنات كل فرد فيها، ولا يمكن ضمان مصالح هذه الحكومات في جو مفعم بالعداء مع الشعوب والانحياز لمن يقتلها ويحرقها ويعتقلها ويعذبها ويصادر كرامتها وحريتها وإرادتها وينهب ثرواتها ويفقرها ويؤخرها ويضعفها .
إن هذه الدول يمكنها أن تحظى بحب الشعوب لو انحازت للحق والعدل والحرية والديمقراطية ، وتوافقت مع مبادئها التي هي مبادئ الإنسانية وأخلاقها ، وهي بهذا فقط تستطيع تأمين مصالحها .
إننا نطالب هذه الحكومات أن ترفع يدها تماما عن التدخل في شئوننا الداخلية، وألا تدعم الظلم والباطل ، وأن تقول كلمة الحق ، وأن تطبق مبادئها وقوانينها كما فعلت دول إفريقيا.
وفي الختام لا نملك إلا أن نقول : تحية لإفريقيا ، ويا أسفا على حكومات الغرب.
الإخوان المسلمون في الثلاثاء 4 ربيع الثاني, 1435 هـ الموافق 4/فبراير/2014