رسالة الإخوان المسلمين: ثورة الأحرار هي السبيل لإنقاذ مصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثورة مستمرة رغم القمع والظلم: تصور الانقلابيون العسكريون الدمويون في مصر أن القيام بمذابح دموية واسعة سوف يحدث صدمة ورعبًا للشعب المصري، وسوف يؤدي إلى استتباب السلطة لهم وخضوع الجماهير لهم والقضاء على أصحاب الشرعية تمامًا، ومن ثَمَّ يُكررون حالة الحكم العسكري الذي بدأ من عام 1952، إلا أن الشعب الذي عانى الويلات طيلة الستين عامًا الماضية- لا سيما الشباب الذي تغيَّرت ثقافته وطبيعته وتضحيته عما سبق من أجيال- قرر ألا يلدغ من جحرٍ مرتين، فاستمرَّ في ثورته لرفض الانقلاب وإصراره على كسره، وصمم على إقامة حياة ديمقراطية دستورية مدنية حرة، وتصدى لسلاح العسكر بصدره العاري، وصبر على التعذيب في السجون، ولا يزال في حراكه الثوري لمدة زادت عن أربعمائة يومٍ بلا انقطاع؛ لأنه يعلم أن استمرار الثورة هي الحل لإنقاذ مصر من القهر والظلم والخراب والفساد، ولن يؤثر في قرار استمرارهم في الثورة تهديد ولا أحكام جائره يتنافس قضاة العار في إصدارها على شرفاء الوطن الذين يقولون لقائد الانقلاب الدموي مع كل ظلم تنطق به محاكم الزور وقضاة العسكر: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾.العسكر أعداء الديمقراطية: إن العسكر أعداء للديمقراطية بحسب تربيتهم وعقيدتهم، وكلنا نذكر أن من مبادئ ثورة يوليو 1952 الستة (إقامة حياة ديمقراطية سليمة)، وظل العسكر مع ذلك يحكمون ستين عاما حكمًّا ديكتاتوريًّا مطلقًا، ونذكر كذلك أن قائد انقلاب 3/7/2013م قال: إن مصر ستصل إلى الديمقراطية بعد خمسة وعشرين عامًا، ونعلم أن كل الانتخابات والاستفتاءات التي أجراها العسكر كانت مزورةً، وأن كل المؤسسات الدستورية التي أقاموها كانت ديكورًا مظهريًّا، وأنهم لم يسمحوا للمدنيين أن ينافسوهم على الحكم قط.
إن العسكريين لا يحسنون إلا القتال، وليتهم مارسوا هذا ضد أعداء الوطن، ولكنهم مارسوه ضد الشعب المصري الأعزل، حتى ذكرت منظمة "هيومن رايتس وتش" أن ما فعلوه في رابعة والنهضة جرائم ضد الإنسانية.
حكم العسكر الدكتاتوري يجلب الخراب ويقهر الشعب: إن التجارب الإنسانية عامة والتجربة المصرية خاصةً تؤكد أن إدارتهم للحياة المدنية لم تجلب للشعب إلا الخراب والفقر والتخلف، ففي 1952 كانت مصر دائنةً لبريطانيا، وكانت السودان ومصر دولة واحدة، وكانت تصدر للعالم كثيرًا من فائض المنتجات، فأصبحت تحت إدارتهم دولة فقيرة مدينة بما يزيد على تريليوني جنيه، تتسول من دول الخليج حتى الملابس المستعملة وتستورد كل شيء، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة ونسبة التضخم إضافةً لارتفاع الأسعار وهروب الاستثمارات، وتحول قادة العسكر إلى رجال أعمال، وحولوا الجيش إلى مؤسسة اقتصادية تمتلك ثروات البلاد وتستحوذ على المشروعات بالأمر المباشر، وتهب ممتلكات الدولة لمن تشاء بالمجان، وتعفي مكاسبها وممتلكاتها من الضرائب والجمارك، وتستخدم المجندين في تنفيذ المشروعات بنظام السخرة، ولا تخضع ميزانيتهم وصناديقهم الخاصة ومشروعاتهم لأي نوعٍ من الرقابة.
ولا يختلف موقفهم من الحريات العامة وحقوق الإنسان عن موقفهم من الديمقراطية، فالحرية المطلقة لهم، ولا حرية للشعب، خصوصًا المعارضين لفسادهم، فحرية الرأي والتعبير لهؤلاء مصادرة، وحرية التظاهر ممنوعة وحرية السفر مقيدة، أما حقوق الإنسان الأخرى فمهدرة، بما فيها حق الحياة، فالقتل في الشوارع والجامعات والسجون وأقسام الشرطة، والحبس بلا أي مبرر في ظروف غير آدمية، والتعذيب قائم حتى وصل إلى انتهاك الأعراض، وقد صدرت تقارير عديدة من منظمات حقوق الإنسان الدولية تدمغ النظام العسكري بمنافسة أبشع النظم الوحشية في انتهاك حقوق الإنسان.
وفي ظلِّ هذا المناخ غير الإنساني تحولت الشرطة والنيابة والقضاء إلى أذرع للظلم والقهر، مجاراة لسياسة العسكر الإرهابية، فاعتقل أكثر من أربعين ألفًا من الشرفاء، وتمَّ تلفيق الاتهامات الباطلة لهم، ووضعهم في السجون بلا سقفٍ زمني، ومحاكمتهم محاكمات سياسية، مع إصدار أحكام في غاية القسوة وصلت للإعدام بلا دليل للعلماء والأفذاذ والبارزين لكونهم معارضين للانقلاب الدموي؛ الأمر الذي جعل العالم كله يسخر من مؤسسة القضاء في مصر، ويتهمها بالخروج على كل القوانين إرضاءً للعسكر.
ولم يكتفِ العسكريون الانقلابيون بذلك بل راحوا يحملون فقراء الشعب تبعات الفساد والخراب الذي جلبوه للبلاد بنزع لقمة الخبز من أفواههم وإلغاء الدعم عنهم، حتى صارت حياتهم عناءً وفقرًا وشقاءً في الوقت الذي يرفعون فيه مرتبات الضباط والجنود أضعافًا مضاعفة.
هذا كله جعل مصر في أسوأ وضع يخطر ببال أي مصري مخلص وكل محب من غير المصريين، ويتمنى إنقاذها مما حلَّ بها من جرَّاء سياسة الانقلابيين الدمويين الذين لا علمَ لهم ولا فكرَ ولا ثقافةَ ولا رؤية ولا خبرة، اللهم إلا منطق السلاح والعنف والقوة، ولسان حالهم يردد مقالة فرعون ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾.
ثورة الأحرار ووحدتهم هي السبيل: لذلك فإنه لا سبيلَ لإنقاذ مصر من براثن هذه الطغمة إلا بالاجتماع على استمرار الثورة، والصبر على التضحيات، والتمسك بالثوابت والمبادئ وقيم الحرية والشرعية والديمقراطية والمدنية وسيادة الشعب والإصلاح والشفافية والعدالة الاجتماعية، وتحقيق العدل والمساواة وسيادة القانون، والقصاص للشهداء، فهو حق لهم ولذويهم، وليس لفردٍ أو جماعة أو حزب أو مؤسسة أن تتنازل عنه.
ومن ثَمَّ فإن مَن يتصور أنه يمكن للحكم العسكري الانقلابي الدموي أن يتحول ليكون ديمقراطيًّا أو عادلاً أو إنسانيًّا أو إصلاحيًّا أو تقدميًّا أو نزيها فهو واهم، وواهم أيضًا مَن يتصور إمكانية التعايش السليم مع من أراق الدماء أنهارًا وأزهق أرواح الشرفاء وألقى بالآلاف في السجون وارتكب في حقهم كل الجرائم، حتى وضعته منظمات حقوق الإنسان على رأس المطلوب محاكمتهم دوليًّا بارتكاب جرائم حرب، بل إنهم لم يكتفوا بما فعلوه في الداخل، وإنما راحوا يمارسون إرهابهم ووحشيتهم على إخواننا وجيراننا في ليبيا، ويسوقون جيشنا إلى مستنقع الدم الحرام لقاء صفقة من مال الإمارات العربية، فضلاً عن الموقف الشائن من حصار أهل غزة لصالح الصهاينة.
إن هؤلاء الذين فقدوا شرعية الشعب في الداخل راحوا يلتمسونها في الخارج، فوضعوا أنفسهم ونظامهم تحت إمرة الصهاينة والغرب يخضعون له وينفذون أوامره ولو تعارضت مع رؤية الشعب ومصالحه.
فهل يمكن أن يرضى وطني حر إلا بالثورة على هذا النظام حتى يحرر البلاد والعباد من ظلمه وفساده! ولهذا فكل حر كريم في هذا الوطن العزيز يجب أن يضع يده في أيدي الثوار الأحرار لتقوية صف الثورة وتوحيد الجهود لتحقيق أهدافها، فما كان الله لينصر أهل فُرْقة على أهل جماعة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، والثورة ماضية في طريقها للنصر القر يب بإذن الله.
والله أكبر ولله الحمد.